«البطريرك».. كلاسيكية تاماهوري تنتزع الإعجاب في برليناله
برلين ـ أحمد شوقي
بالرغم من أن مهرجان برلين السينمائي يمكن تصنيفه عموماً بأنه فعالية تبحث عن الأصوات الجديدة والأعمال المغايرة سينمائياً، إلا أن إدارة المهرجان تحافظ في كل عام على مساحة من التواجد للأعمال ذات السرد الكلاسيكي، لاسيما وإن كانت تجارب خاصة لا تندرج كلياً تحت مظلة السينما الهوليوودية. إلى هذه النوعية ينتمي فيلم «البطريرك The Patriarch» للمخرج النيوزيلاندي لي تاماهوري، والذي عُرض ضمن الأفلام المختارة رسمياً خارج المسابقة، ولاقى تفاعلاً كبيراً من حضور المهرجان والصحافة العالمية.
تاماهوري هو اسم معروف في السينما التجارية الهوليوودية، يذكر له جمهور أفلام الحركة أعمال مثل «XXX: State of the Union» و«Die Another Day» و«Next». لكنه قرر أن يعود إلى مسقط رأسه في نيوزيلاندا، ليقدم فيلماً من إنتاج نيوزيلاندي أسترالي مشترك، مأخوذاً عن سيرة ذاتية بعنوان «راكب الحيتان» كتبها ويتي إيهيمايرا عن حياته خلال الستينيات ضمن أسرة متطرفة من الماوري (السكان الأصليين لنيوزيلاند) تعيش على عداء دائم مع أسرة أخرى، يحاول الجيل الشاب تحطيم هذا العداء والتخلص من الديكتاتورية داخل العائلة.
كلاسيكية السرد وإثنية العناصر
السرد في الفيلم كلاسيكي بحت، حكاية من ثلاثة فصول تبدأ بالحياة الطبيعية التي يسيطر فيها الجد تاميهانا على عائلة ماهانا بشكل كامل، ويضع كل أفرادها في حالة عداء لا ينتهي بعائلة بواتا يصل لحد التنافس في حالات العزاء. قبل أن تبدأ ملامح التمرد تظهر على الحفيد سيميون ذي الأربعة عشر عاماً، ليتصاعد الأمر بحدوث ما يشبه الثورة داخل المنزل، ليتم طرد سيميون وأسرته من جنة الجد، ليشقوا طريقهم بعيداً عنه، حتى يصل الجميع في النهاية إلى تصالح مع الآخر ومع الماضي الذي كان سبباً في هذا العداء.
الحكاية السابقة يمكن لأي مشاهد خبير في الأفلام الأمريكية أن يتوقع مسارها من الدقائق الأولى للفيلم، الذي لا يحاول أخذ أي منحى مفاجئ أو انقلاب غير متوقع، بل يسير بالقصة في الطريق الطبيعي، ولكن مع تطعيمها بعنصر خلق تميزها هو الطزاجة الإثنية، بسيطرة عناصر ثقافة الماوري على شريطي الصوت والصورة. لغة الماوري مستخدمة طيلة الوقت بالتبادل مع الإنجليزية، الاحتفالات الخاصة وطريقة التعبير عن المشاعر وغيرها من التفاصيل الذي تخلق للفيلم عالماً خاصاً. (يمكن لمن يريد تصور طريقة تعبير الماوري أن يراجع أحد الفيديوهات المشهورة لمنتخب نيوزيلاندا للرجبي، المشهور عالمياً باستخدامه صيحات الهاكا القتالية قبل كل مباراة كنوع من التحميس وإخافة المنافسين).
أدوات محكمة وتيمة متكررة
لي تاماهوري الآت من هوليوود لا يتنازل على مستوى استخدام أدواته باحترافية كاملة. التمثيل إجمالاً نقطة قوة في الفيلم خاصة الممثل الشاب أكوهاتا كيفي في دور الحفيد والمخضرم تيمويرا موريسون في دور الجد، وكلاهما نيوزيلاندي من أصول ماورية، تمكن المخرج من جعلهما قطبيّ صراع أجيال بين الجمود والانفتاح، يذكرنا بفيلم آخر في المسابقة هو التونسي «نحبك هادي» لمحمد بن عطية، الذي يحاول بطله الشاب هو الآخر التخلص من سيطرة والدته على حياته، وإن كان سيميون بالطبع أكثر جرأة وسعة حيلة بصورة كفلت له في النهاية أن يكون وريث الزعامة في العائلة متخطياً جيل والده.
المشكلة الأبرز في السيناريو ـ وربما المنحنى الدرامي الوحيد غير المتوقع ـ هو اكتشاف الجريمة التي ارتكبها الجد في الماضي، والتي كانت سبباً في العداء بين عائلي ماهانا وبواتا. من الطبيعي أن يكون الجد هو سبب العداوة طبقاً لمنطق الفيلم، لكن ليس من الطبيعي أن تكون الفعلة مشينة للدرجة التي قدمها الفيلم، وبصورة تجعل التصالح مع هذا الماضي في النهاية يفتقد للكثير من المنطق، حتى لو كان تصالحاً مصدره الجيل الثالث للعائلتين.
وفي النهاية
«البطريرك» تجربة خاصة. كان من الممكن أن يكون فيلماً تجارياً صرفاً لو درات نفس أحداثه في الولايات المتحدة مثلاً، لكن العنصر الإثني وما ترتب عليه من موقع التصوير واختيار الممثلين، جعله تجربة تحمل بعض الطزاجة، استحقت التواجد ضمن البرنامج الرسمي لبرليناله 66.