إضاءات

«البحر أمامكم».. لوحة لامتناهية في مواجهة الغربة داخل الوطن

الجونة ــ  خاص «سينماتوغراف»

يوم الأربعاء 20 أكتوبر الساعة 9:45 مساءً بتوقيت القاهرة في مركز الجونة للمؤتمرات والثقافة (فيستفال بلازا)، ويوم الخميس 21 أكتوبر الساعة 6:15 مساءً في (سي سينما 1)، يعرض الفيلم اللبناني «البحر أمامكم» للمخرج إيلي داغر، الذي ينافس به في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الخامسة من مهرجان الجونة السينمائي، وكان قد شهد عرضه العالمي الأول في الدورة الـ 74 من مهرجان كان السينمائي الدولي، ضمن برنامج نصف شهر المخرجين، وهو أول فيلم روائي طويل لمخرجه الذي سبق له الفوز بـالسعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير «موج 92»، ليكون أول عربي يحقق هذا الإنجاز.

تدور أحداث الفيلم حول الشابة «جنى»، وتؤدي دورها الممثلة منال عيسى، التي عادت إلى بلدها لبنان، بعدما سافرت من أجل تحصيل تعليمها في باريس. ويُشارك في البطولة كلّ من يارا أبو حيدر وربيع الزهر وفادي أبي سمرا وروجيه عازار، ويتطرق موضوعه إلى الأحداث التي يشهدها لبنان منذ زمن طويل وما يترتب عليها من فقدان الرؤية، كما يضيء على بعض الجوانب التي دفعت باللبنانيين إلى الهجرة خارج بلدهم هرباً من الواقع الأليم الذي جعل البعض الآخر من الذين بقوا في وطنهم يشعرون بالغربة عنه.

«جنى»، الفتاة الشابة التي عاشت جزءاً من حياتها في باريس، تعود فجأة إلى منزل ذويها (والدتها منى، يارا أبوحيدر، ووالدها وسام، ربيع الزهر) المتوسط الحال في بيروت، لتقرع الباب وتدخل وسط دهشة أبويها اللذين إستسلما لمزاجيتها التي لم تبتسم ولا مرة أمامهما، لكنها كانت سعيدة مع آدم (روجيه عازار) الصديق الحميم الذي يصبر على تلونها وصعوبة التفاهم معها بتلبية كل طلباتها، ومرافقتها إلى أي مكان تختاره في أي وقت، وعندما حاول مخالفة رغباتها أوقعته أرضاً وإنهالت عليه ضرباً حتى مات.

«جنى»، التي غادرت وحدها إلى باريس وعرفت أنواع الإحباط والفشل، لتعود وحدها إلى بيروت متعبة يائسة حالها لا تختلف عن حال ذويها اللذين يشتاقان لإبنهما في دبي، ويسايران الأجواء السلبية الميدانية في بيروت ريثما تُفرج، لنقع في فخ أسود يهيمن على المشهد، من دون أن يُفاجئنا مشهد قتل جنى لصديقها آدم بعدما رفض أن تتركه وتغادر، فعملت هي ومن دون تردد على جعله هو يغادر الدنيا، وتخرج هي في شوارع بيروت المعتمة بائسة تائهة لا تعرف إلى أين تمضي، تماماً كما والداها يعيشان حياة سطحية بعيداً عن ولديهما، وكما الخال (فادي أبي سمرا يحضر بفاعلية كضيف شرف)، في أجواء مرهقة لا توحي بأي تفاؤل، لنخرج بإنطباعات فنية إيجابية، لغة المخرج داغر السينمائية، وقوة حضور الممثلين في فيلمه.

استخدم إيلي داغر في «البحر أمامكم» أسلوباً تهيمن فيه الصورة على الحوار، لا مكان لتعبئة فراغات ولا عبارات غير منطقية تشتت الأحداث، كل شيء مدروس للتقدم بسرد المشاهد إلى الأمام، حيث نجد أنفسنا في خضم اكتئاب «جنى» من دون علم بماضيها أو مسبباته، لكن الأهم محاولاتها وعلاقتها مع أهلها، مع أم يتآكلها الشعور بالذنب، ووالد يهرب من المواجهة.

«عم جرب» هي شرارة الفيلم، عبارة قالتها «جنى» وهي تحاول عصر الليمون على كل شيء في حياتها، جملة من كلمتين تختصر رغبتها ببناء علاقة إنسانية مستحيلة مع البشر المقربين. لتدخلنا معها في صراع دائم مع الكل وحتى مع نفسها، لتعطي انطباعاً بأن مشكلتها تتخطّى الخصوصية، لتصبح مشكلة جيل بأكمله، هم في حالتها.

وهكذا تأخذنا الأحداث في خضمّ الخلافات العائلية وحفلات الزفاف ولمّ الشمل على طاولة العشاء وبعد سنوات من البعد، لنجد أن الضياع يهيمن على العائدة، وتقف عاجزة في حيرة أمام طريقة تفكير المحيط كاملاً من الأهل والأصدقاء وصولاً إلى المدينة بأكملها.

«البحر أمامكم» لوحة لامتناهية من الأحاسيس غير الملموسة وصعبة التفسير، فيلم مرهق في تفاصيله، أجاد المخرج التحكم فيه، وساعد بصورته في إنهاك عقول مشاهديه، ومع الصراعات التي لا نهاية لها، والتساؤلات التي يطرحها، يرمي إيلي داغر كرته في وجه المتفرج، لتكون النهاية بداية لحقبة جديدة مختلفة عما سبقتها ولا يريد جميع اللبنانيين إستعادتها أو العودة لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى