ملفات خاصة

واقعية صلاح ابو سيف

محمد حمودة يكتب لـ «سينماتوغراف»:

عندما نتحدث أو نذكر المخرج الراحل صلاح أبوسيف نقرنه دائماً بالواقعية أو بالسينما الواقعية، وللدخول إلى عالم صلاح أبوسيف أو واقعية صلاح ابوسيف علينا فى البداية ان نطرح هذا السؤال.. ما هو المقصود بالواقعية.. هل هى نقل الواقع .. أم هى وجهة نظر فى هذا الواقع.. هل هى واقعية الشكل أم المضمون.. هل الواقعية تعنى فقط تناول مشاكل وحياة الطبقات الشعبية والدنيا أو حتى الوسطى.. أم انها أشمل من ذلك وأكثر رحابة، وهل الواقعية ترتبط بزمنها وهى تعبير عن زمنها.. أم انها تتجاوز الزمن؟ الاجابة عن هذه الاسئلة أو التساؤلات تفتح لنا الطريق إلى عالم صلاح ابو سيف السينمائى وتضع ايدينا على واقعية صلاح أبوسيف..

والواقعية لا تعنى نقل الواقع كما هو.. فالسينما التسجيلية تقوم بهذا الدور خير قيام .. بل تعنى اقتحام هذا الواقع وتحليله من خلال تفاصيلة الدقيقة العادية وشخوصة الحقيقيين البسطاء دون تجميل ولكن من خلال وجهة نظر .. والواقعية لا ترتبط بطبقة بل ترتبط بتفاصيل الحياة بكل ما فيها ومن فيها .. وهى أيضاً لا ترتبط بزمن وإن كانت تنطلق منه فهى وإن صح التعبير عابرة للزمن .. لأن المشاكل الاجتماعية والانسانية لا ترتبط بزمن بل بظروف تصنعها وتعيد صنعها بشكل أو بآخر كلما تكررت الظروف نفسها ..

الأسطى حسن
الأسطى حسن

ظهرت الواقعية فى السينما.. أو الواقعية الايطالية مع بدايات الاربعينيات من القرن العشرين فى فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها حيث خيمت على المجتمع أجواء  الفقر والبطالة.. وتميزت هذه السينما بالخروج من حيز الاستديوهات والتصوير الخارجي في الشوارع والأسواق والتجمعات السكنية الفقيرة بصورة تقترب من الأفلام الوثائقية واعتمدت على التصوير المباشر والبسيط لمعاناة الطبقات الفقيرة في المجتمع.. كان هدفها تقديم الواقع كما هو بلا رتوش.. وتناول الحياة بمفردات الحقيقية دون إخلال .. وطرح القضايا الاجتماعية بدلا من الهروب منها .. وقد تأثر  بهذه الموجة السنيمائية  كثير من السينمائيين فى العالم كله ..

وتأثر بهذه الموجة أو بهذه السينما المخرج الكبير صلاح أبوسيف .. بل وتميزت اعماله ببصمته ورؤيته الواقعية .. وتعتبر أفلامه فى السينما المصرية (بمثابة العمود الفقري لهذا الإتجاه كما تقول الناقدة الألمانية) «اريكا ريشتر».. وتصفه أيضاً بـ«استاذ الأفلام الواقعية في مصر»..

الطريق المسدود
الطريق المسدود

وللحق وللتاريخ، فإن فيلم «العزيمة» عام 1939 للمخرج الراحل كمال سليم هو أول الأفلام الواقعية تاريخ السينما المصرية – وإن كان تم تصويره داخل الاستديو – وقد عمل صلاح أبوسيف مساعد مخرج أول فى هذا الفيلم.. ويعتبر فيلم «السوق السوداء» لكامل التلمسانى عام 1945 إستمراراً لمدرسـة «كمال سـليم» الـواقعية .. غير انه ايضاً تم تصويره داخل الاستديو ..

لقد كانت الأفلام الواقعية قبل صلاح ابوسيف تعتمد على المضمون والشخصيات غير انها لم تخرج إلى الشارع بل نقلت الشارع إلى الاستديو .. وهى هنا تختلف عن الواقعية الجديده فى السينما المصرية والتى ظهرت مع مطلع الثمانينيات على يد مجموعة من شباب المخرجين والكُتاب فى ذلك الوقت أمثال «عاطف الطيب»، «محمد خان»، «بشير الديك»، «خيرى بشارة»، وغيرهم .. فهؤلاء خرجوا بالكاميرات خارج اسوار الاستديوهات .. ونقلت اعمالهم نبض الحياة كما هى فى الشوارع والحوارى .. تعاملت مع المهمشين .. كما تعاملت مع ابناء الطبقة الوسطى .. بل نستطيع القول إن كل الطبقات وجدت نفسها دون رتوش من خلال اعمالهم على الشاشة ..

الفتوة
الفتوة

لقد اقتحم صلاح ابوسيف فى اعماله السينمائية .. مشاكل الحياة .. وطرح هموم  وقضايا البسطاء والمهمشين على الشاشة .. غير انه ايضاً لم يخرج بالكاميرا خارج اطار الاستديوهات انه نقل الواقع إلى داخل الاستديوهات بالديكور وبالاجواء  وبالمضمون والشخصيات ..

 كان صلاح ابو سيف يرى أن المخرجين ثلاثة أنواع .. المخرج الهروبي..الذي يُجمل صورة العالم والمجتمع.. فيصنع أفلاماً مزورة قائمة على الكذب مظهراً الحياة شديدة الجمال .. فهو يهرب من الواقع .. والمخرج الوصولي.. الذى يتلون تبعاً لتغير الظروف  فهو اشتراكي اذا ما دعت السلطة السياسية الى الاشتراكية… أو فاشي إذا دعت الضرورة .. وهكذا .. والمخرج الايجابي الذي يؤمن بوطنه.. الذى يؤمن بأن للفن غاية محددة وأنه يخدم قضية بعينها.. هذا المخرج يهتم بالقضايا التي تهم الناس.. صحيح انه قد يكون عاجزاً عن اقتراح الحلول… لكنه قادر على طرح الاسئلة.. والحال ان طرح السؤال هو الوصول الى نصف الجواب على الأقل .. وهكذا كان صلاح ابوسيف .. وهكذا كانت واقعيته .. «رؤية ووجهة نظر فى الحياة» .. واقعية تنفذ بالبصر والبصيرة إلى أعماق الواقع ..  واقعية تُدرك وتعي جذور المشاكل او الظواهر التى تتناولها ولا تكتفي برصد ملامحها فقط .. وقد جسد هذا المفهوم في أفلامه الكثيرة والمهمة مثل «الاسطى حسن» 1952 ..  «شباب امرأة» 1956 .. «الفتوة» 1957  .. «انا حرة» 1959 .. «بداية ونهاية» 1960 .. «القاهرة 30» 1966 ..  «الزوجة الثانية» 1967 .. «القضية 68» 1969 ..  «السقا مات» 1977 ..  «البداية» 1986 .. وغيرها ..

بداية ونهاية
بداية ونهاية

لقد تبنى  صلاح أبو سيف في معظم أفلامه مشاكل واحوال بسطاء ومهمشى عصره .. فاستعرض مشاكل المرأة .. وقهر المرأة في عدد من الأفلام  منها  «أنا حرة».. «الطريق المسدود».. «بداية ونهاية» .. «الزوجة التانية» .. وتناول  مشاكل الطبقة الوسطى .. الطبقة الغالبة على المجتمع في أفلام مثل «القاهرة 30» و«بداية ونهاية» و«القضية 68» والذي تناول ايضا اضطهاد السلطة للمواطن وبجرأة ..  ولم ينس مشاكل الفلاح المصرى وما يتعرض له من ظلم وقهر  فقدم  «الزوجة الثانية» و«المواطن مصري» .. كانت رؤيتة للواقع بمشاكله وتفاصيله الحياتية البسيطة .. ولوقعها على الانسان العادى البسيط الذى تلتقيه فى اى مكان .. رؤية بانورامية إن صح التعبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى