الافتتاحية .. مئوية صلاح أبوسيف رائد الواقعية فى السينما المصرية
مائة عام تمر على ميلاد المخرج الكبير رائد الواقعية فى السينما المصرية صلاح أبوسيف (10 مايو 1915- 22 يونية 1996) أحد أهم المخرجين المصريين الذين عبروا بصدق وشفافية عن واقع المجتمع المصرى على مدى نصف قرن التحم خلاله بالناس وبالواقع، وامتلك رؤية نقدية له، وساهمت أفلامه فى تشكيل وعى أجيال عديدة أثرت فيها وتأثرت بها فى مصر وكافة الأقطار العربية، ومثلت تأريخا واقعيا للمجتمع، وتميزت بالتنوع والثراء والرؤية الثاقبة، والمتعة الفنية الراقية.
وفعلا لا يستطيع أحد أن ينسى أو يتجاهل أفلامه: «الزوجة الثانية، بداية ونهاية، القاهرة 30، السقا مات، الوسادة الخالية، الفتوة، شباب امرأة، لك يوم يا ظالم، الوحش، بين السما والأرض، أنا حرة، المواطن مصرى»، وغيرها من الأفلام، والتى قدم خلالها نماذج شديدة الانسانية بمعالجة صادقة فى التعبير عن الواقع، وهو ما أكده كبار نقاد السينما فى العالم ومنهم الناقد الفرنسى جورج سادول الذى أدهشه ما تحمله أفلام أبوسيف من إلحاح على التناقضات الاجتماعية الصارخة، ومشكلات الأوساط الشعبية مؤكدا أنه مخرج عالمى بكل المقاييس وأحد أهم عشرة مخرجين على مستوى العالم، وقد خلقت أفلامه تيارا لايقل أهمية عن تيار الواقعية الجديدة فى ايطاليا، فيما كتبت الناقدة الألمانية أريكا ريتشر: أنه أستاذ الواقعية فى مصر وأفلامه تعد بمثابة العمود الفقرى لهذا الاتجاه.
لقد استطاع أبو سيف أن ينهض بالسينما العربية إلى آفاق عالمية فكانت أول مشاركة مصرية فى مهرجان كان من خلال فيلمه «شباب امرأة» وظهرت بطلته تحية كاريوكا فى المهرجان وهى ترتدى «الملاية اللف» مثل شفاعات بطلة الفيلم فآثارت عاصفة من الاعجاب حولها.
اليوم ما أحوجنا الى صلاح أبوسيف ليعيد قراءة المجتمع المصرى من جديد ويحاول أن يفك طلاسم الشخصية المصرية والعربية التى صارت على النقيض وفقدت فى السنوات الأخيرة روح التسامح والمحبة والايثار، نفتقد صلاح أبو سيف، العين الناقدة التى كانت ترصد سلبيات المجتمع وتحاول أن تعالجها، فقد كان صاحب رؤية وموقف وطني، ولم يشوه مجتمعنا مثل مقاولى الهدم الذين ارتكبوا جرائمهم فى السينما المصرية تحت دعوى الواقعية.
نفتقد صلاح أبوسيف أحد النماذج العصامية التى صنعت نفسها بنفسها، فهو عامل النسيج ابن حى بولاق الشعبى الفقير الذى فقد والده فى سن مبكرة وعاش يتيما مع أمه التى ربته تربية صارمة، حصل على شهادة التجارة المتوسطة وتعلق بالأدب والموسيقى ووقع فى غرام السينما وتمسك بحلمه، وصار يقرأ بنهم شديد كل ما يتعلق بالثقافة، ودرس السينما فى فرنسا وكان فى كل حياته نموذجا للأخلاق والتواضع.
يستحق أبو سيف أن نحتفى بمئويته، طوال هذا العام رغم أنها ستكون تحديدا في شهر مايو المقبل، إلا أن تكريمه في مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية المقام حاليا دفعنا في «سينماتوغراف» إلى مواكبة الحدث وتقديم هذا الملف تكريما له ولاعماله، لأنه لا يمكننا القول إنه كان مخرجا فحسب بل يُعد صلاح أبوسيف مدرسة إخراجية متكاملة أرست لقواعد الواقعية في السينما المصرية حتى لقب عن جدارة بأبو الواقعية. «سينماتوغراف»