السينما المصرية بين الذهب والخردة
أعجبني جدا ما قالته الفنانة لبنى عبد العزيز التي تم اختيارها كرئيس شرف الدورة الرابعة من مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية، الذي اختتم مؤخرا.
فقد وصفت الفنانة الكبيرة حال السينما المصرية بكلمات بسيطة موجزة حين قالت «إن صناعة السينما المصرية الآن تحتاج للإنتاج المتميز، الذي هو أحد أهم الأعمدة لقيام أى عمل فنى»، مضيفة «أن السينما المصرية منذ بداية انتعاشها وقيامها عام 1929، قامت على خمسة أعمدة وهى الإنتاج والكتابة والتصوير والإخراج والتمثيل».
وقد وضعت الإنتاج، فى المرتبة الأولى، لأنه الأهم، والأساس لقيام أى عمل فنى متميز، من وجهة نظرها.
وأشارت إلى أن الساحة السينمائية المصرية حاليا، تحتاج لمنتجين فنانين يتميزون بحس فنى، وليس منتجين «تجارا» يهتمون بالربح فقط، موضحة أن المنتج حينما تكون لديه رؤية فنية، يستعين بنص جيد، ومخرج متمكن من أدواته، حتى يقدم عملا فنيا جيدا يستمر مع التاريخ، وليس تجاريا، يحقق إيرادات وقتية فقط، وينساه الجمهور، بمجرد الخروج من السينمات، على عكس أفلام زمن الفن الجميل، والتى ينتظرها الجمهور ويتذكرها حتى الآن.
ولم يكن من المستغرب أن تقول لبنى عبدالعزيز هذه الكلمات وهي التي عاشت عصرا ذهبيا للسينما، وقدمت خلاله مسيرتها عددا من أمتع الأفلام التي تعد علامة فارقة في تاريخها، بل إنها دخلت السينما بعد أن اكتشفها أشهر منتج مصري وهو رمسيس نجيب وقدمها في فيلم «الوسادة الخالية» عام 1957 أمام العنديب الأسمر عبدالحليم حافظ”، ثم تزوجها رمسيس نجيب بعد ذلك بعد أن اشهر إسلامه لتتوالى أفلامها ويبلغ عدها 18 فيلما من اهمها «وا إسلاماه»، و”«غرام الأسياد»، و«آه من حواء»، و«عروس النيل».
وقد أصابت لبنى عبدالعزيز كبد الحقيقة. فالمتابع للسينما المصرية يكتشف بكل وضوح أن ما اصابها من ردة وانهيار بالفعل تم بسبب الدخلاء عليها من تجار الخيش والخردة وحتى اللحوم، فبعد أن اسحب معظم المنتجين الجادين المحبين والملمين الماما كاملا بصناعة السينما وأدواتها، حل محلهم المنتجين الجدد الذين يمولون فقط أفلاما رديئة غير مكلفة تتناسب مع فكرهم وتضمن لهم الربح السريع ليساهموا عن كامل وعي في هدم مسيرة طويلة مشرفة صنعها رجال عظام.
ولم يبق إلا أن يدخلها كبار جامع القمامة لتكتمل المنظومة التي هدمت تاريخا مضيئا صنعه فنانون وفنانات والعديد من محبي السينما على مدار سنوات قدموا خلالها روائع لاتزال باقية وستظل كذلك، عكس ما نراه الآن مع الموجة الجديدة من المنتجين الذين لا يكادون يفقهون ما هي السينما وما هي الشروط الواجب توافرها لتقديم عمل جيد وكل همهم الربح اللا محدود، للدرجة التي صرح فيها المنتج الأوحد، محمد السبكي، بأن فيلم “حلاوة روح” من أهم 100 فيلم في السينما المصرية، وبأنه يعتز بهذا الفيلم وبإنتاجه له.
وكنت قد شاهدت الفيلم حين عرض قبل منعه من قبل رئيس الوزراء المصري، ولم أر أنه فعلا «فيلم» بالطبع إذا ما قارنته بسلسلة طويلة من الأفلام التي أمتعتنا طوال سنوات، وايضا إذا ما قارنته بأي من المائة فيلم الأفضل في تاريخ السينما المصرية.
فهذه الأفلام المائة صنعها رواد تنبهوا لأهمية الفن الجديد “السينما” من بداياتها الأولى وشرعوا في تهيئة الأجواء له لينضج وينمو ويقدم للجمهور المصري والعربي ما يرضيهم ويرتقي بوجدانهم في الوقت ذاته.
فأين المنتجون الجدد من الدخلاء على السينما المصرية الذين لا يقدمون سوى الرقص والعنف والجنس، من هؤلاء المنتجين الذين حفروا أسماءهم بحروف من نور على الشاشة البيضاء، رجالا ونساء.
وتطول القائمة لتضم أسماء مثل عزيزة أمير وفاطمة رشدي وماري كويني، والرائعة آسيا التي قدمت للسينما فيلم ” الناصر صلاح الدين” وخسرت جراء ذلك أموالا طائلة لإصرارها على أن يخرج الفيلم في صورة مشرفة.
وتوالت الأسماء بدءا من طلت حرب الذي أسس شركة مصر للسينما التي أنشأت ستوديو مصر وأنتجت العديد من الأفلام التي وضعت بصمتها على السينما المصرية، ومن جاء من بعدهم عدد من الفنانين الذين عشقوا السينما وأخلصوا لها أمثال يوسف وهبي وأنور وجدي وفريد شوقي ونور الشريف وماجدة، ويوسف شاهين ووحيد حامد، وقد أنتجوا جميعهم أفلاما لا تنسى.
وأيضا رمسيس نجيب أهم منتج في تاريخ السينما المصرية ومكتشف العديد من النجوم والنجمات، والذي أنتج أفلاما فارقة مثل «وا إسلاماه»، و«الخيط الرفيع»، و«العذاب فوق شفاة تبتسم»، ثم رأفت الميهي الذي أنتج أفلام «الأفوكاتو»، و”سيداتي أنساتي»، و«يا دنيا يا غرامي»، وحسن رمزي وجرجس فوزي وأخيرا الاخوان العدل وغيرهم.
لقد كانوا ينظرون إلى السينما على أنها رسالة، ومهمة تفوق غيرها ولم يبخلوا بالصرف على أفلامهم ولم يضعوا نصب أعينهم الربح فقط، بل رضوا بالقليل من أجل عيون معشوقتهم.
فلو راجعنا قائمة المنتجين العظماء لصادفنا اسم منير رفلة الذي قدم «الحرام» لسيدة الشاشة فاتن حمامة عام 1965، وجمال الليثي منتج فيلم «القاهرة 30» لسعاد حسني وحمدي أحمد عام 1966، وصلاح ذوالفقار الذي أنتج فيلم «مراتي مدير عام» الذي مثله مع شادية عام 1966، وأنتج فيلم «أريد حلا”» لفاتن حمامة عام 1975، وعبد السلام موسى منتج فيلم “«ليل وقضبان”» لمحمود مرسي وسميرة أحمد ومحود ياسين عام 1973، وصبحي إمام منتج فيلم «سواق الأتوبيس» لنور الشريف عام 1983، وماجد موافي منتج فيلم «خرج ولم يعد» ليحيى الفخراني وليلى علوي وفريد شوقي عام 1985.
وتطول القائمة لدرجة لا نستطيع معها حصر العظماء الذين أمتعونا، ولايزالون بأفلام لا نمل مشاهدتها حرصوا على أن تعبر عن واقع وقيم لا يختلف عليها اثنان، لا أن تكون مجالا للسخرية والتشاحن واختلاف الرأي، ومثيرة للشهوات وهادمة للقيم والأخلاق.
أما مع المنتجين الجدد، فلم نشاهد إلا أفلام النجم الواحد والتي لا قيمة لها والتي قادها محمد سعد، ومن بعده محمد رمضان، وسعد الصغير وجملة راقصات ومطربات الدرجة الثالثة. حتى الأسماء التي اختاروها لهذه الأعمال تنم بدورها عن تدنِ وقصر نظر مثل «اللمبي»، «اللي بالي بالك»، و«كتكوت»، «المواطن برص»، «النبطشي»، «عبده موته» وغيرها من الأسماء التي تنم عن ضحالة واستخفاف بعقلية المشاهدين الذين، وللأسف، تنساق أعداد كبيرة منهم، لاسيما من صغار السن، وراء الموجة الجديدة المعبرة عن واقعهم المليء بالمتناقضات والنواقص.