المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينما إماراتيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد

أحمر أزرق أصفر.. وثائقي أضاع القيمة الجمالية للفن التشكيلي

 

فيلم إماراتي ينافس في “القاهرة السينمائي” للمرة الأولى
“أحمر أزرق أصفر”.. وثائقي أضاع القيمة الجمالية للفن التشكيلي
“سينماتوغراف” ـ عمار محمود
 
فيلم “أحمر أزرق أصفر” من أعمال المخرجة الإماراتية نجوم الغانم انتاج عام 2013، والذي يعتبر أولى الأفلام الإماراتية التي تشارك في المسابقة الدولية للقاهرة السينمائي.
 
وقد شغلت المخرجة منصب مدير الإعلام الجديد في مؤسسة الإمارات للإعلام وهي عضو مجلس إدارة في هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، وهذا المنصب بالضرورة حافزها الرئيسي للفيلم، واختيارها لموضوع الفن التشكيلي وعن أحد رموزه في الإمارات، ورمزية حكاية المرأة المتمردة أيضا، لأن نجاة هي من أوائل السيدات في الإمارات اللاتي طالبن بالدراسة في الخارج وعدم الزواج، وهو الأمر الذي يعتبر في ذلك المجتمع، رأي مختلف والالتزام به يتطلب شجاعة كبيرة، كانت من ضمن أسباب اختيار المخرجة.
 
ويتناول الفيلم بالتحليل حياة الفنانة التشكيلية الإماراتية (نجاة علي)، راصدا حياتها اليومية الاعتيادية ورحلاتها إلى المعارض داخل وخارج وطنها الإمارات، ثم قصة حياتها بداية من شغفها بالألوان في مرحلة مبكرة في المدرسة الابتدائية، ثم احترافها وتفرغها التام للفن التشكيلي.
 
وخلال تلك الرحلة، يعرض آراء بعض النقاد الفنيين في لوحاتها، سواء المعجبين بلوحها أو غير المعجبين، من أساتذة وفنانين حول العالم، حضروا معارضها، أو تابعوا تجربتها كاملة منذ تحولها من الهواية إلى الاحتراف.
 
كما يتناول الفيلم الجانب الإنساني أيضا لنجاة، من خلال عرض آراء بعض الأقارب والأصدقاء فيها، والتي كانت من أجل إضفاء حميمية على روح الشخصية في الفيلم الوثائقي. وكل تلك الآراء يتم عرضها في قالب إخباري وهي إحدى مشكلات الفيلم، لأن المخرجة تستخدم المعلوماتي وتضحي بالجمالي، الكم والكيف.
 
فالآراء ووجهات النظر في اللوحات مثلا، تتكرر بالرغم من تغيير المعلقين على لوحاتها، باستثناء رأي واحد كان يرى بعض الإدعاء في لوحاتها، وبأنها تفتقد للمضمون الحقيقي، والناتج عن معاناة حقيقية، تقود العمل الفني إلى كشف الحياة من وجهة نظر أخرى، وذلك التكرار هنا هو التضحية بالقيمة مقابل الكَم، أي قيمة الرأي وإضافته لوجهة نظر المُشاهد، مقابل العدد الكبير الذين كان لهم نفس الرأي تقريبا، مع تغيير بسيط في أسلوب عرض هذا الرأي، وذلك لكي يستهلكوا دقائق كثيرة من زمن عرض الفيلم.
 
 
كما أنه استخدم تقريبا كل آراء عائلة نجاة، فالأطفال والكبار والنساء والرجال، حاضرون لكي يجمّلوا صورة نجاة، لأننا في أثناء عرض تلك الآراء، سواء ظهر المتحدث أو اكتفى المخرج بعرض صوته، كانت المخرجة تنقلنا مباشرة لحدث تتهكم فيه نجاة على أحد العمال، أو تحتد بشدة لأسباب بالإمكان حلها بسهولة ويسر إذا التزمت نجاة الهدوء، كل ذلك بعد أو أثناء وصلة مديح في هدوئها وروعة تعاونها وحسن أخلاقها.
 
وبالرغم من تكرار الحدث، لاتزال المخرجة تستخدمه في نفس السياق، لكي تظهر التناقض النفسي الواضح، بين معاملتها لأقاربها وآرائهم فيها والتي كانت كلها إيجابية، وتتحاكى عن مدى هدوئها ورحابة صدرها وحبها للكل، والنقيض تماما في عصبيتها على العمال أو حتى على الناس ذاتهم عندما تغضب بشدة ولا تجد مثلا مكانا لركن سيارتها فيه.
 
إحدى مشكلات الفيلم أيضا هي عدم اتساق موضوع التصوير بطريقة تصويره، فالفيلم موضوعه الرئيسي فنانة تشكيلية، لوحاتها هي الجزء الأهم فيها، وهو الدافع الذي جعل المخرجة تختارها، لأنه أضاف لنجاة قيمة اجتماعية، ولكي يضيف للفيلم قيمة أيضا، توثيقية كانت أو جمالية.
 
سبق وأن شاهدت فيلما للمخرج المصري هاشم النحاس، موضوعه أيضا كان عن فنان تشكيلي، وهو نفس موضوع الفيلم، فكانت اللوحات مثلا تظهر بكثرة، وأدوات الرسم قليلة التواجد إلا بجوار لوحة غير مكتملة مثلا، وأنا هنا لا أعقد مقارنة بين فيلمين، لكن أحاول أن أوضح ان اتساق موضوع التصوير مع طريقة التصوير، هي واجب درامي لحركة الكاميرا، وتجاوزه يتطلب دافع أكبر.
 
كانت اللوحات في (أحمر أزرق أصفر) كأنها لا توجد، فالمرة الأولى مثلا التي رأينا فيها عمل كامل للفنانة، كان بعد مرور ثلث ساعة من الفيلم، وكانت لقطة عمودية لسجادة كبيرة رسمت عليها نجاة، ولكن اللوحات ذاتها، والتي هي أساس معارضها التي أيضا اهتمت مخرجة العمل بتواجدها في الفيلم، لم نرى الكاميرا مرة واحدة ترصد اللوحة دون حركة أو تتعدى اللقطة الواحدة 5 ثواني، لكي يدرك المشاهد القيمة الجمالية للفن التشكيلي في حياة نجاة، ولكي يتفاعل أكثر معها، ولكي يستمتع بأعمالها التي نقلتها إلينا المخرجة.
 
ومن ضمن مشاكل اتساق الموضوع مع طريقة التصوير، هو المشاهد التأسيسية للأماكن، فمدينة باريس، تم تقديمها بأغنية لإديث بياف، أي ان المخرجة استخدمت حلا صوتي للتعريف بمكان كان بإمكانها استخدام حلا آخر يضفي قيمة ويتسق مع الفن التشكيلي والذي هو مرئي أصلا، وكان بالإمكان تجاوز ذلك إذا استخدمته المخرجة في كل اللقطات التأسيسية للمدن مثلا، ولكنها استخدمت الحل البصري للتعريف بالمدينة كما حدث مع أولى لقطات مدينة دبي، وعرضها لأحد معالمها السياحية. وبالإضافة لذلك، هو الاستخدام الغير موفق تماما لتركيز العدسة (Focus)، فالعديد من اللقطات خارج التركيز البؤري للعدسة، وموجعة للعين.
 
كما أنه بالرغم من انتماء نجاة لمحيطها وحبها لبلدها، كانت في العديد من اللقطات أيضا داخل التركيز وما حولها خارجه.
 
وكل ذلك نتاج للشتات الذي أصاب الفيلم، بداية من عدم تحديده للأولويات الدرامية، إلى طريقة التصوير، إلى الإسهاب والتكرار، الذي جعلنا نشاهد نجاة مثلا تحاول أن تركن سيارتها في أكثر من مشهد متفرق على طول الفيلم، وأيضا الاختيارات الموسيقية غير الموفقة وغير المبررة سوى للوجود القسري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى