إنفراد جديد لـ «سينماتوغراف» عن فيلم افتتاح «القاهرة لسينما الطفل»
«نعمة الله حسين» تكتب عن الفيلم وتجرى حوارات مع أبطاله ومخرجه
«بكل قوتنا» .. يؤكد الإرادة والتحدى والحق فى الحياة
أن تكون معاقا ليس معناه نهاية العالم .. وأنه لاحق لك فى الحياة، فالإعاقة سواء كانت بدنية أم ذهنية، تحتاج لمن يتحداها.. ويتغلب عليها بالإرادة والعزيمة، يدعمهم فى ذلك الحب والرعاية التى يجب أن نولى بها أحبابنا من أصحاب الإعاقات.
وفى الدورة الثانية والعشرين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى لسينما وفنون الطفل، والمهداة لكل الأطفال من متحدى الإعاقة، والأيتام، يقدم المهرجان فى الإفتتاح فيلم «de toutes nos forces» أو «بكل قوتنا» الذى يعد من أهم الأفلام التى أنتجت فى الأعوام الأخيرة، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية، ويقوم بالبطولة فيه شاب معاق «فابيان هيرو» الذى لم يتعد السادسة عشرة من عمره، ويقف للمرة الأولى أمام الكاميرا ليقدم دوره فى الحياة.
القدر وضع أسرة صغيرة فى جبال الألب فى إمتحان عسير، عندما اكتشفوا أن ابنهم الأكبر«جوليان» ولد معاقا، ذهنيا وجسديا، وأصبح مكتوبا عليه أن يعيش أسير «كرسى متحرك»، لايستطيع الاعتماد على نفسه، ولابد من وجود من يرافقه بصفة مستمرة، الأم، عن طيب خاطر تضحى بكل شئ لكى تكون مرافقة متلازمة مع ابنها، فقد توقفت الحياة تماما حيث لا وقت لها على الاطلاق لأى شئ، فى نفس الوقت الذى لم يستطع الأب تحمل ذلك، فانغمس فى العمل فى الغابات، ابنهما جوليان يفاجئهما برغبته فى خوض سباق «الرجل الحديدى» وهو سباق سنوى يقام فى مدينة «نيس» الفرنسية، يشارك فيه مايقرب من ثلاث آلاف متسابق، عليهم أن يخوضوا جميع مراحل السباق الدراجات من (سباحة، عدو، وتسلق جبال).
جوليان يفعل المستحيل مع أصدقائه ليشارك فى السباق، لكن برفقة والده ورغم رفض الوالد فى البداية، لكنه أمام إصرار ابنه يوافق، لذلك كان عليه وبمساعدة أصدقائه حساب الوزن الزائد، واختراع أدوات تساعدهما على أن يكونا شخصا واحدا، خاصة أن جوليان لايمكنه السير أو الوقوف، وعلى والده أن «يسحبه» معه، هذه الرحلة تحدث تقاربا شديدا بين جوليان ووالده، وبين الزوج وزوجته، لتعود روح الأسرة وتحلق البهجة من جديد فى العائلة التى كانت التعاسة غير بعيدة عنها، إن هذا الفيلم يمنحنا شحنة من الأمل ودرسا فى حب الحياة .. وفى الارادة والتحدى.
الفيلم من اخراج «نيلز تافرنييه» وبطولة كل من «جالك جامبلان» والشاب المعاق «فابيان هيرو» و«الكسندرا لامى» فى دور الأم.
ان هذا الفيلم أجمل هدية من مهرجان القاهرة الدولى لسينما وفنون الطفل فى دورته الثانية والعشرين لكل أطفال مصر سواء كانوا أصحاء أم متحدى الإعاقة، لأن الأمل هو مانسعى اليه جميعا، فلا حياة بدون أمل.
«فابيان هيرو» بطل فيلم الافتتاح :
إحترمت المخرج لأنه لم يتعامل معى باعتبارى معاق
فابيان هيرو أو «جوليان»، الفتى المعاق الذى لعب بطولة الفيلم، يواجه الكاميرات للمرة الأولى من خلال هذا العمل، وان كانت له عدة تجارب مسرحية مع زملاء له وقد كان محظوظا بالعمل مع هذه المجموعة خاصة «الكسندرا لامى» التى قامت بدور والدته، حيث أن لها العديد من التجارب والخبرة فى التعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة، وقدمت عدة أفلام تسجيلية عن المعوقين.
الجدير بالذكر أن هذا الدور تطلب من «فابيان» مجهودا عقليا كبيرا، واستطاع القيام به بنجاح، ورغم سعادته الكبيرة بهذا العمل، الا أنه فى الحقيقة يرفض التحرك بعيدا عن محيط منزله، والمدينة الصغيرة التى تبعد عدة كيلومترات عن العاصمة البلجيكية، ويؤكد «فابيان» أن هناك الكثير من أوجه الشبه بينه وبين «جوليان»، خاصة فيما يتعلق بالاصرار، والرغبة فى تجاوز فكرة الإعاقة.
وعن علاقته بالمخرج «نيلز» قال: أننى أحترمه كثيرا، فلم يحدث أن تعامل معى على أننى معاق، بل كان تعامله معى على أننى ممثل، وفى أحيان كثيرة كان يقول لى «أريدك أن تؤدى المشهد كما تحب ولاتلتزم حرفيا بما هو مكتوب فى السيناريو».
وأخيرا يقول «فابيان» أعلم أننى معاق، لكنى مدرك تماما أننا لن نعيش الحياة سوى مرة واحدة، لذلك علينا أن نعيشها سعداء ونتقبلها، دون ان أنسى أننى ربما أكون محظوظا أكثر من بعض الأصحاء.
الفنان الفرنسي جاك جاميلان: الفيلم تجربة فنية وانسانية رائعة
من أصعب وأقسى الأمور على النفس أن يجد الانسان نفسه على محك الاختبار وفى امتحان قاسى، عليه مواجهته يوميا فى التعامل مع ابن معاق، يحتاج لمن يرعاه على مدى الأربعة وعشرين ساعة يوميا، الأب اختار أن يهرب ويغرق فى العمل، تاركا مهمة المواجهة والتعامل للأم، التى رافقت ابنها على مدار ستة عشر عاما طوال الوقت، وعندما يفقد الأب وظيفته، يبدأ فى التقرب الى إبنه ليخوض معه السباق الصعب، الذى يحول علاقتهما نهائيا الى منحى من الحب والتفاهم مما ينعكس على الأسرة كلها.
ـ وجاك جاميلان بطل الفيلم يعد واحدا من أهم نجوم السينما الفرنسية، وجهه يجمع بين الصرامة والطيبة، له ابتسامة ساحرة، عندما سألته عما دفعه لقبول العمل فى هذا الفيلم الذى تطلب منه مجهودا بدنيا كبيرا .. ابتسم قائلا: لقد كنت دوما مهتما بالعلاقة بين الآباء والأبناء، ولقد قدمت بحثا عن تجربتى مع أبى فى ممارسة الرياضة معا وأثر ذلك على كل منا، وعندما تحدث معى نيلز عن هذا الفيلم، قلت له لا أريد أن أدخل عالم المعاقين والكلام النظرى عنهم .. أريد أن أقدم صورة أب يشعر بالندم لأنه كان خارج دائرة الحياة بالنسبة لابنه المعاق، وكان هروبه مستترا تحت دعوى العمل.
ـ ويعترف جاميلان بأنه كان بعيد تماما عن عالم متحدى الاعاقة وأن هذا الفيلم كان نافذة جيدة له للاطلال على هذا العالم، وكان تعامله مع «فابيان» الابن المعاق الذى شاركه البطولة تجربة شديدة الانسانية بالنسبة له.
ـ ولعل من أصعب الأشياء فى هذا الفيلم هو المجهود الفعلى المبذول لأن سباق «الرجل الحديدى» الشهير يتطلب لياقة عالية، وعن ذلك يقول نيس : فى اليوم الأول للتصوير، قمت بالسباحة لمسافة كيلو مترين من أصل ثلاثة كيلو مترات، كان نيلز يصور بسبع كاميرات.. وكان علينا التركيز وسط ألفان وسبعمائة متسابق لا أحد منهم يهتم بما يدور حوله.
ـ وعن علاقته بـ«فابيان»، بطل الفيلم المعاق الذى أدى دور ابنه، قال: التجربة كانت ممتعة، فهذا الشاب رغم اعاقته الذهنية والجسدية الا أنه يتمتع بتوهج شديد وخفة ظل عالية، وقد تفاهمنا منذ اللحظة الأولى، لهذا جاء الفيلم بمثابة تجربة انسانية وفنية ممتعة للغاية.
المخرج «نيلز تافرنييه»: قدمت عملا يدعو الى التمسك بالأمل
كان أول ظهور للمخرج الشاب «نيلز تافرنيبه» من خلال دور صغير فى فيلم «الأطفال المدللون» وكان وقتها مراهقا صغيرا، ولكنه أخذ فرصته الحقيقية عام 1982 فى فيلم «الحب من أول نظرة» للمخرجة «ديانا كوريس» لتتوالى أدواره السينمائية، محققا نجاحا لابأس به فى كل الأدوار التى قدمها، لكن حلم «تافنييه» الصغير كان متمثلا فى الاخراج، متخذا من والده المخرج الكبير«برتراند تافرنييه» مثلا أعلى، فاتجه الى السينما التسجيلية والروائية القصيرة .. ومن أجمل الأفلام التى قدمها «كل شئ قريبا من النجوم»، ثم شارك والده فى اخراج الفيلم التسجيلى «حكايات من الحياة محطمة» وكان ذلك بداية من عام 2001 الى 2004، ليتجه بعد ذلك للعمل فى المسلسلات التلفزيونية، وفى عام 2006 قدم للسينما أول أفلامه الروائية الطويلة «أورور» بطولة مارجو شاتليه، كارول بوكيه، وفرانسوا برليان، وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وذلك دون أن يبتعد كثيرا عن التليفزيون والأفلام التسجيلية.
و«نيلز تافرنييه» يتمتع بحس انسانى عال جدا، وهو مشارك فى العديد من الجمعيات الخيرية لرعاية الأطفال متحدى الاعاقة، وربما من هذا المنطلق كانت رغبته الحقيقية لتقديم فيلم عنهم مستعينا فى ذلك بالممثل القدير «جاك جاميلان» الذى لديه نفس الاهتمامات مع الفنانة «الكسندرا لامى».
وقد التقيت «نيلز تافرنيبه» فى مهرجان «مونز» لأفلام الحب خلال دورته عام 2014 وكان الفيلم قد أحدث ردود فعل أكثر من طيبة عند عرضه .. ليقول لى أن اهتمامه بالأطفال متحدى الاعاقة يعود لأكثر من عشرين عاما مضت، عندما أمضى عامين من الخدمة العامة بمستشفى «نيكر» وهى أشهر مستشفى للأطفال فى باريس، خدمة نيلز كانت فى قسم الأعصاب وكان يومها يريد أن يصنع فيلما عن هؤلاء الأطفال، وأكثر ما أدهشنى كما يقول «نيلز» أن الأطفال كانوا يتمتعون- برغم اعاقتهم – بقدر كبير من الطاقة، تنبع من داخلهم وتنعكس على ذويهم وكل من يختلط بهم.
ويضيف نيلز قائلا: لقد أردت أن أقدم فيلما عنهم، عن اصرارهم وتحديهم الذى يجعل العين لا تعترف بالإعاقة الظاهرة الماثلة أمامها.
وعندما سألته الى أى مدى تأثر بوالده فى الكثير من مشاهد الفيلم، ابتسم قائلا: أن علاقته بوالده تبدو بوضوح فى كل لقطة من الفيلم لأنه يحبه بشدة، وأنه استرجع الكثير من الأحداث التى جمعتهما معا، خاصة فى مجال الرياضة، ليضيف قائلا: أذكر أننى كنت أركب الدراجة مع ابنى وكان شديد السعادة بذلك .. وهذه الحالة استخدمتها بقوة فى أحد مشاهد الفيلم حيث طغت ابتسامة «جوليان» على كل ما فى الصورة وما حولها.
و«نيلز» لا يخفى سعادته بأنه قدم هذا الفيلم المأخوذ عن قصة واقعية ليقول لنا ان الحياة جميلة وممتعة، وأنه بقليل من التحدى والإرادة نستطيع أن نحياها، وكيف أن فتى مراهق من متحدى الاعاقة، استطاع أن يغير تماما من علاقة والديه وعائلته، وأن أكثر مايسعدنى ويمتعنى أننى قدمت فيلما يحمل الكثير من الأمل.
ـ ومن أكثر المشاهد صعوبة فى هذا الفيلم، مشهد السباحة الذى أقيم على شاطئ نيس، ففى هذه المسابقة، يشارك أكثر من ثلاثة آلاف متسابق، واختار «نيلز» أن يتم التصوير أثناء المسابقة فعلا، وكانت الصعوبة فى توجيه الكاميرا على جوليان ووالده .. وهنا يقول نيلز: «اننى أنحنى اعجابا بأدائهما الرائع».
شاهد التريللر الخاص بفيلم «de toutes nos forces» أو «بكل قوتنا»: