أبو سيف .. «فجر الإسلام والقادسية»
«سينماتوغراف» ـ محمد بدر الدين
«فجر الإسلام» (1971)، «القادسية» (1981)، من بين الأفلام المختلفة عن المعهود في سينما صلاح أبو سيف زماناً ومكاناً وطابعاً، فهما يدوران في زمان غير زماننا وفي أمكنة بعيدة عن الواقع المصري الذي تتمحور حوله مجمل أعماله. لكليهما طابع ديني تاريخي ملحمي، إلا أنهما يتكاملان.
يعرض «فجر الإسلام» لبداية ظهور الإسلام وجهاد المؤمنين الأوائل لنشر رسالته، إلى أن ترسخت وأسست واقعاً جديداً انطلق من مكة والمدينة وتقدم نحو بلاد الحجاز وأحرز، عبر الفتوحات الإسلامية، مساحات أوسع لنشر الدعوة وتحقيق دولة كبرى تضمّ قوميات عدة تستظلّ براية الإسلام وهديه.
أما «القادسية» فيركز على أحد أكبر الفتوحات الإسلامية وأخطرها أثراً، وكان في عهد الخليفة الثاني العظيم عمر بن الخطاب وبقيادة الصحابي الجسور سعد بن أبي وقاص.
كتب سيناريو «فجر الإسلام» عبد الحميد جودة السحار بالتعاون مع المخرج أبو سيف وأدى بطولته كل من محمود مرسي، سميحة أيوب، يحيى شاهين، نجوى إبراهيم… وكان السحار دارساً ومحللاً للسيرة النبوية، ما أكسب الفيلم تميزاً ليس على المستوى الروائي فحسب، وإنما على مستوى الدراسة العلمية التاريخية السليمة.
وقد وفق معظم العناصر في الفيلمين، سواء في تصوير عبد العزيز فهمي الفذ في «فجر الإسلام»، أو في التمثيل: عزت العلايلي وشذى سالم في «القادسية»، أما سعاد حسني فلاحظ الجميع أن موهبتها أكبر من دورها بوضوح.
ربما كان المأخذ المشترك على الفيلمين تقديم الطرف، الذي يحارب ضده المجاهدون المسلمون، أقل شأناً مما يجب تقديمه عليه، ونعني المشركين في «فجر الإسلام» والفرس في «القادسية»، ما يقلل بالتالي من قيمة الانتصار عليهما، من دون أن يقصد صناع الفيلمين ذلك، إلى جانب الطابع الخطابي في الحوار، خصوصاً في «فجر الإسلام».
«فجر الإسلام» أحد الأفلام الدينية المهمة في السينما المصرية ويتكرر عرضه في المناسبات الدينية، وهو أول فيلم ديني للمخرج الكبير أبو سيف، الذي عرفناه رائد الواقعية في السينما المصرية، يقدم فيه موضوعاً جديداً عليه حول ظهور الإسلام والصراع بين المسلمين والمشركين.
صحيح أننا شاهدنا هذا الصراع في أفلام سينمائية ودراما تلفزيونية كثيرة، إلا أن أبو سيف تناوله بأسلوب جديد، إذ جعله رمزاً للصراع بين التخلّف والتقدّم، وركّز فيه على المعاني الإنسانية والاجتماعية.
يصوّر الفيلم ما كان عليه الناس في الجاهلية من انحلال خلقي وسيطرة للخرافات، إلى أن ظهر الدين الإسلامي في مكة، وكان من بين الذين آمنوا به ابن شيخ قبيلة موجودة بين مكة والمدينة، فراح يدعو قبيلته إلى هذا الدين الجديد، ما أدى إلى اندلاع صراع بين جيلين: الجديد الذي يتطلع إلى النهوض بالحق والقديم الذي يتمسك بالقديم الباطل.
انتجت «المؤسسة العامة للسينما» هذا الفيلم ورصدت له موازنة قدرها 120 ألف جنيه، وأسندت إخراجه في البداية إلى المخرج عاطف سالم وبدأ التصوير، إلا أن حادثاً وقع له أجبره على التوقف عن التصوير، فأسندت المؤسسة الإخراج إلى صلاح أبو سيف الذي ارتأى إعادة النظر في بعض الأدوار وإدخال تعديلات على السيناريو.
أما «القادسية» الذي أنتجته مؤسسة السينما والمسرح العراقية، فهو أحد الأفلام الضخمة في السينما العربية، بلغت موازنته 4 ملايين دينار عراقي وشارك فيه أكثر من300 ممثل عربي. وقد انتدبت المؤسسة خبيراً إسبانياً متخصصاً بالمعارك، فاختار الخيام والديكورات والأرض المشابهة للأرض التي حدثت عليها المعارك الحقيقية. وشارك الفيلم في مهرجانات عالمية من بينها مهرجان «كان» السينمائي..