أندر«أفيشات» أفلام صلاح أبو سيف
«سينماتوغراف» تنشر 11 من أشهر ملصقات أشهر أعماله
«سينماتوغراف» ـ سامح فتحي
ملصق الفيلم بلغة أهل الفن السابع يعني بالإنجليزية «بوستر»، وبالفرنسية «أفيش»، ويعمل من خلال مفردات التعبير والتأثير على تقريب جو العمل العام، ولفت نظر الجمهور ودفعه إلى الاهتمام به وجذبه لمشاهدته معتمدا في ذلك على عنوان الفيلم وصور وأسماء النجوم، في تصميم يميل إلى فن التشكيل مستخدما الألوان وأحيانا الرسوم الإيحائية التي تخاطب عين المتفرج وغرائزه، ومن ثم يكون الملصق السينمائي هو البوابة التي يمر من خلالها المشاهد إلى عالم الأفلام.
وهناك أسلوبان شائعان في تصميم معظم ملصقات الأفلام السينمائية، احدهما يعتمد مجموعة من الصور الفوتوغرافية من الفيلم يجري تقطيعها وتوزيعها في مساحة الملصق، أو تحديد صورة واحدة أو اثنتين تعبران عن مضمون العمل، مع استخدام لمسات فنية إليهما لإبرازهما، والأسلوب الثاني هو رسم صور بشكل واقعي عادة لوجوه الممثلين الرئيسيين في كتل كبيرة، وهو الأسلوب المألوف في معظم ملصقات الأفلام الأجنبية والمصرية قديما، وفيه عناية بدقة التشابه أكثر من الاهتمام بجمالية التعبير، ولذلك يحرص مخرجو الأفلام دائما على أن تعبر «الأفيشات» الخاصة بأفلامهم عن مضمونها، وتأتي بصورة محببة لدى الجمهور وتساهم في جذبه إلى مشاهدة تلك الأفلام.
وهنا نعرض لأحد عشر «أفيش» لأفلام للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، ونرى إلى أي مدى نجحت في التعبير عن مضمون هذه الأفلام، آخذين في الاعتبار أن صناعة «الأفيش» قديما كانت تتم باليد عن طريق الرسم اليدوي والخط اليدوي والطباعة البدائية ولم تكن قد تطورت إلى ما نشاهده اليوم.
و«الأفيشات» هنا مرتبة زمنيا طبقا لسنة إنتاج الأفلام الخاصة بها.
ـ «دائماً في قلبي»، هو أول فيلم قدمه صلاح أبو سيف، وكان ذلك عام 1945. الفيلم سيناريو وحوار السيد بدير، ومن بطولة عقيلة راتب، وعماد حمدي، ومحمود المليجي، ودولت أبيض.
ويحكي الفيلم قصة سنية عقيلة راتب، الفتاة اليتيمة التي تعمل مدرسة في دارٍ للأيتام، وتعاني من تعنت مديرة الدار. تلتقي بالضابط البحري عماد حمدي عادل وتنشأ بينهما قصة حب، وتتكرر اللقاءات، ويصل الأمر إلى مديرة الدار، فتفصل سنية من العمل، وتصبح بلا مورد رزق، في الوقت الذي كان فيه عادل حبيبها في مهمة على ظهر السفينة، تعمل في بنسيون لاتعلم أنه مكان مشبوه، ويتم الاعتداء عليها، تهاجم الشرطة المكان فيتم القبض عليها كواحدة من فتيات الليل، وتصلها أخبار عن غرق عادل. كان الفيلم هو ثاني أفلام عماد حمدي، بعد فيلم السوق السوداء. ويلاحظ ان أفلام تلك الفترة غلب عليها طابع الميلودراما والبطلة المنكسرة المظلومة التي يحاول الفيلم دائما كسب تعاطف الجمهور معها.
ـ «مغامرات عنتر وعبلة»، قدمه صلاح ابوسيف في عام 1947، وهو من بطولة إبراهيم حشمت «شداد»، علي رشدي «مالك»، وسراج منير «عنتر»، كوكا «عبلة». ويدور الفيلم حول مؤامرة فريد شوقي «ضرغام» لمنع زواج عنتر من عبلة، ثم حرب العرب مع الرومان والانتصار عليهم بقيادة عنتر. كتب قصة الفيلم عبد العزيز سلام، واعد له السيناريو نجيب محفوظ وفؤاد نويرة، والحوار بيم التونسي.
ـ «لك يوم يا ظالم» قدم في عام 1950، ويلقي الضوء على على حياة إمراة تنقلب حياتها رأسا على عقب بسبب صديق زوجها المنحرف. يطمع الصديق المنحرف بزوجة صديقه وبماله، فيحاول إغراءها وإبتزازها، ثم يقتل صديقه حتى يخلو له الجو. ثم يتزوج الصديق من الأرملة الشابة، ويسرق أموالها وحليها، ومع الأيام يكتشف أمره ويدخل السجن. والفيلم من بطولة فاتن حمامة، محسن سرحان، محمود المليجي. كتب القصة نجيب محفوظ، والسيناريو صلاح أبوسيف، والحوار السد بدير. وقد فشل صلاح أبو سيف في إيجاد منتج للفيلم فأنتجه هو بنفسه وخسر خسارة كبيرة بسببه.
ـ «الوحش»، قدمه صلاح ابوسيف عام 1954، وقام ببطولته كل من أنور وجدي، ومن محمود دالمليجي، وسامية جمال، وعباس فارس. وهو قصة وسيناريو وحوار نجيب محفوظ بالتعاون مع المخرج. وقد تمت كتابة سيناريو الفيلم بناء على يوميات البوليس الواقعية. وتناول الفيلم قصة مجرم خطير ظهر في الصعيد «عبدالصبور”، وقام بدوره محمو دالمليجي، وكانت تكمن خطورته في عدم استطاعة اهالي القريه التي ظهر فيها الإبلاغ عنه برغم معرفة الجميع بشخصيته، وفي نفس الوقت الذي كان البوليس لا يعلم عنه أي شىء بسبب عدم كفاية المعلومات وعدم توافر البيانات الشخصية أو الصور الفوتوغرافية في ذلك الوقت.
وقد تجسدت الواقعية في الفيلم من صورة القرية المصرية البسيطة التي تحمل بعض الموروثات السلبية من مثل الجبن وما يفعله بأصحابه مثل تجبر وتسلط غيرهم عليهم، رغم أن هؤلاء المتسلطين المتجبرين في حقيقتهم ضعفاء، لكنهم استمدوا قوتهم وجبروتهم من ضعف وخنوع الآخرين وخوفهم. فالقرية المصرية تحمل بطبيعتها الهدوء والراحة والجمال، لكنها في فترة من الفترات حملت المجرم الخطير عبد الصبور الذي يستمد قوته من عصابته، وخوف الأهالي منه، حيث أن من يفكر في الإبلاغ عنه يقتل، ومن لا يطيع أوامره تحرق أرضه، أو يصيبه بأنواع مختلفة من المصائب، وحتى البوليس غير قادر على السيطرة عليه، نظراً لعدم تقديم بلاغات رسمية ضده، على الرغم من أنه معروف بين الناس، وملقب بالوحش الذي يروع الآمنين، معتمداً كذلك على سلطة رضوان باشا «عباس فارس” الذي يسانده وله علاقاته الوثيقة بدوائر السلطة والحكم.
وقد استطاع صلاح أبو سيف أن يدير مشاهد الفيلم بطريقة متسلسلة ومعبرة عن الجو العام للقصة، ساعده على ذلك وضعه للسيناريو مع نجيب محفوظ، واختياره لأماكن التصوير الطبيعة، مع عينه اللماحة التي تسجل الموقع المناسب والزاوية الملائمة للتصوير التي توحي بإطار القصة وواقعيتها، الأمر الذي جعل وصف أبو سيف بالواقعية وصفا مناسبا، فهو قد عمل في كل مراحل العمل السينمائي، وتشرب دقائقها دون دراسة لكن بموهبة حقيقية، فمزج بين المشاهد العامة للطبيعة مثل الأرض الزراعية والطرق والمباني وبين الأماكن الداخلية في الأستوديو بطريقة فنية، تجعل المشاهد متصل بالبيئة الطبيعية للحوادث، وبالتالي يعايش تلك الحوادث معايشة فنية توصل عنصر الصدق للعقول. وقد وضع صلاح أبو سيف بعض اللمسات الفنية التي تثير الكوميديا بطريقة مبتكرة في ذلك الوقت، حيث جعل الكاميرا تركز على وجة الضابط عندما علم بأن الذي كان يجلس معه منذ لحظات ويرحب به هو نفسه الوحش المجرم الذي يبحث عنه، الأمر الذي ظهر على ملامحه الناطقة بالانخداع. وتأتى الكوميديا من صوت الأرجوز الضاحك خارج المركز، فكانت صورة الضابط وصوت الأرجوز الضاحك فيها من الكوميديا لمسة سحرية لصلاح أبو سيف. كما كان موقف عبد الصبور وهو يستمع إلى ابن الضابط وهو يقرأ عليه وأفراد عصابته الجريدة التي تتحدث عنه مصاغا بطريقة كوميدية تعكس رؤية واضحة لصلاح أبو سيف.
ـ «لا أنام»، قدمه صلاح ابوسيف عام 1956، عن قصة إحسان عبدالقدوس، سيناريو السيد بدير وصلاح عزالدين، وحوار صالح جودت. ومن بطولة فاتن حمامة، وعمر الشريف، ويحى شاهين، وعماد حمدي ومريم فخر الدين. وقد لازم التوفيق والبراعة صلاح أبو سيف في اختيار فاتن حمامة لدور «نادية» رغم أنه لم يكن يتلاءم مع طبيعة الأدوار التي تقدمها للسينما من قبله، حيث كانت أدوارها تنتظم في إطار الفتاة المسكينة المغلوبة على أمرها التي تستدر عطف المشاهدين، لكنها في «لا أنام” صارت فتاة شريرة تدبر المؤامرات ضد زوجة أبيها. لذلك كان رفض فاتن حمامة للدور في البداية حرصاً على حب الجمهور لها وخوفا من تغير نمط أدوارها، لكن صلاح أبو سيف أقنعها بأن نجاحها يتوقف على كراهية الجمهور لها في تلك الشخصية، وبالفعل في أثناء حضورهما العرض الأول قام أحد المشاهدين بسب فاتن حمامة فتوترت فاتن حمامة لكن أظهر لها صلاح أبو سيف والنقاد أن ذلك هو منتهى النجاح.وجاء نجاح فاتن حمامة من أنها تحمل كل مواصفات نادية بطلة إحسان عبد القدوس، فهي فتاة رقيقة جميلة من يراها يخدع بجمالها ورقتها الظاهرة ولا يظن أبداً أن تلك البراءة والرقة يحملان في داخلهما قمة الشر والقسوة، وغياب الضمير في بعض الفترات، فكانت هذه المفارقة سببا في براعة فاتن حمامة وقدرتها على التأثير في المشاهدين.
ـ «الفتوة»، قدم عام 1956، وهو الفيلم الذي يرسخ معنى الواقعية عند أبو سيف ويمنحه لقب أبو الواقعية المصرية السينمائية. فعلى الرغم وجود أعمال سابقة أطلق عليها ذلك المصطلح لاتخاذها من البيئة الشعبية إطاراً لها ـ كالحارة وغيرها ـ لكن الحقيقة أن تلك الأعمال على الفتوة لم تعتنق الفكر الواقعي خالصا في كلية العمل، بل لجأت إلى الواقعية الخارجية التي يمثلها الديكور دون تلك الواقعية المنشودة، وهى واقعية الحوادث ودورانها في بيئتها المصرية الأصلية بحيث إنها لا يمكن تصورها حادثة في غير تلك البيئة كما يظهر في الفتوة.
وجاء «الفتوة» ليجسد مصطلح الواقعية من الناحية الخارجية حيث يدور في بيئة مصرية خالصة هي سوق الخضار، ومن الناحية الداخلية حيث يعالج مشكلات مصرية خالصة تحدث في تلك البيئة، لذلك يعد ذلك العمل أساس الواقعية المصرية بمعناها العالمي. وقد أراد أبو سيف تحديد الإطار الزمني للعمل فجعله يدور في أيام الملك فاروق ليتجنب التأويلات السياسية التي صاحبت أعمال تلك الفترة والتي منعت أعمالاً لها ثقلها من العرض، بل وعرضت العاملين فيها للسجن والتشريد بحجة الرقابة. وجاء تحديد الإطار المكاني وهو سوق روض الفرج، ثم كانت القضية المعالجة وهى المشاحنات التي تتم بين التجار في سبيل الثراء السريع على حساب صغار التجار والمستهلكين. وقد أراد أبو سيف توسيع إطار المشكلة وجعلها تخرج من إطارها الزمني الذي حدده بصورة الملك فاروق خلف القائمين على أعمال أحد المزادات إلى جعلها حوادث من الممكن أن تقع في أي زمان ومكان، لذلك وضع لافتة في بداية الفيلم يذكر فيها: ” وقعت حوادث هذه القصة أيام أن كانت فئة قليلة تتحكم في أرزاق الناس وأقواتهم».
وقد تمكن السيناريو الذي وضعه محمود صبحي، والسيد بدير، ونجيب محفوظ، وصلاح أبو سيف أن يعالج كل جوانب القصة التي ألفها محمود صبحي بالاشتراك مع فريد شوقي. وأبدع السيناريو في ذلك لصعوبة تقطيع المشاهد وتخيلها والتدوير الزمني للحوادث، فالقصة في هذا العمل ـ على وجه الخصوص ـ وضعت المشكلة مجملة وبصورة أقرب للحدوتة البسيطة وكان على السيناريو أن يدير المشاهدة، ويتخيل الحوادث المتخللة، ويضيف الشخصيات المناسبة، ويعرض للتقطيع الزمني للمشاهد وأماكنها الملائمة، الأمر الذي جعل أثنين من أفضل كتاب السيناريو هما محفوظ وبدير يشتركان مع المؤلف الأول للعمل محمود صبحي، والمخرج أبو سيف في وضع السيناريو الذي كان سببا رئيسيا من أسباب نجاح العمل الذي ينسج حول شخصيتين أساسيتين هما هريدى عمران «فريد شوقي» وأبو زيد «زكى رستم»، ومعهما تحية كاريوكا وزوزو شكيب.
ـ «هذا هو الحب»، قدمه صلاح أبوسيف في عام 1958، ويحكي قصة حسين الذي يعمل مهندس فى بلدية القاهرة «يحيى شاهين»، محافظ، متزمت، يبحث عن عروس من طراز خاص، عروس لم تعرف أحدا سواه قبل الزواج، ومن شرفة منزله الجديد، يرى شريفة، ابنة الجيران الحلوة التى تصلى وتعاون أمها فى ادارة المنزل ولا تعرف الخروج ولا المكياج شريفة «لبنى عبدالعزيز»، فهل تكون شريفة تحقيقا لحلمه الخيالى القديم. أنه يعتقد ذلك، ويتزوج منها، ويبدأ شهر العسل فى أوبرج الفيوم. وهناك يكتشف حسين أن السعادة معناها أن يظل هو وزوجته طيلة النهار وطيلة الليل فى غرفة النوم ينعمان بمباهج الحب المتقد، لا حديث، ولا مناقشة، ولا أصدقاء، ولا خروج، لقد امتلك حسين حلما اسمه شريفة، وها هو ذا ينعم به، وبها، وبعد مرور عشرة أيام على زواجهما، يخرج العروسان للفسحة، فتلتقى شريفة بفؤاد، مهندس المساحة وصديق أخيها أيام الجامعة، وهو الذى أحبها وبادلته بدورها الحب لفترة من الزمن. يثور حسين، ويضرب فؤاد، ويعود الى القاهرة وحده، ثم يطلق شريفة لأنها لم تعد فى نظره حلما، وإنما امرأة ساقطة! وفى القاهرة، تحيط الفضيحة بشريفة من كل مكان، فتمرض، وتكاد تموت. ويذهب حسين الى الفيوم ويقابل فؤاد، ويعرف حقيقة الأمر وهناك يدرك أنه مخطى، فيهرع إلى القاهرة ليرد شريفة، ولكن شريفة على وشك الزواج من جديد انقاذا للمظاهر ولشرف العائلة !! تبدأ الزفة، وتهرب شريفة إلى جارها الحبيب، ويتم زواجهما من جديد وللأبد هذه المرة. والفيلم قصة وسيناريو وحوار محمد كامل حسن المحامي.
ـ «بين السماء والأرض» قدمه صلاح أبوسيف عام 1959، وفيه يخرج من الأماكن الرحبة إلى تصوير في مكان غير معهود، تجري فيه حوادث الفيلم كاملة، وذلك المكان هو «المصعد»، وهو العمل الوحيد في السينما المصرية الذي تدور حوادثه كاملة بالمصعد، مما يدل على عبقرية نجيب محفوظ كاتب القصة في نسج قصة تامة تدور في مصعد، وذكاء صلاح أبو سيف في اختيار هذه القصة التي كتب لها السيناريو مع السيد بدير وإخراجها بصورة لا تقل براعة عن النص الأدبي المكتوب، بل تزيد البراعة عند أبو سيف في تقديم ذلك العمل سينمائيا، حيث الصعوبة في تقنيات العمل السينمائي عن العمل الأدبي، لأن العمل السينمائي يحتاج إلى إدارة مجموعة من الممثلين في ذلك الحيز الضيق، مع كاميرات التصوير، والتقاط المشاهد والصور، وتقطيعها تعبيريا، وإدارة الحركة للمجموعة الحبيسة داخل المصعد، تلك الحركة التي تتنوع فتكون تارة من الخلف للإمام والعكس، وتارة من اليمين لليسار والعكس، بصورة تظهر طبيعية الحوادث وعفويتها، وكل هذه المقتضيات ليست من متطلبات العمل الأدبي، ولا يجيد توظيفها غير العبقري صلاح أبو سيف.
الفيلم من بطولة هند رستم، وعبدالمنعم ابراهيم، وعبدالمنعم مدبولي، عبدالسلام النابلسي، ومحمود المليجي.
ـ «لوعة الحب» قدم في عام 1960، من بطولة ادية وعمر الشريف وأحمد مظهر. ولم يكن بوسع صلاح أبو سيف أن يصنع واقعية أكثر من تلك التي ظهر عليها هذا الفيلم ، حيث اختار قصة جليل البنداري التي تدور حوادثها حول شخصية نادرة في السينما المصرية وهى سائق القطار، وما يكتنف حياته ويشكلها ويعبث بها ويسلبها أو يضيف إليها، وبكل سلبياتها وإيجابياتها، ويضع السائق تحت عدسة السينما لتعطى صورة مصغرة ومقربة لحياته، خاصة ذلك السائق الشاب في بداية حياته الزوجية، وأسلوب تعامله مع زوجته، وتأثير مهنته في العلاقة الزوجية، وعلى أسلوب حديثه وطريقة حواره وتأقلمه مع الآخرين. لذلك، يعد «لوعه الحب» عملا منفرداً في السينما المصرية، لدوران حوادثه حول شخصية لم يسبق تناولها بالصورة الكافية، أو التعمق فيها وتجسيدها بتلك الطريقة التي أرادها صلاح أبو سيف، والذي اختار جليل البنداري ليشارك في وضع السيناريو والحوار، وظهرت ميزة البنداري عندما يضع لمساته في الحوار، حيث يأخذ المشاهدين إلى عالم الشخصية من خلال إتباع ألفاظها المميزة لها، أو لمهنتها، أو بيئتها، أو طبيعتها، أو مجتمعها، ويرصع الحوار بتلك الألفاظ، مما يعطى بعداً واقعياً سار على دربه بعض كتاب الحوار بعد ذلك.
ففي «لوعة الحب» يضع البنداري لفظ «خشني» على لسان سائق القطار عندما يصف أحد زملائه، الذي لا يقسو على زوجته، ولا يعاملها المعاملة اللائقة بالرجولة من وجهة نظره.
كما يشترك البنداري مع السيد بدير في تضمين الحوار الخاص بسائقي القطارات المصطلحات الخاصة بهم، لتكون الشخصية أقرب للواقع، فعندما تأتى ابنة أحدهم لتستأذن والدها في أن يحدث أمها بخارج الحانة التي يجلس بها مع رفقته يتأفف الأب، وهنا يتدخل أحد السائقين موجها حديثه للابنة قائلاً: « قولي لها هيوصل في ميعاده»، ويعلق أخر: «فرمل بأه ياسي خليل والحق نفسك ». كما يصف أحد السائقين صوت زميل لهم بقوله:”صوته حلو زي صوت الديزل”. وعندما يصل سائق القطار لمنزله وهو في منتهى الجوع، ولم تكن زوجته قدا انتهت من الطعام بعد، يقول لها: «مش عارفه إني باجى في الحصة دي واقع من الجوع». فهذه المصطلحات وذلك الحوار الخاص بشخصيات سائقي القطارات يجعل من هذه الشخصيات حقيقة واقعة، يلمسها المشاهد، مما يؤكد واقعية صلاح أبو سيف اللفظية، والتي لم يقتصر عليها في هذا العمل بل أضاف إليها نوعاً آخر هو الواقعية المكانية، حيث خرج بكاميراته إلى الأماكن الحقيقية للحوادث، فذهب إلى مستقر القطارات والمنزل الذي يطل بالفعل على شريط السكة الحديد بحي الشرابية، وصور كل ذلك من قريب بما يعطى صورة واقعية للحوادث. وجعل بطليه أحمد مظهر وعمر الشريف يرتديان الزى الخاص بعمال السكك الحديدية، وينخرطان في القيام بأعمالهم الفنية قبل انطلاق القطار، مع وضع ما يلزم من الشحوم والزيوت المختلفة على عجلات القطار وملابسهما وأجسامهما بما يعكس واقعية لا افتعال فيها.
ـ «بداية ونهاية»، قدمه صلاح ابوسيف في عام 1960، وكان السبب في أن يشهد نجيب محفوظ لصلاح أبو سيف بأنه هو المخرج الوحيد والعبقري الذي استطاع أن يتفهم رؤاه وفكره الفلسفي والأدبي في رواياته التي أخرجها وجسدها سينمائياً، فكانت «بداية ونهاية» أعظم تلك الروايات على الإطلاق، إظهاراً لمكنونها، وما أراده نجيب محفوظ من خلالها. وقد فهم صلاح أبو سيف المقاصد الخفية لنجيب محفوظ، وتمثل كل ما رمى إليه، وفلسفة الرواية وإبداعها في الفيلم الذي يعد من أعظم الأعمال السينمائية المصرية. ولم يجد كمال كريم مدير التصوير صعوبة تذكر في حركة الكاميرا التي لم تتجول كثيراً، وانحصرت داخل الأماكن المغلقة في أغلب الأحيان حيث التركيز على مكان معيشة الأسرة في سكن يقع أسفل منزل بحي شعبي، حيث تدور الحوادث حول الأسرة التي مات عائلها، وتركها تصارع الفقر والحاجة، والأخ الأناني «عمر الشريف»، والأخ الثاني المضحي القانع «كمال حسين»، والخ الثالث البلطجي «فريد شوقي»، والأخت الدميمية نفيسة «سناء جميل» التي ضاع شرفها هباء ولخطخت اسم عائلتها في الوحل ثم انتحرت في النهاية ليلحقها الأخ الأناني في لحظة محاسبة للنفس.
ـ «الزوجة الثانية»، قدمه صلاح ابو سيف في عام 1967 ، ويعد واحدا من أيقونات السينما المصرية، وجاء مفعما بالواقعية مغموسا في طين الأرض التي تنتمي إليها شخصيات الفيلم. كما جاءت أدوار أبطاله الأفضل في تاريخهم السينمائي على الإطلاق، من سعاد حسني « فاطمة»، وشكري سرحان «ابو العلا»، صلاح منصور «العمدة عتمان»، وزوجته حفيظة «سناء جميل»، وعبدالمنعم ابراهيم «الغفير».. وغيرهم.
وتدور أحداث الفيلم في قرية من قرى الريف المصري في إطار درامي واقعي، حيث يسلط الفيلم الضوء على الاستبداد الواقع على الفلاحين البسطاء في القرىة من قِبل العمدة عتمان العمدة الثري المستبد. يقرر العمدة الزواج من فاطمة التي تخدم بمنزله بالرغم من إنها متزوجة. ولكن العمدة لا يفكر في شيء إلا في كيفية إنجاب الولد الذي سيورثه العمودية والذي فشلت زوجته حفيظة في إنجابه. يقوم العمدة بكل جبروت بتطليق فاطمة من زوجها أبو العلا بمساعدة شيخ القرية العطار مبروك الذي يحلل ويحرم وفقاً لأهواء العمدة. لا تجد فاطمة أمامها مفر وتصبح زوجة العمدة رغماً عن أنفها هي وزوجها، فتقرر استخدام حيلها الماكرة من أجل الخلاص من هذه الزيجة ليموت العمدة حزنا على ما فعلته فيه فاطمة في النهاية ويعود الحق لأصحابه.
كتب قصة الفيلم أحمد رشدي صالح، ووضع له السيناريو سعد الدين وهبة، وصلاح أبو سيف، ومحمد مصطفى سامي الذي كتب الحوار أيضا.