أحداث و تقاريرأهم العناوين

«إيليا سليمان» يحكي عن فلسطين ودخوله صناعة الأفلام

استعرضت ندوة ملتقى قمرة الدوحة مقاطع من أفلامه «يد إلهية» و«سجل اختفاء» و«الزمن الباقي»

الدوحة ـ «سينماتوغراف»

شارك إيليا سليمان صانع الأفلام الفلسطيني والمستشار الفني لدى مؤسسة الدوحة للأفلام مع الحضور تفاصيل رحلته في صناعة أفلام في إطار ندوة دراسية ضمن فعاليات أمس الأحد من “ملتقى قمرة”.

وكانت هذه الندوة الثانية من خمسة ندوات دراسية تُعقد ضمن ملتقى قمرة، وهو حدث جديد تنظمه مؤسسة الدوحة للأفلام لدعم صناع الأفلام الصاعدين.

واستحضر سليمان ذكريات نشأته في فلسطين كما تحدث عن شغفه برواية القصص الشخصية وعن صناع الأفلام الذين استمد من أعمالهم الإلهام على مدار مسيرته الفنية.

وضمن فعاليات قمرة أيضاً، سيتولى سليمان نصح وتوجيه أصحاب أربعة مشروعات أفلام في مرحلة تطوير مكثفة هي: فيلم دراما الخيال العلمي «البحث عن أدم» (قطر) لأحمد الباكر، وفيلم دراما البحث عن الهوية «مرجون والحجاب الطائر»  (لبنان وهولندا والولايات المتحدة وقطر) لسوزان يوسف، وفيلم دراما الصحراء «سراب» (قطر) لخليفة المريخي، وفيلم الكوميديا السوداء «إنشالله استفدت» (الأردن وهولندا وألمانيا والإمارات وقطر).

وتحدث سليمان عن سنوات طفولته في الناصرة في فلسطين حيث لم توجد غير دار سينما واحدة وسط مشهد فني محدود إلى حد ما.

وبعدما ترك الدراسة، انتقل سليمان في عمر 21 عاماً للعيش في نيويورك كمهاجر غير شرعي حيث عمل في عدة وظائف واكتسب تجربته الأولى في عالم السينما.

وقال سليمان، «هناك بدأت رحلة تعلمي الذاتي لصناعة الأفلام»، مضيفاً «كان أصدقائي من الطلاب يهربونني لحضور حصص السينما في جامعة نيويورك ومشاهدة الأفلام، حيث دخلت من مخرج الحريق وغادرت قبل إشعال النور مجدداً، لكنها كان بداية مسيرتي حيث تعلمت خصائص الصور والمشاهد السينمائية».

أنجز سليمان أول أفلامه في عمر 30 عاماً شارحاً أنه لم يكن حينها يعرف كيف يكتب سيناريو فيلم أو يصنعه، حيث تعلم المصطلحات المتدوالة في هذا المجال من قراءة نص فيلم «الحي الصيني» لرومان بولانسكي.

«لم تكن لغتي الإنجليزية جيدة ولم أفهم الجزء الفني التقني من النص ومنها وضعيات الكاميرا وتحركاتها إلا أنني نسخت العناوين بعد قراءة نص فيلم «الحي الصيني» لرومان بولانسكي، وبدأت بعدها بقرع الأبواب».

وقال سليمان أن أول مشهد صوره كان حين عاد إلى فلسطين، «كانت أول مرة صورت فيها مشهداً بعد قضائي ثلاث سنوات ونصف في نيويورك. عدت إلى بلدي وكان لدى أخي كاميرا لتصوير حفلات أعياد ميلاد أولاده، واستعرتها منه عندما ذهبت لملاقاة صديقي الراعي البدوي. وصورت حينها مشهداً عن قرب لماعز وهو يلوك وكانت اللقطة من خمس دقائق ونظر فيها الماعز مباشرة في ناحية عدسة الكاميرا. ما زال لدي نسخة عنها على شريط  فيديو وعشت في تلك اللحظات بداية افتتاني بعالم السينما».

أثار أول أفلام إيليا سليمان «مقدمة لنهاية جدال» الكثير من الجدل إلا أنه حقق نجاحاً كبيراً في المهرجانات السينمائية حيث يتمثل الفيلم بمجموعة من اللقطات السريعة تحاكي وتسخر من الصور النمطية للعرب في الإعلام الغربي إلى جانب تناولها التاريخ السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.

ومن بعدها أوكل إلى سليمان وأربعة مخرجين عرب آخرين مشروع فيلم سينمائي للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم تجاه حرب الخليج الثانية وتبعاتها على الشعوب العربية وثقافتها وفكرها، حيث حمل الفيلم اسم «تكريم بالقتل».

وقال سليمان، «شكل هذا الفيلم بدايتي الجدية في محاولة التعاطي مع الصورة السينمائية».

وبعدما تيقن من رغبته في أن يصبح صانع أفلام، بدأ سليمان في مشاهدة الكثير من الأفلام في نيويورك لثتقيف نفسه عن السينما. وقال أنه لم يجد صلة تربطه بكثير منها، بما فيها أفلام كلاسيكية من أعمال مخرجين معروفين مثل جان لوك غودار و فيم فيندرس، إلا أن شعوره تغير عندما أطلع على أعمال مخرجين يابانيين وتايوانيين مثل ياسوجيرو أوزو وهو هسياو هسين.

«أول ما شهدت أفلام أوزو شعرت  فوراً بالتوحد مع الكاميرا ومكانها. كما تملكني إحساس بأن سينما أوزو تشبه الأجواء التي جئت منها من ناحية الأوضاع السياسية ومحاولة عيش حياة طبيعية في ظل الاحتلال، فإن أفلامه، ومنها “قصة طوكيو”، تشعرك بالغربة التي تعرّض لها أفراد الجيل الأكبر بسبب ما جرى لهم كما توحي أيضاً بالنكران الذي عاشوه».

وفي معرض حديثه عن فيلمه «سجل اختفاء» والتحديات التي واجهت تحول سليمان من صناعة الأفلام القصيرة إلى الطويلة حيث استعان بطاقم عمل كبير للتصوير في ما يقارب الثمانين موقعاً، قال «ليس الفيلم تكملة لأخر أفلامي القصيرة حيث كان من المفترض أن يكون الفيلم الرابع في السلسلة، إلا أنني جازفت وخاطرت بكل شيء لأنني لم أعرف ماذا أفعل غير ذلك. كنت أعلم بالفروقات الكبيرة بين الأفلام القصيرة والطويلة إلا أنني قلت نفسي أن الفيلم  فرض نفسه وعلي القبول بذلك».

وبعدما رفض عدة منتجون في فرنسا التعاون معه، وحاول بعضهم إهانتهم بالقول أنهم حسبوه مخرجاً أمريكياً وأن ليس لفيلمه علاقة بفلسطين، لم يكن هناك خيار أمام سليمان إلا إنتاج الفيلم بنفسه.

ووضح سليمان، «أشكرهم على قرارهم هذا ففيلم «سجل اختفاء» كان ليصبح فيلماً مختلفاً لو لم أنتجه بنفسي». وأضاف، «أحكمت سيطرتي على مجرى الفيلم وكان لدي مطلق الحرية في خياراتي. ومثل المشروع فرصة نادرة لصناعة فيلم بهذا الحجم وبهذا المقدار من الحرية وكان كل هذا بفضل رفض الجميع إنتاجه».

وتحدث سليمان، الذي يلعب دور البطولة في الفيلم بمعية أفراد من عائلته وأقاربه ومجموعة من الممثلين غير المحترفين، عن كيفية إقناعه لعائلته لمشاركته في تمثيل الفيلم الذي يُصور عودته إلى الضفة الغربية بعد غياب طويل، وينقل مشاعر عدم الاستقرار والغموض الناجمة عن الإحتلال.

«كان والديّ كبيران بالسن وكنت أخشى أن لا يفهما التدخل الذي مثله الفيلم في حياتهما الخاصة، كما همني بالطبع راحتهما. ولم أفاتحهما حول الموضوع حتى وقت متأخر من مرحلة ما قبل الإنتاج. أحب أبي الفكرة كثيراً حيث رأى نفسه بمكان الممثل الأمريكي المعروف همفري بوغارت وكان يعرف الكثير عن عالم السينما. وأما أمي فتلخص جوابها بالموافقة البسيطة. لم يسبق لأهالي الناصرة أن شهدوا تصوير فيلم وخاصةً فيلم لا يمثل فيه محترفون».

وفي حديثه عن ردود الفعل على الفيلم الذي فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي، قال أن الجماهير رفضت الفيلم واصفةً إياه بالمهين. وصدرت فتوى بحقه في مصر ومُنع فيلمه في أماكن كثيرة حتى أن نسخاً عنه قد  أُتلفت. كما تعرض سليمان لمقاطعة عدد من الممثلين في فلسطين لاستعانته بأشخاص لا يحترفون التمثيل.

وبعد فيلم «سجل اختفاء» قال سليمان أنه تمسك أكثر برواية قصص شخصية تعتمد على مقتطفات من سيرته الذاتية، وأدرك أنه بحاجة إلى أن يعيش أكثر من خلال أفلامه ولهذا أصبح شروده وأحلام يقظته نوعاً من أنواع البحوث إلى حد ما.

وشرح سليمان قائلاً، «احتجت إلى عيش واختبار الأحداث ومشاهدتها وهي تتكشف لذا وثقت بحواسي أثناء تجوالي وعرفت أن هناك شيئاً ما بانتظاري إذا ما حافظت على تيقظي».

وتحدث سليمان أيضاً عن استخدام الصور المنشأة بالحاسوب في فيلمه «يد إلهية» وصعوبة الاستعانة بهذه التكنولوجيا خلال تصوير اللقطات الطويلة. كما تطرق في حديثه إلى بنية الفيلم وهيكله.

«بدأت مع «يد إلهية» بكتابة مشاهد خاصة وقصيرة»، وأضاف، «لم أكن أعرف كيفية الوصول إلى حبكة معينة إلا أنني كنت أعرف كيف أكتب هذه المشاهد التي تراكمت لتصبح في المحصلة سيناريو الفيلم».

وناقش سليمان بعدها الطبيعة الشخصية جداً لفيلمه «الزمن الباقي» المبني على مذكرات والده وذكرياته عن أحداث 1948 وإعلان تأسيس دولة إسرائيل، وكان والده قد تعرض إلى الاعتقال والتعذيب خلال هذه الفترة بسبب انضمامه إلى المقاومة.

وحول محاولته سرد وقائع هذه الأحداث مع الوفاء لتاريخيتها، قال سليمان، «زرت وتحققت من كل مكان يصفه والدي في مذكراته. وما زال عديد من هذه الأماكن في حارتي، وصورنا مشاهد في نفس المكان التي حصلت فيها».

وفي استعراضه رحلته في صناعة الأفلام، قال سليمان، «لست مقتنعاً تماماً بأنني صانع أفلام حيث لا أرى نفسي بنفس الطريقة التي أرى فيها صناع الأفلام”، وأضاف، “تتصف شخصيتي بالسكون حيث لا أجد نفسي أنجز فيلماً بعد فيلم أو أكتب نصاً بعد آخر كما هو الحال مع صناع أفلام آخرين، إلا أنني أشعر بالرضا عندما أبدأ بالكتابة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى