سينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد

الأحمق الروسي.. يسقط في فخ المعادلة الأصعب

ضريبة الاختلاف تكلف كثيرا
“الأحمق” الروسي.. يسقط في فخ المعادلة الأصعب
“سينماتوغراف” ـ عمار محمود
 
“الأحمق ـ The Fool ” هو الفيلم الروسي الوحيد الذي يشارك في دورة هذا العام من مهرجان القاهرة السينمائي، وهو الثالث في مسيرة المخرج الروسي يوري بيكوف (Yuriy Bykov)، وسبق أن شارك بفيلمه في مهرجان لوكارنو السويسري لهذا العام ونال أربعة جوائز منها جائزة أحسن ممثل وجائزة لجنة التحيكم.
 
يتناول الفيلم بداية، أحد موضوعات علم النفس، وهو التماهي، أي محاولة الإنسان الانضمام إلى النمط، أي يتشابه تكوينه النفسي في دوافعه للحياة بالتكوين النفسي للغالبية، حتى لا يكون مختلفا، ولكي يتفاعل مع نمط المعيشة وقوانينها، فإذا كانوا فاسدون، لابد أن يفسد، لأن ضريبة الاختلاف تكلف كثيرا، وأحيانا تكلف الحياة.
 
يأتي الجزء النفسي والذي هو أحد محاور الدراما الرئيسية في الفيلم والمشكلة الأساسية له، ليؤكد على فكرة التماهي وضرورة الإلتزام بالنمط والاهتمام بمشاكل الأقرب دون الأبعد، في مشهد البداية، عندما تنكسر أحد المقاعد التي بناها ديما (آرتم بيستروف Arttem Bystrov) ووالده، يجري حوارا بينهما وبين والدة ديما عن ضرورة الالتزام بالنمط الشائع لتصرفات الناس مع بعضها، والاهتمام بأحوال النفس والعائلة فقط، لأن المقعد كان هدفه الرئيسي هو مساعدة الناس في وجود مكان مناسب للجلوس وهي فكرة ديما، والتي وبخته والدته عليها وشرحت ضرورة ترك هذا المقعد بدون تصليح، ثم يتفرع الحوار عن الأحوال المادية السيئة والتي لا يراعيها والد ديما من وجهة نظر زوجته، التي تخبره بأحقيته في السرقة والاختلاس كباقي زملائه لسد احتياجاتهم، وأنه شيء ضروري للحياة، لأنه إن لم يفعل ذلك، سوف ينبذوه ويرفضوا وجوده وسطهم وهو ما يحدث، بل والأكثر من ذلك، يتم توجيه التهم إليه بالإختلاس والسرقة.
 
ثم يحاول الفيلم تقديم النموذج الذي لا ينتمي للنمط بشكل مكثف، والذي يشعر بالتزامه الأخلاقي تجاه الآخرين، وأن ذلك الاهتمام ضرورة إنسانية بدونها سوف تحدث كارثة.
 
ومن تلك المقدمة النفسية في أول مشهد، تبدأ الأحداث الرئيسية للفيلم عندما يتصل زميل ديما في العمل والذي يعمل سباك صحي، وإبلاغه بضرورة ذهابه إلى أحد المباني التي يشرف عليها، فيدرك ديما بعد فحصه لشبكات الصرف الصحي، بأن المبني يوشك على الانهيار، فيحاول ديما إبلاغ المسؤولين، ويخوض رحلة صعبة من أجل اقناعهم بأن المبنى سوف ينهار بسكانه إذا لم يتصرفوا سريعا.
 
 
بعدما يؤسس الفيلم للشخصية الرئيسية التي خالفت النمط، ومعرفة نتيجة ذلك الاختلاف، يعرض الفيلم في المشاهد اللاحقة، النماذج المتطرفة والتي تحافظ على تماهيها مع محيطها الفاسد، لأنها تشبعت بالفساد واستفادت منه ولن تستطيع التخلي عنه، وبالإضافة لذلك، يقدم الفيلم نموذجا عن البيروقراطية، وإيمانها بالروتين، مهما كانت العواقب.
 
فحينما يذهب ديما لمكتب عمدة المدينة، ويشرح له الوضع الذي سيؤول إليه المبنى، يحاول الجميع أولا الحفاظ على مصالحهم الشخصية، لأن الحكومة الروسية قدمت ميزانية لرؤساء الحي لترميم المباني، والتي تم اختلاسها بالكامل، وهنا في تلك اللحظة، يسقط الجميع في فخ المعادلة الأصعب، حياتي أنا أم حياة الآخرين.
 
بالإضافة إلى تلك المواضيع النفسية المعقدة، والتي جاء جمالها من الحوارات المكثفة، بالرغم من كثرة مشاهدها، كان هناك خط درامي نفسي، هو أحد أجمل الخطوط الدرامية في الفيلم، وهو السؤال الرئيسي. لماذا يحاول ديما مساعدة الناس وتبليغ العمدة بالوضع السيء للمبنى، هل هو كما ذكر في بداية الفيلم، يريد أن يحل محل رئيسه في العمل والذي هو أحد المختلسين من مبالغ الترميمات، أم أن ديما هو أحد الأشخاص الصالحين؟
 
هذا السؤال، الذي يتركه الفيلم بلا إجابة حقيقية، هو أساسي لدراما الفيلم، فقد ذكر ديما بأنه يدرس الهندسة لكي يأخذ شهادة جامعية تؤهله لأن يحل منصب رئيسه في العمل، هل دافعه الرئيسي والذي أصابه بحماس كبير، هو الفائدة من وراء سعيه لمصلحة الناس وأنه سوف يتم ترقيته ليحل محل رئيسه، أم أن ضميره الذي جعله في البداية مختلفا عن النمط، دفعه يشعر بمسؤولية تجاه الآخرين خاصة إذا كان يستطيع المساعدة.
 
بالرغم من الحكاية المعقدة جدا، فقد كان سيناريو الفيلم يتصاعد بهدوء وتوازن شديد يوضح حقيقة العلاقات في البداية لكي يستوعب المشاهد المسائل النفسية التي يتحدث عنها، والتي جعلت بداية الذروة في الربع الأول من الفيلم، وتبدأ الأحداث النفسية بعد ذلك بقليل، ثم يهبط الإيقاع في مشاهد الحوار، والتي كانت طويلة، ولكنها ليست كثيرة، إذا ما قورنت بمشكلة المط والتطويل في الأحداث النهائية، والتي جاءت مباشرة جدا، وأضاعت الجزء الجمالي الذي يأتي من غموض فكرة الدافع، وأيضا لانتهاء الأحداث الحقيقية والإجابات الكاملة في ثلثي الفيلم.
 
الإخراج هو الأكثر كمالا من السيناريو، فالكاميرا المحمولة في مشاهد بعينها، والكاميرا الثابتة في مشاهد محددة جدا، سهل عملية قراءة الفيلم، حيث أضاف بعدا جماليا آخر يعوض وضوح أفكار الفيلم ووضوح القراءة، ويتمثل ذلك في تكوين الكادر وأماكن تواجد الممثلين، فكان مثلا أجمل مشاهد الفيلم، عندما عرف ديما مشكلة المبنى الذي سوف ينهار، وكان يسير في مؤخرة الكادر، وهنالك مساحة كبيرة خالية أمامه في طريقه إلى منزل العمدة، لكي يعبر بشكل مجازي عن الصعوبة الكبيرة التي سوف يواجهها ديما في حواره معهم، بالإضافة للحوار الذي مهد لفكرة اجتماع الرؤساء للحياة فقط، وأنهم لن يجتمعون أو يتفقوا من أجل البحث عن سبيل لنجاة الآخرين من الموت.
 
المشكلة الأكبر في هذا الفيلم، هو أحادية ردود الفعل من قبل الممثلين، وضعف أداء والدة ديما، خاصة وأن لها دورا كبيرا في الأحداث، ماساهم ذلك في زيف بعض المشاهد خاصة مشهد النهاية، حيث كان أداؤها مفتعلا بدرجة مضحكة بالرغم من مأساوية المشهد، وكذلك ديما الذي لم يبتسم أبدا طيلة الفيلم، رغم وجود بعض المشاهد المضحكة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى