اختتام فعاليات مهرجان دبلن للفيلم العربي في دورته الرابعة
دبلن ـ «سينماتوغراف»
أسدل الستار على مهرجان دبلن للفيلم العربي في دورته الرابعة بفيلم الختام التونسي “على كف عفريت” للمخرجة كوثر بن هنية، التي استطاعت أن تثير دموع الجمهور، الذي ملأ قاعة معهد الفيلم الايرلندي على آخرها، ليكرم كوثر وفيلمها بموجة تصفيق حارة، بدت وكأنها رسالة تحية منهم على جرأة المخرجة كوثر بن هنية، ومريم بنت أحمد بطلة الفيلم التي هزت بقصتها أرجاء تونس.
“على كف عفريت” هو الروائي الطويل الثالث في قائمة كوثر بن هنية، بعد تقديمها لـ”شلاط تونس” في 2014، و”زينب لا تحب الثلج” في 2016، ليأتي هذا الفيلم على وقع حادثة حقيقية شهدتها تونس أبان اندلاع الثورة وسقوط نظام بن علي، حيث قامت بطلة القصة بتوثيقها في كتاب صدر باللغة الفرنسية عام 2013، حمل عنوان “مذنبة بأنني اغتُصبت”، ليكون شاهداً على حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها “مريم” على يد رجال الشرطة، لتبدو أن حالة “مريم” و”تونس” على حد سواء، على كف عفريت.
أحداث الفيلم مقسمة إلى 9 فصول، في كل واحدة منها فضلت المخرجة كوثر أن تروي جانباً من الحادثة، التي تبين مدى المعاناة التي مرت بها مريم منذ لحظة تعرضها للاغتصاب ومروراً بمحاولاتها إثبات ذلك، وزياراتها المتكررة للمستشفى، وانتهاءً بقسم الشرطة، حيث تتعرض لمحاولات شتى من قبل رجال الأمن لثنيها عن رفع دعوى ضد من ارتكبوا هذه الجريمة بحقها، متذرعين بأن أمن تونس كله واستقرارها يقف على كف عفريت.
كوثر حاولت في الفيلم التركيز على آثار ما بعد الحادثة، واستطاعت فيه أن تقفز خطوة إلى الأمام، حيث قدمت عملاً قوياً، قادراً على ترك تأثير كبير على المشاهد، بسبب طريقتها في الإخراج، والتي تجعل الفيلم بأسره يبدو رحلة ليلية قاسية ومخيفة، واستطاعت فيه أن تمزج الجانب السياسي مع الجوانب الاجتماعية والنفسية، بحيث يصبح الفيلم في النهاية وكأنه يسعى إلى فضح المؤسسة الاجتماعية العتيقة التي تعودت أن تجعل من الضحية مذنبة.
وبقدر قساوة فيلم “على كف عفريت”، جاء الفيلم المغربي “يما” للمخرج رشيد الوالي والذي عرضه المهرجان، أول من أمس، في حرم مكتبة شيستير بيتي، أخف وطأة على جمهور المهرجان، حيث حث فيه المخرج المرأة على تعلم قول كلمة “لا” وأن تتمرد على كافة التقاليد المجتمعية المغلوطة التي تمنعها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي. في هذا الفيلم الذي يمتد على 100 دقيقة، يروي المخرج رشيد الوالي قصة بوجمعة، ابن البادية الذي تمكن من مواصلة دراسته بالمدينة، حيث شق مساره المهني كمصمم، وانشق عن قيم وأعراف تسود في بيئته الأصل وتسمح للأب بالزواج بفتاة صغيرة يتيمة بحجة إنقاذها من “الذئاب”، وبتزويج ابنته اليافعة بأرمل في الأربعين وبحرمان الأبناء من الدراسة صوناً للأعراف.
بوجمعة يصطدم بعد عودته إلى بلدته للمشاركة في حفل زواج أخته، بتقاليد والده، الأمر الذي يجبره على العودة إلى المدينة حيث كان ليستأنف حياته الخاصة، وفي الأثناء يصادف “ليلى”، وهي امرأة غامضة، لا أحد يعرف شيئاً عنها، يتعلق بها بعد أن اعتاد التواصل معها عبر الإنترنت، حيث يرغب بالزواج بها. في هذا الفيلم يلعب رشيد الوالي دور البطولة، ويشاركه التمثيل فيه وجوه جديدة، من بينهم مارك صامويل، وياسمين كرلاش، وحفيظة الطاهري، وغيثة، فضلاً عن وجوه معروفة مثل: جمال الدين الدخيسي، وسعاد حميدو.
كما شارك فيلم “علي معزة وإبراهيم” للمخرج شريف البنداري، في الدورة الرابعة من مهرجان دبلن للفيلم العربي، ويحكي الفيلم قصة حب يعيشها الشاب علي في إحدى المناطق الشعبية المهمشة، حيث ينطلق في رحلة بأنحاء جمهورية مصر العربية بتوصية من معالج روحاني، بصحبة إبراهيم الذي يصل لحافة الجنون بسبب أصوات غريبة لا يسمعها غيره، ليكتشف الاثنان وأهل المنطقة كلها، المغزى الحقيقي لكل ما مر بهما من أحداث غريبة.
والفيلم من إخراج شريف البنداري، وتأليف أحمد عامر، عن قصة سينمائية لإبراهيم البطوط، وبطولة علي صبحي وأحمد مجدي، بالاشتراك مع الفنانة سلوى محمد علي وناهد السباعي.
وعرض مهرجان دبلن للفيلم العربي سبعة من أفضل الأفلام التي أنتجتها السينما العربية على اختلاف توجهاتها هذا العام، وعن ذلك أشارت زهرة مفيد مديرة المهرجان إلى أن اختيار هذه المجموعة كان بهدف تسليط الضوء على مختلف أشكال الثقافة العربية. وقالت: “هذه المجموعة تمنحنا فرصة الاطلاع على الواقع العربي بشكل عام، من منطق صناع السينما”.
إذ عالج كل واحد منهم هذا الواقع بصيغة مختلفة، بعضها جاء بقالب كوميدي كما في فيلم “محبس” الذي يبين الفرق بين ثقافتين متجاورتين، أو بقالب درامي، كما في الفيلم الجزائري “يما”، أو حتى بقالب وثائقي كما في “نادي غزة لركوب الأمواج” الذي آثرنا من خلاله أن نقدم صورة عن التعامل مع هذه الرياضة، في ظل ما يعانيه الفلسطينيون من احتلال، فضلاً عن أن الشعب الإيرلندي يعشق هذه الرياضة.
من جهة ثانية، أكدت زهرة مفيد أن التعامل مع المهرجان بعد تنظيم 4 دورات، أصبح أسهل بكثير مقارنة مع الدورة الأولى. وقالت: “أعتقد أن هذه الدورة أسهل من ناحية التنظيم، خاصة أننا أصبحنا نعرف طبيعة الأفلام العربية ومصادرها، وطبيعة التيمة التي يركز عليها المهرجان، إلى جانب أنه عمّق معرفتنا بطبيعة ما يتطلع إليه الجمهور في إيرلندا”.
ونوهت بأن الاستعدادات للدورة الخامسة قد بدأت من الآن. وقالت: “الدورة الخامسة ستكون مفصلية في عمر المهرجان، ووصولنا إليها يبين مدى النجاح الذي حققناه خلال السنوات الماضية، وأعتقد أن الدورة المقبلة ستكون أثرى وأغنى من ناحية الأفلام”. وأضافت: “لدينا أكثر من توجه في الدورة الخامسة، ونسعى إلى أن نقدم مهرجاناً أكثر اتساعاً وشمولاً”.