الجزائري سالم ابراهيمي يبوح لـ «سينماتوغراف» بأسرار «الليالي السود»
«الإسكندرية» ـ انتصار درير
في اطار تكريم مهرجان الاسكندرية السينمائي في دورته الـ32 للمنتجة الفرنسية ميشيل جافراس زوجة المخرج الكبير كوستا جافراس لموقفها الداعم للقضايا العربية ولأفلام المخرجين العرب في باريس، ورغم عدم حضور ميشيل الا انها اختارت فيلمين شاركت في انتاجها لعرضهما بالمهرجان هما “في سني لازلت اختبئ لأدخن” للمخرحة ريحانة، و”حكاية الليالي السود” للمخرج سالم ابراهيمي، لكن لم يتم عرض الفيلمين لأسباب تقنية في النسخ التي جاءت للمهرجان، ومن حسن حظي انني شاهدت فيلم “حكاية الليالي السود” خلال مشاركته في مهرجان دبي الماضي، وهو احد الافلام المهمة التي تتناول فترة العشرية السوداء التي عاشها الشعب الجزائري خلال تسعينات القرن الماضي، وراح ضحيتها نحو 200 الف من الابرياء بعد ارتكاب جبهة الانقاذ الاسلامي مذابح جماعية ونسرت القتل وسفك الدماء والقت بجثث القتلي في الشوارع والطرقات، وكان لحضور المخرج سالم ابراهيمي مع فيلمه فرصة للالتقاء به والحديث حول فيلمه الذي سيبدأ عرضه الشهر المقبل في الجزائر، بعد ان شارك في عدة مهرجانات منها مونبلييه وبيساك بفرنسا وتورنتو بكندا وسالونيك باليونان ولندن ودبي وامريكا.
كيف تري مرحلة عرض فيلمك في الجزائر وسط الجمهور الذي صنع العمل من اجله؟
ـ اترقب ذلك باهتمام شديد، واتطلع لأن يتفاعل الجمهور الجزائري مع الفيلم، وقد صورت الفيلم كاملا في الجزائر بفنانين وفنيين من بلادي لأن القضية هي جزائرية بالأساس لكن الارهاب صار يهدد دولا عديدة لذا لاقي الفيلم قبولا واهتماما في كل المهرجانات التي شارك بهاً، وتصوير فيلمي في الجزائر اعطى مصداقية لاشك، وكان الجمهور متعاونا معنا وبعضهم حين عرف بما يطرحه الفيلم اعطونا نصائح مهمة افادتنا.
في كلمتك ليلة الافتتاح اشدت بالمنتجة ميشيل جافراس، فكيف كانت تجربتك معها؟
ـ هي افضل منتج ممكن ان يتعامل معه المخرج وقد منحتني فرصة كاملة لصنع فيلمي وهي ترتبط بعلاقة ود ومحبة مع الجزائر وزوجها المخرج كوستا جافراس صور فيلمه “زد” بالجزائر
في مصر وكثير من العالم العربي ينظرون للتمويل الغربي للأفلام بكثير من الشك وقد اتهم مرارا المخرج يوسف شاهين في ذلك، كيف تري هذا الامر؟
ـ في عالمنا العربي هناك مشاكل تخص التمويل والمال، ودائما يسألون من اين جئت بالتمويل حتي لو كان من داخل البلد، وعن نفسي لم اجد اي مشكلة في طرح رؤيتي كما اردتها وميشيل منحتني الحرية الكاملة في تنفيذه.
الفيلم مأخوذ عن رواية أرزقي ملال “دعهم يعودون” الي اي حد التزمت بوجهة نظر المؤلف خاصة وقد شاركت بنفسك في كتابة السيناريو؟
ـ شاركت انا وارزقي ملال في كتابة السيناريو والحوار، وقد اردنا تكريم شجاعة الشعب الجزائري الذي تصدي للارهاب وجاء السيناريو مختلفا عن الكتاب، واستفدت بتجربة المؤلف الذي عاش تفاصيل احداث العشرية السوداء الذي كتب معالجة ذكية، ولم يكن غيره ليقدمها بنفس الكفاءة
هل واجهت صعوبات في التصوير؟
ـ كل الأفلام تواجه مشاكل في تصويرها، واري ان اكبر صعوبات الفيلم كانت نفسها اكبر قوة دافعة له، فقد اردنا اعادة احياء السينما في الأماكن التي وقعت فيها الاحداث ووجدت تعاونا كبيرا من الاهالي.
في فيلمك تحذير واضح وصريح من مخاوف عودة الارهاب، فهل يمثل ذلك هاجس لديك؟
ـ لا أحد يستطيع ان يقول اننا تخلصنا من الارهاب او اننا في حالة سلم فهناك حدود لنا مع ليبيا وتونس ومالي وهي حدود ساخنة، الخطر يظل قائما في ظل الارهاب الذي ينتشر ولا احد يتوقع من اين يأتي.
وهل وجدت توزيعا مناسبا لعرض الفيلم في فرنسا؟
ـ هناك صعوبات في التوزيع بفرنسا واوروبا عموما ترجع في رأيي لثلاثة اسباب الاول ان سوق التوزيع صعب علي كافة الافلام، والثاني ان الكلام عن الارهاب في السينما يثير مخاوف شركات التوزيع، والثالث ان الانتاج الفرنسي الجزائري يثير قلق الموزعين.
كيف تم اختيارك للممثلين، وبعضهم من الوجوه الجديدة؟
ـ اخترت كاتب امازيغ وهو مغني شهير في الجزائر وهذا هو فيلمه الاول كممثل بينما رشيدة براكلي لديها خبرات كبيرة في التمثيل، وفريق العمل كان مزيجا بين ممثلين كبار وجدد مما اعطي مزيجا مختلفا للفيلم وبشكل عام فانهم منحوني جميعا ماكنت اتمناه.
ماهي اهم اعمالك التي تعتز بها؟
ـ عملت منتجا ومخرجا لأفلام وثائقية منها فيلم الامير عبد القادر وكنت منتجا لفيلم الكولونيل الفرنسي ورغم دراستي للبيزنس فقد كنت عاشقا للسينا واتطلع دوما للعمل بها منذ نزوحي الي فرنسا قبل عشرين عاما وقضيت وقتا في عمل دراسات عنها حتي اتيح لي ان اقدم افكاري ورؤيتي واعبر عن عشقي لها وايماني بدورها.
«حكاية الليالي السود».. عندما تتحول حياة الناس إلى جحيم في رمشة عين
“حكاية الليالي السود” فيلم من خمس وتسعين دقيقة للمخرج الجزائري سالم الإبراهيمي، يعتبر أول فيلم روائي طويل له، بعد أن سبق له إنتاج فيلمين وثائقيين هما “إفريقيا تعود” و”عبد القادر”، وتم إنتاج هذا الفيلم بشراكة مع المنتج الفرنسي كوستا جافراس أحد رواد السينما السياسية في العالم. سيناريو الفيلم مقتبس من رواية “دعهم يعودون” للكاتب الجزائري أرزقي ملال، وقد أسند الدور الرئيسي للفنان الجزائري كاتب أمازيغ، بالتشارك مع الممثلة الكوميدية الفرنسية ذات الأصول الجزائرية رشيدة براكني، ومشاركة الفنانة فريدة صابونجي.
الفيلم دراما واقعية بسيطة، عودة إلى تلك العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، وكيف تؤثر الفوضى السياسية على كل مناحي الحياة، حيث يحلل مخرج الفيلم ظاهرة الإرهاب المرتبطة بالتطرف الديني، عائدًا إلى نهاية الثمانينيات، والأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمعسكر الاشتراكي في كل أنحاء العالم، ثم يعرج إلى ما حدث بعد إيقاف المسار الانتخابي عام 1992، ونزول مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الشارع، مطالبين بحقهم الشرعي بعد فوز الحزب في الانتخابات، وتحولهم إلى قوى جهادية تخوض حربًا دموية ضد الجيش. غياب التعقل آنذاك في كلا الصفين أودى بالجزائر إلى موجة عنف حمراء دامت لأكثر من عشر سنوات، وكانت ضريبتها مائتي ألف شهيد.
ويقدم سالم الإبراهيمي كل هذا في قصة “ياسمين ونور الدين”، وهما شابان أتما زواجهما قبل أسبوع من بداية أعمال العنف، كان نور الدين موظفًا حكوميًا، مثقفًا وصاحب أفكار يسارية، تهجره حبيبته في بداية الفيلم إلى فرنسا هربًا من طوفان الإرهاب القادم، فيستجيب لاختيار أمه في الزواج من إحدى القريبات. وكان التعايش بينهما صعبًا في البداية، لكن سرعان ما تحسنت الأمور وأنجبا طفلًا، لكن موجة الإرهاب حولت حياتهما إلى جحيم، خاصة أن الإرهابيين كانوا يهددون نور الدين يوميًا، فهو كافر في نظرهم. كما كان من الصعب على ياسمين العيش في ذلك الحي القريب من الجبل، فهربت بابنها خوفًا، إلا أن نور الدين عثر عليها بعد بحث طويل، وأقنعها بالانتقال إلى مكان آمن خارج المدينة، ويعودان لبعضهما وينجبان طفلة.
وظف المخرج صورًا تعبيرية لوصف الحالة المتردية للجزائر في خضم تلك الأزمة، أبرزها حين يخرج نور الدين بسيارته مع ابنه المريض، فيجد كل الطرق مغلقة أثناء صلاة الجمعة، وصورة تلك المرأة المنتقبة التي تجوب العمارات والشقق، لتدعو البنات لارتداء الحجاب، وذلك الإمام الذي يصرخ “مكان المرأة من دار بيتها لدار زوجها ثم القبر”، وصورة أخرى للسياسي الذي يخاطب شباب الحي “الانتخابات القادمة، طريقنا لإرساء دولة إسلامية وبعدها لن نشهد أي انتخابات”.
وتمضي حياة العائلة وسط أخبار الموت التي تتناقلها الصحف والمحطات على قلتها آنذاك، إلى أن يصل الفيلم إلى ذروته، حين تتعطل سيارة نور الدين ليلًا وهو مع ابنته، ليبحث عن أقرب محل كي يتصل بالهاتف، وهناك يجد جثثًا مرمية على الأرض، يخفي ابنته بين ذراعيه كي لا تصدم من هول المشهد، تقف أمامه جماعة من الارهابيين، وهو يحضن ابنته المريضة حتى تختنق، فيقول أمير تلك الجماعة “لا تقتلوه، دعوه يروي للجميع ما شاهده ليعلموا ثمن نصرة الباطل”.
“رسالة الفيلم تتجاوز سرد الأحداث التي رافقت تلك المرحلة الصعبة التي عاشتها الجزائر، الهدف من الفيلم هو أن يفهم الناس كيف ينشأ التطرف الفكري الذي يصبح إرهابًا بعد ذلك، وكيف يؤثر ذلك على مشاعر الناس، وكيف تتشتت الأسر وتتحول حياة الناس إلى جحيم في رمشة عين”، هذا ما صرح به المخرج سالم الإبراهيمي، والذي كان “حكاية الليالي السود” أحد مفاجآته السارة.
وتعتبر حقبة العشرية السوداء موضوعًا حساسًا توضع تحته علامة الصمت، ولا يرغب الكثيرون في إثارته في أعمال سينمائية أو روائية، رغم أن الواقع يثبت أن الجزائريين لم ينسوا سقوط آلاف الضحايا، ففي السنوات الأخيرة أنتجت الكثير من الأعمال التي تتناول هذا الموضوع، نذكر من بينها “التائب” و”عطور الجزائر” و”رشيدة” و”بركات”.. هذه الأعمال ليست دعوة لفتح الجراح، وإنما رؤية فنية لما حدث، ورسائل سياسية للجيل القادم من أجل أن يتفادى نفس السيناريو، خاصة مع عودة ظاهرة الإرهاب بصبغتها العالمية.