شخصيات سينمائية

إحسان عبدالقدوس.. إسهامات سينمائية بارزة

«سينماتوغراف» ـ محمود درويش

قال عنه الشاعر الكبير صلاح جاهين «الكاتب المصري صحى شعبنا النعسان، وعلمه كلمة الحرية والانسان وكلمة الثورة اهداها لكل انسان. عاشت بلادنا، وعاش الكاتب المصري، وعشت للشعب كاتب مصري يا احسان».

إنه إحسان عبد القدوس الأديب والروائي الكبير الذي اختلفت حوله الآراء والذي يتصادف اليوم 1 يناير ذكرى ميلاده في عام 1919. 

وقد كان من الطبيعي أن تختلف حوله الآراء وهو بهذه الغزارة من الإنتاج الأدبي. ليس هذا فقط، بل كان إنتاجه يصل إلى المتلقي بسرعة إما عبر الإذاعة أو السينما أو المسرح، وأخيرا عبر التليفزيون. وبالتالي تميز إحسان عبد القدوس بملامسة الشارع لأعماله واطلاع الملايين عليها حتى ولو كانوا «أميين» لا يستطيعون قراءتها.

وعلى عكس ما قيل عنه أنه كاتب المرأة والجنس، تقول السيدة نيرمين القويسني، مديرة مكتبه، وابنة شقيقة زوجته إنه كان شديد الإيمان وكتب قصة بعنوان «القرآن»، ويقول «أنا مؤمن بانه لا يمكن ان يصل القلم الى اسلوب له رنينه وله جاذبيته الا اذا كان الكاتب قد قرأ القرأن وتأثر بنغمات اسلوبه، والعقيدة ليس لها حدود جغرافية والإعتداء على العقيدة في أي مكان هو إعتداء عليها في كل مكان».

كما كان كاتباً سياسياً بإمتياز ويكفيه «قضية الاسلحة الفاسدة»، التي كشفها على صفحات مجلة «روز اليوسف».

لقطة من فيلم أرجوك اعطني هذا الدواء

اتهمه الأدباء والنقاد بأنه صاحب مدرسة أدب الفراش، وأنه كاتب الجنس للجنس، وأن قصصه تدعو للرذيلة، لكن من يقرأ روايات إحسان عبدالقدوس بوعي وبصيرة يدرك أن قصصه تدعو للفضيلة، وأن أبلغ رد على هذه الاتهامات هو ما يقوله «إحسان» نفسه عن نفسه: «إن نشر هذه العيوب سيجعلهم يسخطون، وهذا السخط سيؤدي بهم إلى الاقتناع بضرورة التعاون على وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا تتسع للتطور الكبير، الذي نجتازه ونحمي أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التى يتعرضون لها نتيجة هذا التطور، وهذا هو الهدف من قصصي».

ويعتبر إحسان من أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية. ويمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزه في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.

أكثر من 600 قصة

كتب إحسان عبدالقدوس أكثر من ستمائة قصة وقدمت السينما عدداً كبيراً من قصصه، ويتحدث إحسان عن نفسه ككاتب عن الجنس فيقول: «لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس فهناك المازني في قصة «ثلاثة رجال وامرأة» وتوفيق الحكيم في قصة «الرباط المقدس” و….و…. وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس علي لإيماني بمسؤوليتي ككاتب!! ونجيب محفوظ أيضاً يعالج الجنس بصراحة عني ولكن معظم مواضيع قصصه تدور في مجتمع غير قارئ أي المجتمع الشعبي القديم أو الحديث الذي لا يقرأ أو لا يكتب أو هي مواضيع تاريخية، لذلك فالقارئ يحس كأنه يتفرج على ناس من عالم آخر غير عالمه ولا يحس أن القصة تمسه أو تعالج الواقع الذي يعيش فيه، لذلك لا ينتقد ولا يثور.. أما أنا فقد كنت واضحاً وصريحاً وجريئاً فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندي ما أكتبه عنه سواء عند الطبقة المتوسطة أو الطبقات الشعبية – دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة أخرى».

لقطة من فيلم لا تطفئ الشمس

دور بارز في السينما

كان لإحسان عبد القدوس دور بارز في صناعة السينما ليس فقط عن طريق الأفلام التي أعدت عن قصصة ورواياته ولكن بالتي شارك في كتابة السيناريو والحوار للكثير منها، فقد كان علي النقيض من الأديب نجيب محفوظ الذي لم يكن يؤمن بأن صاحب العمل الأدبي الأصلي لا علاقة له بالفيلم أو المسرحية التي تعد من عمله الادبي. فقد شارك في صياغه وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم «لا تطفئ الشمس» للمخرج صلاح ابو سيف الذي كتب نص الحوار فيه، كما كتب الحوار أيضاً لفيلم «إمبراطورية ميم» الذي كانت قصته مكتوبه علي أربع أوراق فقط والذى أخرجه حسين كمال، كما شارك كذلك الكاتبين سعدالدين وهبة ويوسف فرنسيس في كتابة سيناريو فيلم «أبى فوق الشجرة».

لقطة من فيلم أبي فوق الشجرة

وقد وصلت عدد روايته التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات قرابة الـ 60 فيلما ومسلسلا تلفزيونيا منها ما عرض ومنها ما لم يعرض ليتربع بذلك على عرش أكثر كاتب وروائي له أفلام ومسلسلات في تاريخ السينما والتلفزيون المصرية ولا ينافسه في ذلك الا الاديب نجيب محفوظ. وقد أخرج لإحسان عبد القدوس عدد محدود من المخرجين وصل الي 16 مخرجاً، وقد كان نصيب الأسد منها للمخرجين حسين كمال وصلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى وأحمد يحيى وهذا يدل علي أنه لم يكن يتعامل مع أي مخرج يعرض عليه إخراج أعماله، بل يتعامل فقط مع من يثق في قدراتهم في استيعاب أعماله بصوره جدية وجيدة. وقد قام المخرج حسين كمال بإخراج 9 أفلام من روايات إحسان عبد القدوس أولها «أبي فوق الشجره» 1969، الذي اعتبر في وقته نقلة جديدة في السينما الاستعراضية، ومن ثم اتبعه بفيلم «أنف وثلاث عيون» 1972، من بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين، وتلاها بتقديم فيلم «إمبراطورية ميم» 1972، الذي كان نقلة نوعية جديده في السينما المصريه، وقد شهد عودة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة الى السينما بعد غياب، وليخرج بعدها فيلم «دمي ودموعي وإبتسامتي» 1973، من بطولة نجلاء فتحي ونور الشريف، وكذلك فيلم «بعيدا عن الارض» 1976 بطولة نجوى ابراهيم محمود ياسين مديحه كامل محمود قابيل، ومن ثم قدم فيلمين لنبيلة عبيد هما «العذراء والشعر الأبيض»1983 مع محمود عبدالعزيز، والذي كان إنطلاقه كبيرة لها في عالم النجومية و«أرجوك اعطني هذا الدواء» 1984 مع محمود عبد العزيز أيضا، وآخر ما قدم المخرح حسين كمال من أعمال إحسان عبد القدوس كان فيلم «أيام في الحلال» 1985 من نبيلة عبيد وبطولة محمود ياسين ومصطفى فهمي.

لقطة من فيلم إمبراطورية ميم

وبالرغم من عدد الافلام التي انتجت من رواياته الا ان هنالك جزءا منها نجح نجاحاً باهراً في السينما المصريه مثل أفلام «لا أنام» وهو من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف ومريم فخر الدين وعماد حمدي ويحيى شاهين وإخراج صلاح ابو سيف، و«فى بيتنا رجل» من بطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف ورشدي أباظة وحسن يوسف، وغيرها من الافلام التي أثرت السينما المصريه. وكذلك كان هناك بعض الأفلام التي كتبها ولم تنجح كما كان متوقعا لها بل وصفها بعض النقاد بأنها فشلت فشل زريعاً، مثل «أيام الماء والملح» من بطولة عبدالله محمود وأحمد سلامه ولوسي، و«قبل الوصول لسن الانتحار» من بطولة شكري سرحان وكمال ياسين وفايزة كمال، و«مايوه لبنت الأسطى محمود» من بطولة محمد رضا وحنان شوقي ودينا عبدالله وكلها من إنتاج التليفزيون المصري. وهناك أيضا أفلام سينمائية فشلت منها «القط أصله أسد» من بطولة محمود ياسن ومديحة كامل، من إخراج شريف يحيى، و«أنا .. لا عاقلة ولا مجنونة» من بطولة صلاح ذوالفقار ونادية ذوالفقار وعماد حمدي ومن إخراج حسام الدين مصطفى.

لقطة من فيلم لا أنام

ويقول إحسان عبد القدوس: «كانت فاتن حمامه في مقدمة الممثلات اللاتي استطعن أن يجدن تمثيل شخصيات قصص. فقد استطاعت أن تصور خيالي عندما مثلت دور «نادية» في فيلم «لا أنام»، وعندما جسدت دور «فايزة» في فيلم «الطريق المسدود»، وأذكر اني ذهبت يوما انا ويوسف السباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من فيلم «لا أنام» ووقفت انا وهو  مشدودين ونحن ننظر إلى فاتن حمامة فقد كانت تشبه البطلة الحقيقة للقصة التي كتبتها، كذلك من افضل من جسدن شخصياتي نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني».

التفرغ للكتابة

بدأ إحسان عبدالقدوس كتابة نصوص أفلام وقصص قصيرة وروايات في عام 1949، وهو ما جعله يقرر ترك مهنة المحاماة والتفرغ للصحافة والأدب حيث أصبح بعد أقل من بضعة سنوات صحفيا متميزا وروائيا وكاتبا سياسيا، وبعد أن عمل في روزاليوسف، تهيأت له كل الفرص والظروف للعمل في جريده الأخبار لمدة ‏8‏ سنوات ثم عمل بجريده الأهرام حيث عين رئيساً لتحريرها‏ في عام 1975.

وشارك احسان عبدالقدوس باسهامات بارزة في الرواية وكذلك فى المجلس الأعلى للصحافة ومؤسسة السينما، وقد كتب 49 رواية تم تحويلها إلى نصوص للأفلام و5 روايات تم تحويلها إلى نصوص مسرحية و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية و10 روايات تم تحويلها إلى مسلسلات تليفزيونية إضافة إلى 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية،

ويمثل أدب إحسان عبدالقدوس نقله نوعيه متميزة في الرواية العربية إلي جانب أبناء جيله الكبار من أمثال نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، ومحمد عبدالحليم عبدالله‏،‏ لكنه تميز عنهم جميعاً بأمرين احدهما انه تربي في حضن الصحافة‏،‏ وتغذي منذ نعومه أظفاره علي قاعدة البيانات الضخمة التي تتيحها الصحافة لاختراق طبقات المجتمع المختلفة‏،‏ إضافة إلى صالون روزاليوسف والعلاقات المباشرة بكبار الأدباء والفنانين والسياسيين ونجوم المجتمع هي المنبع الذي أتاح له أن يصور الجوانب الخفية في الحياة المصرية. أما الميزة الثانية لأدب عبدالقدوس فهي انه كان عميق الإيمان بقضية الحرية‏،‏ بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

تعرية المجتمع

كان عبد القدوس فى أعماله الأدبية يعرى المجتمع ليكشف أخطاءه، حيث كتب أكثر من ستمائة قصة وقدمت السينما عدداً كبيراً من قصصه، فلقد اتجه فى مجموعاته القصصية الثلاث التى أصدرها قبيل ثورة 23 يوليو 1952 باسم «صانع الحب» عام 1948 و«بائع الحب» عام 1949 و«النظارة السوداء» إلى تصوير دقيق لفساد المجتمع المصرى وما يعانيه خلال تلك الفترة من انغماس فى الشهوات والرذيلة والبعد عن الفضيلة والأخلاق السامية.

لقطة من فيلم النضارة السوداء

ويظهر ذلك فى روايته الخالدة «شىء فى صدرى» التى صدرت عام 1958 فنجده يرسم لنا صورة دقيقة وصادقة للصراع القائم بين المجتمعين الرأسمالى والشعبى والمعركة الدائرة بين الجشع الفردى والاحساس بالمجتمع، فهى قصة عذاب الاحتكاريين والاستغلاليين ومثلهم بحسين باشا شاكر (شكري سرحان في الفيلم بعد ذلك) ذلك الذى جمع ثروته من احتكار الآخرين واستغلالهم، وحقق انتصاراته على كل من حوله من الناس بذكائه وأمواله واشترى سكوتهم ومظاهر احترامهم ولكنه لم يستطيع أن يخدع هؤلاء الذين يعيشون داخل نفسه، وهو يحس بعذابهم ويحس باعتدائه على حقوقهم ولذلك فلن يستطيع شراء سكوتهم واحترامهم، لأن قطعة من المجتمع تعيش فى صدره وتعذبه.

وبعد عدة تكريمات لأدبه الواقعى حصل إحسان على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووسام الجمهورية من الرئيس محمد حسنى مبارك وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب فى 1989 والجائزة الأولى عن روايته «دمى ودموعى وابتساماتى» عام 1973 وجائزة أحسن قصة فيلم عن رواية «الرصاصة لا تزال فى جيبى»، وفى الثانى عشر من يناير عام 1990 رحل عن عالمنا كاتب وأديب رفض أن يعيش فى جلباب أحد، ليعلنها صريحة للعالم بأنه لا يكذب ولا يتجمل.

شخصيات حقيقية

قالت السيدة نيرمين القويسني، مديرة مكتبه، وابنة شقيقة زوجته إن روايته بطلة «لا أنام» إمرأة حقيقية تدعى نفرتيتي مرزوق، تعرف عليها عن طريق الإذاعية البارعة آمال فهمي لتحكي له أوجاعها وبالفعل تعرضت لحادث حريق وأدمنت الخمور، وظلت على إتصال بالكاتب الكبير حتى وفاته، وإستمرت علاقتها بأسرته وبي أنا أيضا.

ومن صندوق ذكرياتها تشير السيدة نيرمين القويسني إلى شخصية حقيقية أخرى من أبطال أعمال عبدالقدوس الخالدة، وهي بطل «أنا لا أكذب ولكني أتجمل» قائلة «كنت أقيم بمنزل والدتي بحي مصر الجديدة وأمر على مدافن عائلتنا بصلاح سالم والتقيت بشاب طموح والده يعمل تربي ويدرس الرياضة البحتة بكلية العلوم جامعة القاهرة يحب زميلته بالكلية وكان والدها يشغل منصب وكيل وزارة، ونظراً للفارق الإجتماعي الكبير بينهما أخفى عليها الحقيقة، ولكنه ذهب ذات يوم لإصطحاب والدته من عملها ليلا حيث تعمل خادمة وفوجئ بأن حبيبته هي مخدومة أمه، وتحولت لفيلم أدى فيه النجم الأسمر أحمد ذكي دوراً من أروع ما قدم للسينما، وهذا الشخص يدعى وحيد ويعمل الآن بالمملكة العربية السعودية. و«لن أعيش في جلباب أبي» قصة المطرب المصري سمير الإسكندراني المشهور بأغانيه الوطنية، وكان والده من كبار تجار الخردة وتمرد على مهنة أبيه وشق لنفسه طريقاً مختلفاً بالحياة.

لقطة من فيلم أنا لا أكذب ولكني أتجمل

كما تعد قصة «وعاشت بين أصابعه» تأريخا لقصة حب المطربة الكبيرة نجاة والشاعر كامل الشناوي. وعن عاداته في الكتابة قالت القويسني: «كان مستمعا جيدا يحسن الإنصات وأنا «رغاية» أحكي له طوال الوقت عما أراه وبعدها يغلق عليه مكتبه بروز اليوسف ويصيغ بقلمه الرشيق أجمل القصص».

والمجموعة القصصية «يا ابنتي لا تحيريني معك» كانت بها قصة عن الكوافير الخاص بابنة الكاتبة نعم الباز، وهو كوافير شهير جدا في مصر، احب بنت مسؤل كبير وحملت منه وقام اهلها باجهاضها ولكنها عادت له بعد عام وتزوجته وانجبت منه ولدين وطلقها بعد ذلك. وقصة «ونسيت اني امرأة» الذي تحول لفيلم هي قصة الوزيرة الدكتورة عائشة راتب وزير التأمينات الاجتماعية السابقة، وقصة «آه يا ليل يازمن» عن جرحى ثورة 1952 وهي قصة مها عبد الحق وكانت ابنة احد البشوات، هربت بعد الثورة الى لبنان وعملت بالملاهي الليلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى