مهرجان أفريقيا السينمائي الرابع في نيجيريا
20 فيلما تسجيليا داخل مهرجان يسلط الضوء على صناعة السينما في “نوليوود”
نيجيريا ـ خاص “سينماتوغراف” : شريف عوض
عندما تذكر نيجيريا في وسائل الإعلام الغربية، عادة تقترن عناوين الصحف بخبر عن انتشار وباء فيروس الإيبولا القاتل أو خبر آخر عن جرائم جماعة “بوكو حرام” الأصولية. وبالتالي، فإن قلة منا تعرف عن حاضر أو تاريخ هذه الدولة الكائنة في غرب أفريقيا، ونضالها في سبيل الاستقلال، ومعاناتها خلال الحروب الأهلية التي تلت حتى وجدت ممر آمن نحو الديمقراطية، فجاءت مرتبتها الأولى هذا العام كأقوى اقتصاد في قارة إفريقيا القارة.
ومعروف على الساحة الفنية أن صناعة السينما النيجيرية تدعى “نوليوود” (وهو مسمي يمزج كلمتي نيجيريا وهوليوود) والتي تتبوأ المرتبة الثانية للإنتاج السينمائي من حيث الكم بين “بوليوود” و”هوليوود” حول العالم والمرتبة الأولى في إفريقيا، إذ ترتكز استوديوهات السينما النيجيرية في كل من مدينتي لاغوس وإينوغو، حيث تشكل الجزء الأكبر من الاقتصاد المحلي لهاتين المدينتين. وعلى الرغم من أن إنتاج الأفلام النيجيرية قد بدأ منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، ازدهرت صناعة السينما في البلاد مؤخراً بسبب التقدم التكنولوجي والتكنولوجيا الرقمية في التصوير والمونتاج الذي يساعد على إنجاز الأفلام بميزانيات معقولة حتى تصل إلى ساحة عرضها الرئيسية على بيع واستئجار أسطوانات الدي في جي والبلوراي أو مشاهدة القنوات المشفرة والمفتوحة مثل “ايمانويل تي في”، والتي تعتبر واحدة من المحطات التلفزيونية الأكثر مشاهدة في جميع أنحاء أفريقيا.
في بورت هاركورت، ولاية كروس ريفر، نيجيريا، ولد مهرجان أفريقيا السينمائي الدولي (AFRIFF) عام 2010 على يدي تشيوما أودي، سيدة الأعمال المحبة لصناعة السينما وفنونها خاصة بعد أن شاركت في إنشاء لجنة السينما والفيديو بنيجيريا ثم جوائز الفيلم الإفريقي AMAA عام 2008 وهي المقابلة لجوائز الأوسكار كما أشرفت تشيوما عام 2009 على دورة أقيمت في نيجيريا من مهرجان (IONIFF)، وهو مهرجان متجول يبدأ من هوليوود ويسافر كل مرة في دولة مختلفة ساعياً إلى تعزيز السلام من خلال الفنون والثقافة والسينما. ومن خلال هذه الخبرات، قررت تشيوما إرساء قواعد مهرجان أفريقيا السينمائي الدولي الذي حقق نجاحاً كبيراً في دوراته السابقة من خلال عروض مسابقات الأفلام وورش العمل التي تؤهل شباب السينمائيين لمنح دراسية، حقق المهرجان في دوراته الثلاث الماضية نجاحات كبيرة على المستويين النيجيري خاصة والإفريقي عامة حتى أقيمت في الفترة من 9 إلى 16 نوفمبر دورته الرابعة التي أدارها الناقد السينمائي الزيمبابوي الأصل كيث شيري، المدير الفني للمهرجان.
احتوت المسابقة التسجيلية على عشرين فيلماً من إنتاج 2013-2014 منها “البحث عن فيلا”، وهو فيلم طويل إنتاج الولايات المتحدة ويروي فيه مخرجه الحائز على الأوسكار “أليكس جيبني” قصة المطرب النيجيري “فيلا كوتي” الذي وافته المنية عام 1997 بعد حياة حافلة بالتمرد ضد الأنظمة النيجيرية الحاكمة من خلال موسيقاه وأغانيه التي قدمها من خلال الحركة الموسيقية المعروفة باسم “أفروبيت” المعبرة عن آرائه السياسية الثورية ضد النظام النيجيري الديكتاتوري خلال السبعينيات والثمانينيات. استطاع “جيبني” الحائز على الأوسكار عن” تاكسي إلى الجانب المظلم” عام 2008 خلق ملحمة موسيقية من خلال المزج بين كواليس وأحداث مسرحية “برودواي” التي تناولت حياة “فيلا” وموسيقاه وبين مشوار “فيلا” نفسه من خلال الاستعانة بصوره النادرة من المهد إلى واللحد ولقاءات مع أبنائه الذين قلما يتحدثون عن حياة والدهم. عاش”فيلا” حياة بوهيمية فكان يتزوج ويعاشر عشرات النساء ويسرف في التدخين والخمور ولا يذهب للأطباء عندما كان يمرض بل كان يستعين بالسحر الإفريقي للتداوي حتى مات بمرض الإيدز.
عرض ضمن المسابقة أيضاً فيلم تسجيلي مهم أيضاً هو “موجابي: شرير أو بطل؟” الذي يتساءل فيه مخرجه “روي أجيمانج” ما إذا كان الزعيم الزيمبابوي الذي تجاوز الثمانية والثمانين عاماً ويقال أنه يعاني من سرطان البروستاتا بطلاً إفريقياً أم كما تصوره وسائل الإعلام الغربي أنه “أسوأ حاكم في العالم”. نذكر أن فيلم “المترجم” (2005)، آخر أفلام المخرج الكبير “سيدني بولاك” الأخير بطولة نيكول كيدمان وشون بين، تناول حاكماً إفريقياً خيالياً لكنه اشترك في العديد من أوجه الشبه مع موجابي. أجيمانج هو ابن بريطاني المولد لأبوين من غانا كان معاصرين للزعيم نكروما الذي حقق استقلال بلدهم عن الحكم البريطاني عام 1957. وفي الحقيقة عند مشاهدة الفيلم، يمر إحساس كان “موجابي” ورجاله كانوا وراء صناعته لتقديمه صورة متعاطفة عن حكمه الذي استمر ثلاث عقود دون التطرق إلى الإجابة عن الجزء الثاني المطروح في عنوان الفيلم عن شره وسلبيات سنوات حكمه الطويلة. وفي ختام المهرجان أعلنت لجنة تحكيم المكونة من المخرج النيجيري “محمود علي بلجون” والفنان الغاني “جودفريد دونكور” عن إعطائها جائزة أحسن فيلم تسجيلي إلى “السعر الأعلى” للمخرجة الأمريكية “جوانا ليبر” التي تتتبع فيه تطور الحركة الديمقراطية في نيجيريا ومشاركة المرأة في مناصب قيادية من خلال قصة “حفصة أبيولا” الذي عزل والدها “موشود أبيولا” بعد إلغاء فوزه في الانتخابات الرئاسية في نيجيريا واغتيلت والدتها خضيرة أدييمي”. عاشت “حفصة” منفية في بلجيكا مع زوجها وأطفالها حتى عادت لنيجيريا كمستشارة في الحكومة الحالية. كما قررت اللجنة منح جائزة خاصة للفيلم المصري “أم أميرة” لناجي إسماعيل الذي يقدم فيه قصة أم أميرة الشهيرة بسيدة البطاطس والتى جاءت مع زوجها من أسوان منذ خمسة وعشرين عاماً، إلى القاهرة حيث رزقت بابنتين. مرض زوجها وابنتيها جعلاها تنزل إلى الشارع لتبيع سندوتشات البطاطس المقلية، على بعد أمتار قليلة من ميدان التحرير. وفي المقالة القادمة نتناول بقية أقسام المهرجان وفعالياته.