«أمي» بين موت والدة ناني موريتي وخلود السينما الايطالية
كان ـ «سينماتوغراف» : مها عبد العظيم
نجح المخرج الإيطالي الكبير ناني موريتي في إبهار الكروازيت بفيلمه الجديد «أمي ـ mia madre» الذي يسرد قصة مخرجة تواجه تعقيدات مهنتها في الوقت الذي تفقد فيه والدتها، وبعد «أمي» للكندي كزفييه دولان الذي هز مهرجان كان العام الماضي ونال جائزة لجنة التحكيم، ها هو «أمي» للإيطالي ناني موريتي (61 عاما) يحظى بتصفيق حار داخل قاعة العرض الصحفي حيث اختلط الضحك بالدموع. ويراهن العديد منذ الآن على أن المخرج الذي شارك بفيلم «هابموس بابام» عام 2011، وفاز بالسعفة الذهبية عام 2001 عن «غرفة الابن» وبجائزة الإخراج عام 1994 عن «مذكرات»، قد يعود من كان هذا العام بإحدى الجوائز الهامة. لكن كل الأفلام لم تعرض بعد..
ويبحث موريتي في «أمي» مواضيعه المفضلة: شؤون العائلة بعلاقاتها الدقيقة، ومكانة كل فرد فيها بحساسياته وأسراره وتاريخه الشخصي، مع الإبقاء على خلفية سياسية نابضة، في نوع من الـ«كوميديا الدرامية» تترك كل الفضاء اللازم لتبرز براعة الممثلين ماغريتا بوي والعبقري جون تورتورو، إضافة إلى ناني موريتي بنفسه (وقد اعتاد الظهور في أفلامه).
ويسرد الفيلم قصة مخرجة في خضم تصوير فيلم عن احتجاجات عمالية، يلعب في فيلمها دور البطولة ممثل أمريكي شهير وعنيد. وتضاف إلى تساؤلاتها حول مسألة الالتزام وحول صعوبة امتهان السينما، حيرة حميمية. فأمها في المستشفى، وابنتها في أوج أزمة المراهقة. وكان فيلم موريتي مرآة عن عالم السينما والتصوير والإخراج، وبدت المخرجة «ماغريتا» (تحمل في الحياة نفس الاسم) صورة عنه. فأكد موريتي في المؤتمر الصحفي بعد العرض «تشبهني شخصية «مارغاريتا» في كثير من الجوانب لكن ليس في كل شيء. في حين يمثل أخوها جوفاني (والذي يتحكم بهدوء في الظرف العائلي الصعب، ويتقمصه موريتي)، الشخص الذي أريد أن أكون».
إن كان موريتي يتطرق إلى موت أمه، فهو ينشد خلود السينما. وفي الفيلم مشهد ملحمي يصرخ فيه تورتورو عبر نافدة السيارة التي تجوب روما «روما فليني، روما روسيليني، روما» مدينة مفتوحة. ويظهر موريتي كواليس تصنيع الأفلام عبر بلاتوهات التصوير وتحتية الحياة الداخلية عبر زيارات مارغاريتا إلى والدتها المريضة في المستشفى وحديثها مع أخيها وخلافاتها مع ابنتها. فاعتناء المخرجة بأمها، بالتوازي مع التصوير، يجسد فكرة أن السينما هي التي أولدها بدوره وصقل شخصيتها وعبأ مخيلتها. هذا ما طرحه موريتي في فيلمه، أن السينما أم.. وربما أمه. فالمخرج فقد والدته التي كانت تربطه بها علاقات قوية، وكانت مدرسة اللاتينية كما في الفيلم، خلال تصوير «هابموس بابام». وأكدت مرغاريتا في المؤتمر الصحفي «طبعا هناك جزء من ناني في الفيلم. فقد عاش الحيرة التي نواجهها كلما وجب التوفيق بين الحياة المهنية وظرف شخصي صعب».
وصرح موريتي للصحافة الإيطالية أن «موت الأم لحظة مهمة للجميع وأردت سردها دون سادية»، ورغم تواضعه ما انفك يتقدم في مسيرته التي أسس خلالها أثرا متناسقا صار إحدى ركائز السينما الأوروبية، مستلهما من تقاليد الكوميديا الإيطالية وقواعد الواقعية الجديدة، في لوحة واسعة سياسية وذاتية لإيطاليا منذ نهاية الستينات حتى بداية القرن 21.