المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد
ابن لا أحد.. وحشية الإنسان وقسوة الحياة في زمن الحرب
يعرض اليوم في “أبوظبي السينمائي”..
مأخوذ عن قصة حقيقية ويحمل بصمة المخرج الصربي فيك رسوموفيتش
ابن لا أحد.. وحشية الإنسان وقسوة الحياة في زمن الحرب
أبوظبي ـ “سينماتوغراف” ـ هاني مصطفى
كثيرٌ من الأساطير في الثقافة الإنسانية على وجه العموم تناولت قصّة طفل تربّى في الغابة بين الحيوانات. لعلّ أكثرها شهرة على المستوى العالمي “كتاب الأدغال”، الذي ألّفه البريطاني روديارد كيبلينغ في نهاية القرن التاسع عشر. فيلم “ابن لا أحد” الذي يشارك في (مسابقة آفاق جديدة) بمهرجان أبوظبي السينمائي، ويعرض اليوم، يذكر، في مقدمته، أن الفيلم مأخوذ عن حادثة واقعية، الأمر الذي تبعد معه فكرة استعارة الدراما من الأساطير الثقافية. غير أن المخرج الصربي فيك رسوموفيتش لا يهتمّ إلاّ بالتفاصيل التي تجعله يبدأ من تلك الفكرة، ويقوم بقياسها إنسانياً في فترة شديدة القسوة من تاريخ وطنه، عندما كان دولة موحدة باسم يوغوسلافيا.
أحداث الفيلم تبدأ مع العام 1988، عندما يكتشف عددٌ من الصيادين في منطقة نائية في البوسنة الهرسك طفلاً في العاشرة أو الحادية عشرة من عمره، عارٍ تماماً، يقترب سلوكه من تصرّفات الحيوانات البرية. تقترب تلك البنية في بدايتها من فيلم “الصبي المتوحّش” (1969) للمخرج الفرنسي فرنسوا تروفو. مهارة المخرج، وهو كاتب السيناريو أيضاً، تأتي من أن كل تفصيلة مهما كانت صغيرة لها أهميتها في السيناريو. فجملة الحوار، أو اللقطة التي قد تبدو عابرة فى الفيلم، لها قيمتها الكبرى في بنية الدراما، وربما تترتّب عليها حادثة محورية فيما بعد.
مثال على ذلك: كيف تمّت تسمية الطفل بورتشيكا من قبل موظفة السجل المدني في البوسنة، قبل انتقاله للعيش في ملجأ الأيتام في بلغراد؟ هذه التفصيلة يترتّب عليها شيء قدري بعد أعوام عديدة، وأثناء بداية الحرب الأهلية في يوغوسلافيا. الفيلم ينتقل لرصد كل ما يتصل بعلاقة بورتشيكا داخل الملجأ، وكيف يواجه تنمّر أقرانه وشعورهم بمدى غرابة هذا الصبي. ربما يشعر المُشَاهد بحالة من الملل في المَشَاهد الإفتتاحية داخل الملجأ، التي ترصد الحالة النفسية للصبي وعدم حدوث أي تقدّم في مسألة تأقلمه مع الحياة الإنسانية. المخرج يريد أن يجعل المُشاهد يتعايش ليس فقط مع بروتشيكا، لكن أيضاً مع معلّمه الذي يعانى أشدّ المعاناة دونما تقدّم.
يستطيع المُشَاهد أن يستمتع بالتمثيل في مَشَاهد عديدة طوال الفيلم، خاصة دور المعلم الذي أدّاه الممثل ميلوس تمتويڤتش. كذلك دور زيكا، صديق بورتشيكا، الذي بدا على الرغم من حداثة عمره، أنه ممثلٌ ذو خبرة طويلة في الاندماج في الشخصية. من المؤكّد أن لا أحد يستطيع إدراك مدى الصعوبة التي واجهت المخرج، ومعه بطل الفيلم دنيس موريتش، لبناء التعبيرات الشخصية، الجسدية والتصرّفات، نظراً إلى أن الشخصية تقريباً لا تتحدّث إلاّ بعض كلمات قليلة طوال الفيلم، وأيضاً بسبب أن تفاصيل التمثيل في تلك المَشَاهد ليست لديها أية مرجعية للتعبير، والخيال فيها مفتوح.
أدوات المخرج الجمالية ليست فقط في تفاصيل الصورة، بل في استخدامه بدقّة شديدة شريط الصوت، الذي يبني عليه الكثير من الجوّ التكميلي للمشهد. فعندما نسمع صوت طلقة الرصاص في المشهد الأول، نشعر أننا أمام شريط صوت قوي ومتميّز في الفيلم ككل. أيضاَ، في مَشَاهد الحرب الأهلية، وبعد إطلاق الرصاص العنيف، يصبح شريط الصوت مكتوماً كأن المخرج ومصمم شريط الصوت أرادا أن يشعر المُشَاهد بحالة الصمم الجزئي التي قد يكون يعاني منها المقاتلون فى المشهد.
ويمكننا القول أن فيلم “ابن لا أحد” حكاية تتساءل عن قسوة الحياة ووحشية البشر؟