مراجعات فيلمية

«أم وأبناء».. رحلة مهاجرة من ساحل العاج إلى غربة باريس

كان : «سينماتوغراف» ـ عبد الستار ناجي

يبدو أن العزف على قصيدة الغربة والاغتراب ظلت حاضرة في عدد غير قليل من نتاجات السينما العالمية التى شهدتها المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الخامسة والسبعين لعام 2022، ومن تلك النتاجات نتوقف عند الفيلم الفرنسي «أم وأبناء» حسب الترجمة الإنجليزية  و«أخي الصغير» نقلاً عن الترجمة الفرنسية، للمخرجة الشابة ليناور سيرالي من مواليد 1985 .

رحلة سينمائية تذهب أولاً إلى حكاية «روز» مهاجرة من ساحل العاج، وصلت باريس مع إبنيها جان وارنسيت وكلاهما في مرحلة الطفولة، حيث استقبلتها إحدى الأسر العاجية في دارهم الصغيرة، وأمنوا لها فرصة العمل في أحد الفنادق للتنظيف، وراحت تقضي كل وقتها في العمل وأيضا رعاية أطفالها وتحفيزهم على الدراسة والتفوق، ولكن رحلة الغربة ليست بتلك السهوله التى يتصورها البعض حتى وهي في باريس أو غيرها من مدن الاغتراب التي لا تعد مدينة فاضلة، لذا تبدأ رحلة العذابات عبر رصد لجوانب من مسيرة روز التى راحت تنتقل من رجل إلى آخر لعلها تجد السلام والأمان ولكن الرجل هنا لم يكن هو شاطئ الآمان، بل في محطات لاحقه كان سبباً في الفرقة مع الأبناء، بالذات في الجزء الثاني مع حكاية جون ولاحقاً مع أرنست حيث تمزقت العائلة وتفرقت، وظلت الأم تنتظر اللحظة التى تلتقي بها بالأبن الذى ذهب إلى حيث لا تعلم، والآخر الذي أصبح مدرساً تذهب إليه كلما أحرقها الاشتياق، غربة ممزقة مدمرة كلما ذهبت في أعمالها سرقتك دهاليزها وعتمتها وظروفها، وربما عنصريتها الخانقة الموجعة.

رحلة سينمائية تبدأ بالأمل وتنتهي إلي التمزق الأسري والوحدة القاتلة بعد أن كانت الحكايات البسيطة والأشياء الهامشية تفرحهم وتسعدهم .. الفيلم ينتهي برسالة تحملها الأم إلي ابنها المدرس أرنست من شقيقه التى التهمته العتمة والغربة.. حتى اللقاء أصبح اللقاء بالتمني..

 فيلم عن الغربة لكن مشكلته الأساسية تكمن في السيناريو الذى تحول إلى أجزاء، كل منها يتحدث عن شخصية ومشوارها في الوقت الذى كانت به المرحلة الاولي بشكلها الجماعي أكثر تأثيرا ومقدرة على جذب المشاهد، وحينما راحت الكاميرا تلهث وراء حكاية هذا وذاك، انشطرت الحكاية ومضامينها وقضاياها .. فمن القضايا الكبري التى تتعلق بالأسرة والاغتراب تحول الأمر إلى مغامرات طائشة لهذا الأبن أو ذاك.

سينما تشير إلى موهبة سينمائية متميزة وإن ظلت الإشكالية الأكبر في الكتابة التى تحتاج إلى كثير من البحث العميق .. تدهشنا في الفيلم الممثلة أنابيل لونج روني بدور «روز» في كافة مراحل تطور الشخصية، وهو أداء عالٍ وعميق ومرهف وثري بالتحولات والألم … يبقي أن نقول قصيدة الغربة تظل حاضرة دائماً في السينما الأوروبية والفرنسية على وجه الخصوص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى