فيلم «لا ينسى».. سيُنسى ولن يتذكره أحد
ـ محمد جابر
هناك سبب لانتظار فيلم Unforgettable، رغم ميزانيَّته المحدودة، وعدم وجودِ نجوم صفٍّ أوّل في بطولته. ولكن، كونه التجربة الإخراجية الأولى لدينيس دي نوفي، جعله مرتقباً، لأنّها مُنتجة مهمة في هوليوود خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وعملت طويلاً مع المخرج، تيم بيرتون، في عدد من صفوة أفلامه مثل Ed Wood وEdward Scissorhands، وحتى أعمالها التجارية الأخرى حققت نجاحاً كبيراً. وفي فيلم نسائي عن الحب الذي قد يؤدي إلى الجنون، مثل Unforgettable، فإنّ وجود دي نوفي عنصرٌ يدعو للتفاؤل.
ومع بدء عرض الفيلم بدور السينما هذا الأسبوع، فإن النتيجة النهائية من التجربة كانت ضعيفة للغاية، حتى مع بعض اللحظات اللامعة هنا وهناك، والأداء الممتاز جداً في دور الشرّ الأساسي.
الفيلم يتمحور حول تيسا كونوفر، السيدة الشقراء التي تنفصل عن زوجها “ديفيد”، والذي بدأ في مراسم زواجه من جوليا بانكس. تحاول “تيسا”، في البداية، تقبل الأمور والتعامل بلياقة مع الموقف، ولكن انتقال “جوليا” للعيش في نفس البيت، والأهم، تعامل الجميع باعتبارها الأم الجديدة للابنة “ليلي”، والحياة الأسرية السعيدة التي عاش فيها الثلاثة، كل هذا جعل “تيسا” تبدأ في الشعور بالغيرة، والتي تدفعها في البداية لتصرُّفاتٍ حمقاء وموتورة، قبل أن تصل بها مع الوقت للجنون، وبداية حياكة خطة شريرة ومرعبة تدمر بها حياة “جوليا بانكس”.
الخطوط الأساسية في الفيلم تجعلنا نتذكَّر تلقائياً فيلم Fatal Attraction، والذي رُشِّح لـ6 جوائز أوسكار عام 1987، ودار حول عشيقة تقرر تدمير الحياة الزوجية لعشيقها بفعل الغيرة. ولكن الفارق الحقيقي الذي يجعل الأخير فيلماً جيداً، في حين Unforgettable (الذي يأتي بعده بـ30 عاماً) فيلماً ضعيفاً، هو عمق التعامل مع الغيرة والجنون في نفسية المرأة، وكيفية تطورهما داخل البطلة، حتَّى تقرر أن تجعل الحياة جحيماً على الجميع. وفي الوقت الذي تتطور فيه الأمور ببطء مع “جاذبية قاتلة” (بفعل سيناريو ممتاز وأداء عظيم من جلين كلوز)، فإن فيلم “لا ينسى” لا يتجاوز القشور في أي لحظة، إذ يلقي بكل ثقل التطور الدرامي في مفاصله الأهم، كتحول التقبل إلى غيرة، والغيرة إلى جنون، على مقارنات بصرية ومتتابعة بين حالة البيت السعيد الذي يعيش فيها الزوج والابنة والزوجة الثانية، والذي يتم تصويره دائماً بألوانٍ دافئة، وبتفاعل دائم بين الشخصيات، وبين حياة “تيسا كونوفر” الفارغة وبيتها الذي يتم دائماً تصويره بالأزرق، وخطوط من الظل غير مريحة، بفعل النوافذ، وبتكوينات تعطي مساحة للفراغ أن يتواجد دائماً.
وتلك المقارنات، رغم تقليديتها، إلا أنَّها قادرة على التفاعل مع المشاهد وخلق شعور ما. والمشكلة الحقيقية، أن الفيلم لا يحمل أي شيء أبعد من ذلك في مرحلة تطوره. لا يوجد حدث مفصلي يدفع الدراما للأمام، ولا توجد مساحة كافية للتورط مع شخصية “تيسا” وإدراك تطور المشاعر الذي ينتابها، بل يتم التعامل مع تلك الحيل البصرية (المقبولة في ذاتها) باعتبارها الدافع الذي سيحمل كل الثقل وحده، ويفشل هذا تماماً. ويظلُّ السؤال عند المُتفرِّج طوال الوقت عن الحدث الذي يقلب الأمور بهذا المنحى، خصوصاً مع تسارع وتيرة الأحداث في النصف الثاني، ومحاولة الفيلم أن يقترب من الرعب الصريح، والجريمة المباشرة، ودخول شخصيات جديدة إلى الصورة بشكل مُباغت، وتفاصيل لم تكن جزءاً من العالم (مثل التكنولوجيا وفيسبوك وغيرها) صارت هي المُحرك. فينهار المنطق الدرامي في الفيلم تماماً، ويفقد المشاهد أي صلة بالشخصيات أو القصة.
العنصر الإيجابي الوحيد في الفيلم، هو أداء الممثلة، كاثرين هيغل، والتي يعرفها الجميع كبطلة مساندة في مسلسل Grey’s Anatomy، وبعض الأفلام الكوميدية. تظهر هنا إمكانيات أدائية أكبر من أي عمل آخر شاركت فيه. وتخلق، أحياناً، بعض المشاهد واللحظات الجيدة بمفردها، رغم فتور أداء الأبطال أمامها (وخصوصاً شريكتها روساريو داوسون). ومن المحبط بالنسبة لها أن هذا الأداء الممتاز الذي كان سيحملها خطوة للأمام أتى في فيلم سـ”يُنسى” تماماً، ولن يتذكره أحد.