بلاتوهات

** السينما والناس (3) علاء المنذر: الأفلام مرآة تعكس هموم الناس وأحلامهم

«سينماتوغراف» ــ أسامة عسل

كلما غاص العمل السينمائي في أعماق الواقع وأغوار النفس الإنسانية بجرأة ازدادت قدرته على التأثير في مشاهديه، وكلما أثار الرغبة في التفكير والتأمل بقى في الذاكرة وكتب لنفسه شهادة البقاء، وتبدو جرأة العمل السينمائي في ظهوره رغم معوقات إنتاجه وفي قدرته على الطرح والكشف عن مشكلات المجتمع دون خوف أو تزييف، وفي أن يشعر المشاهد بأنه يرى نفسه على الشاشة وأنه يرى حياته من خلال الآخرين أو من خلال الفيلم.

اليوم نلتقي مع ضيف يلقي الضوء أكثر على هذا الجانب من خلال الأعمال التي يتناولها، ويأخذنا في رحلة يكشف من خلالها انطباعاته عن السينما والناس.

علاء المنذر، مذيع تلفزيوني (عراقي الجنسية)، بدأ رحلته مع السينما منذ الصغر من خلال خاله الذي علمه الذهاب إلي دور العرض لمشاهدة الأفلام فسبقه إليها وأدمن التوغل في عالمها بأعمال من شتى بقاع العالم.

علاء المنذر 2

تكونت ذائقته السينمائية في مرحلة الجامعة وساعده ذلك على اقتحام المجال الإعلامي المكتوب، ودعمه أيضا في إعداد وتقديم البرامج المتخصصة على فضائيات “الحرة، إنفينتي، وصانعوا القرار” حيث طرح من خلالها قضايا مثل الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على سينما هوليوود، أو أنفلونزا الخنازير وما صنعته في أحد الموسم الصيفية للسينما المصرية، هذا بخلاف التقارير من صالات السينما والتي جعلته على دراية بتوجهات الجمهور العربي وخصوصا العراقي.

هو عاشق للسينما العراقية، لا يخفى موقفة من الأفلام الأميركية المنحازة في الحرب على العراق، تستهويه الصورة أكثر من الفكرة، يرفض المؤثرات والخدع لأنه يراها تضحك على العقل.

في لقاء مع علاء المنذر وقفات استعاد من خلالها ذكرياته عن الأفلام وكيفية مشاهدتها.

القاهرة بغداد

1ـ تاريخ طويل

(السينما لغة الشعوب، وهي مرآة حقيقية عن واقع الناس وهمومهم وأزماتهم وكذلك أحلامهم، والسينما العراقية لها تاريخ طويل وإرث واكب ظهور الفن السابع في المنطقة، ورغم عثراتها تحاول النهوض والاستمرار).

ـ بداية لخص من خلالها علاء المنذر حال السينما العراقية، وفي إيجاز  حاول تسليط الضوء على أهم العلامات في مشوارها الطويل، مؤكدا أنه في مرحلة مبكرة واكبت البدايات الأولى لصناعة الأفلام في مصر، بدأت دور السينما تزداد تدريجيا في العراق وقامت بعرض الأفلام المصرية، وظهر أول تعاون على المستوى العربي في مجال السينما حينما عرض الفيلم العراقي المصري “القاهرة ـ بغداد” ولم يكن هذا التعاون على مستوى الحكومات، إنما أعتمد على الفنانين من كلا البلدين، وصورت مناظره بين القاهرة وبغداد ومثل فيه من العراق عفيفة اسكندر وحقي الشبكي ومن مصر مديحه يسري وقام بإخراجه أحمد بدرخان، وبعد هذه الخطوة الفنية أسّس أستوديو صغير في بغداد أنتج على التوالي فيلمين عراقيين أولهما “عليا وعصام” الذي يعتبر البداية الحقيقة لوجود السينما العراقية.

فيلم القادسية
فيلم القادسية

يسترسل “المنذر” قائلا: في بداية الستينات بدأ القطاع العام بتأسيس مصلحة السينما التي منحت سلطات واسعة، وأخذت على عاتقها تنشيط الحياة السينمائية بتوفير الظروف الملائمة لرفع مستواها، وأنتجت العديد من الأعمال أشهرها الفيلمان الطويلان “تلفزيون الجيران” و “الجابي”، ثم بدأت تتوالى الأفلام السينمائية منها في السبعينات “الظامئون”، “بيوت في ذلك الزقاق”، “يوم آخر”، و”القناص”، وفي الثمانينات “الأيام الطويلة” للمخرج المصري توفيق صالح، و”القادسية” للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، و”المهمة مستمرة” لمحمد شكري جميل، و”فائق يتزوج” لإبراهيم عبد الجليل، ورغم فترة التسعينات وما صاحبها من معوقات الحروب إلا أن صناعة السينما استمرت وظهرت أعمال مثل: “المرأة العراقية صوت من المنفى” لميسون الباجه جي، و”حياة ساكنة” لقتيبه الجنابي، و”الخرساء” لسمير زيدان، ومع ازدياد الحصار وما أفرزته الحروب الأخيرة من دمار وويلات، توالت المحاولات السينمائية من داخل وخارج العراق وشاهدنا منها، “العودة إلي بابل” و”فجر العالم” لعباس فاضل، “إرادة الحياة” لحيدر العسكري، “قطع غيار” لجمال أمين، ومؤخرا “أحلام” وأبن بابل” لمحمد الدراجي، و”ضربة بداية” للمخرج شوكت أمين الفائز بالجائزة الأولى في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الأخيرة لمهرجان الخليج السينمائي.

فيلم ابن بابل
فيلم ابن بابل

2ـ جهود فردية

(حصدت السينما العراقية من الجوائز خلال الأعوام الأخيرة ما يقارب مجمل الجوائز التي حصلت عليها منذ تأسيسها، وهذا يعني أن هناك رغبه مؤكدة من قبل السينمائيين لإحياء قطاع إبداعي عانى ولا يزال من ظروف قاسية).

وجهة نظر أظهر من خلالها علاء المنذر حزنه على صناعة الأفلام في العراق متمنيا لها العودة والانتعاش، مؤكدا أن الجهود الفردية الذاتية هي التي تسهم حاليا في الدعاية والترويج لوجود هذا الفن الذي تعاني دور العرض السينمائية له داخل العراق من أضرار ودمار نتيجة للظروف السياسية والحروب والأزمات، ورغم ذلك لا يستطيع أحد أن ينكر الأفلام التي ظهرت في الفترات الأخيرة ومثلت قفزة تسجل لتاريخ السينما العراقية وتؤسس لقاعدة فنية عريضة تعتمد الحرية في التعبير بعيداً عن مؤسسة الدولة ورقابة سلطة بعينها، ومن الأفلام التي حازت على الجوائز نذكر منها: “جلجامش” إخراج طارق هاشم، “حياة بعد السقوط ” إخراج قاسم عبد، و”عابرو وادي الرمان” للمخرج أشكان أحمدي.

صالات السينما قديما في العراق
صالات السينما قديما في العراق

3ـ صالات السينما

(السينما حرفة وصنعة بقدر ما هي فن قائم بذاته، إذ يحتاج إلى جهود ومفاهيم تواكب العصر لتتمكن من انجاز أفضل النتائج وكأية صنعة تحتاج السينما إلى بنيه تحتية لتقوم وتزدهر وعلى رأس أولوياتها دور العرض).

عكس علاء المنذر من خلال تلك الكلمات واقع الشارع العراقي، مشيرا إلي أن الجمهور في العراق من أكثر الشعوب حبا ومتابعة للسينما، وكان يمثل الذهاب إلي صالة السينما بالنسبة للعائلات يوما مليئا بالفرحة والمتعة، فالأسر كانت فيما مضى هي التي تقبل على مشاهدة الأفلام أكثر من الأفراد والشباب، ويقول متذكرا: كانت صالات السينما قديما ضخمة تتكون من 3 طوابق، وعروضها في الأغلب كاملة العدد، ومن طقوس المشاهدة أنني كنت في طفولتي أرافق الأسرة في الذهاب للفرجة على الأفلام وكان هذا اليوم أشبه بالعيد فالجميع يرتدي أجمل وأفضل الثياب، ثم اقتربت من خالي الذي كان عاشقا للسينما أيضا، وهو الذي أثر وشكل ثقافتي السينمائية الأولى من خلال اختياراته لأفلام (الأكشن والمطاردات) وأفلام “جيمس بوند” التي يواظب على مشاهدها، ونقل إلي هذه العادة التي دفعتني إلي التعرف على نوعيات أخرى فبدأت أقترب من الأفلام الفرنسية ونجومها صوفي مارسو وآلان ديلون، كما تعرفت على موجة الواقعية للأفلام الايطالية وشاهدت منها فيلم (مفترسو النساء) تمثيل سلفانا بامبا نيني، و(سامحيني) لران فالوك وأنطونيلا لوالدي، وفيلم (بين الحقيقتين) لميشيل سيمون وانا ماريان، ثم مع مرور الوقت وتعرض العراق لأزمات الحروب، أصبح ذهابي إلي صالات السينما شبه يومي باعتبارها ملجأ نهرب إليه من انقطاع التيار الكهربائي في الصيف وللاحتماء بالتكييف بعيدا عن الحر الشديد.

4ـ معنى الحرية

( “بابليون” من الأفلام التي توقف أمامها كثيرا جدا في مرحلة مبكرة من حياتي، وشاهدته 9 مرات وكان تمثيل ستيف ماكوين وداستين هوفمان مميزا جدا، وبراعة المخرج فرانكلين شافنير عمقت المغزى الفلسفي لمعنى الحرية).

يرى علاء المنذر أن الفيلم اخرج على أساس قصة واقعية حصلت مع الكاتب الفرنسي أنري شارير، حيث سجن في الثلاثينات من القرن الماضي في سجون إحدى المستعمرات الفرنسية التي عرفت بـ”جزيرة الشيطان”، وحاول عدة مرات الهروب من هناك، وأطلق عليه لقب “الفراشة” نظرا للوشم المرسوم على صدره، والذي يرمز للحرية.

فيلم بابليون
فيلم بابليون

في الفيلم يتعرف (أنري ـ ستيف ماكوين) داخل السجن على مخادع يدعى لويس ديغا، الذي لقب بالحرباء لقدرته على التحايل، ومحاولتهما المشتركة للهروب تفشل، فيرسلا إلى جزيرة الشيطان حيث تكون المصاعب بانتظارهما والأمر الوحيد الذي يخفف من المعاناة على هذه الجزيرة هي فكرة الهروب والسعي لها.

فيلم “بابليون” لا زال يحظى بتقدير المتابعين والمعنيين بالسينما رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما عليه، بسبب قوة الأداء وجمال الإخراج ، ومن بين اللقطات المميزة التي لا أنساها عندما يجلس الممثل ستيف ماكوين “الفراشة” في الزنزانة المنفردة ويتحول بغضون عشرين دقيقة (بمقياس الفيلم) من رجل بكامل قواه إلى كهل ذو نظرة باهتة ورجفة قوية، أما المعنى الحقيقي الذي يحمله العمل لا يقتصر بإطار شخص أراد الهرب من السجن، إنها قصة إنسان لم يرغب بالاستسلام.

5ـ المنطقة الخضراء

 (أغلب الأفلام الأميركية لم تهتم بتصوير معاناة العراقيين بعد الاحتلال وأسرفت في التعبير عن معاناة الجنود الغزاة، ولكن فيلم “المنطقة الخضراء” هو الأقوى والأهم في رصد حقيقة بداية هذه الحرب).

هكذا يرى علاء المنذر السينما الأميركية التي يعتبرها دائما منحازة لتطلعات قادتها وساستها، ويخرج عن ذلك القليل جدا من الأعمال التي لا تكل ولا تمل من رصد الحروب الأميركية من زوايا كثيرة ومتعددة.

فيلم المنطقة الخضراء
فيلم المنطقة الخضراء

ومن تلك الأعمال “المنطقة الخضراء” آخر عنقود أفلام الحرب الأميركية في العراق وهو من إخراج الإنجليزي “بول جرين جراس” وبطولة الممثل الأميركي “مات ديمون”، ويمثل وثيقة مهمة رصدت حقيقة الحرب التي روجت إدارة الرئيس السابق جورج بوش أنها تشنها للتخلص من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق، وهو مبرر سهل عملية غزو جيش الولايات المتحدة للعراق أمام كثير من دول العالم التي تخشي امتلاك صدام حسين لسلاح خطير ومدمر، ويستند الفيلم إلي كتاب مهم بعنوان “الحياة الإمبراطورية في المدينة الزمردية”  من تأليف «راجيف جاندراسيكاران» الصحفي بجريدة الواشنطن بوست، وهو كتاب مبني علي معلومات حقيقية انتقد فيها الكاتب بشدة اتخاذ قرار الحرب علي العراق بناء علي معلومات استخباراتية غير مؤكدة ثبت عدم جديتها لاحقاً عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى