أحداث و تقارير

السينما لفاقدى البصر أيضا

انتصار دردير

بقلم: انتصار دردير

لم تكن تجربة عادية أن أشاهد فيلما سينمائيا وسط عشرات المكفوفين من مختلف الأعمار، أطفال وفتيات ورجال كبار بعضهم جاء للمرة الأولى الى السينما ليتابعوا ما يجرى على الشاشة الكبيرة من تفاصيل مهمة تصنع المشهد الواحد، كحركة الممثلين وتعبيرات الوجه ولغة الجسد والمناظر والملابس التى بدون معرفتها لا يكتمل فهم الفيلم السينمائى، كانوا يتابعون كل تلك التفاصيل وغيرها من خلال تقنية «الوصف السمعى البصرى»، والتي تعد وصفا لفظيا للمشاهد والوقفات والمقاطع المرئية الثابتة أو المتحركة، التي هي خارج نطاق التعليق أو الوصف في الأفلام، دون أن يؤثر ذلك على محتوى النص الأصلي، إذ يشمل الوصف تقاسيم الوجه والإضاءة والألوان وبيئة الحدث، بكلمات أو جمل مختصرة تصل عبر أجهزة استقبال وإرسال خاصة، وأضحت هذه التقنية متداولة بشكل مطرد عالميا لإتاحة الأفلام والبرامج والأوبرا والعروض المسرحية والمعارض لفاقدى البصر.

والوصف هو فى الأساس سرد اضافى يشرح التفاصيل بما يوضح المشهد للكفيف، دون حاجته للاعتماد على آخرين، وبالتالي يتمكن عشرات من مرتادي دور السينما المعاقين بصريا من التعرف على شكل الممثلين وأوصاف مشاهد الفيلم.

وفى كل دول العالم المتقدم يستطيع ذوى الاحتياجات الخاصة من فاقدى البصر وغيرهم الذهاب لدور السينما أو المعارض والأوبرا مع الجمهور العادى، ويستطيع عن طريق هذه السماعة الخاصة متابعة العمل الفنى، بل إن بعض شركات الانتاج تحرص على تقديم نسخة «دى فى دى» للمكفوفين وأخرى للصم والبكم، وهذا طموح للأسف لايزال بعيدا عن سقف ثقافتنا وادراكنا بضرورة التعامل مع المعاقين.

ومن خلال خطوه هامه في هذا المجال، تعكس ايمان القائمين على التجربة بأهمية الفنون والسينما بشكل خاص فى التنمية، قامت سينما «زاوية» بالاشتراك مع مصرية ميديا بمبادرة جديدة لادماج فاقدى البصر فى المجتمع، وأهمية تقديم السينما لذوى الاحتياجات الخاصة التى تساعدهم على الاستمتاع بالفن السينمائى، وقد أخذت المنتجة والمخرجة ماريان خورى ابنة شقيقة المخرج الكبير يوسف شاهين على اتاحة السينما لفاقدى البصر وعملت عليها منذ اكثر من عام، فقدمت فيلم «الناصر صلاح الدين» بتقنية الوصف السمعى البصرى، كما عرضت منذ أيام قليله فيلم الرسوم المتحركة «فندق ترانسلفانيا 2»، وقد أجرت مصرية ميديا استفتاءا بين الجمهور المستهدف للتعرف على رأيه فى التجربة، والتي رأوا فيها فتحا جديدا لمتابعة الأفلام وتمنوا أن يجرى تعميمها على كافة الأفلام الجديدة فى دور السينما.

ورغم أن تقنية الوصف السمعي البصري لازالت في تجاربها الأولى عندنا، لكن العرض الأول لها تم لأول مرة من خلال فعاليات مهرجان القاهرة الدولى لسينما الأطفال فى دورته الماضية التى حرصت خلالها سهير عبد القادر رئيس المهرجان باتاحة هذه التقنية التى ابتكرتها د.ايلينا دى جيفانى الاستاذة بجامعة ماسيراتا الايطالية، ما ساهم في مساعدة فاقدي البصر مشاهدة الفيلم بآذانهم بدلاً عن أعينهم.

وتعتبر قضية المكفوفين من أهم المشكلات الاجتماعية التي يواجهها العالم اليوم خاصة في بلدان العالم الثالث التي يعيش فيها أكثر نسبة من معاقي العالم والبالغ عددهم في مصر مثلا حوالي 3 مليون نسمة بحسب إحصائيات المجلس القومي لشؤون الإعاقة، ورغم ضخامة رقم الذين يعانون من هذه المشكلة إلا أن الوقائع تشير إلى معاناة هذه الشريحه الكبيرة وحرمانها من كل حقوقها وتعرضها للتمييز والتهميش، فهل يمكن تعميم هذه التجربة في جميع محافظات مصر، في إطار خطوات جاده للاهتمام بفئة المعاقين، أتمنى ذلك بل أتوقعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى