الطابع السياسي يغلف الأفلام العربية في «القاهرة السينمائي الـ44»
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
كشفت الأفلام العربية المشاركة في الدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائي عن الأزمات السياسية التي تشغل السينمائيين في العالم العربي عبر قصصها وقضاياها.
وقدمت الشاشات الثمانية للمهرجان هذه الأفلام في استعراض بانورامي للهمّ الشعبي والسياسي من المحيط إلى الخليج.
وشملت البرامج المختلفة لعروض المهرجان 97 فيلماً روائياً طويلاً و18 فيلماً قصيراً و10 أفلام كلاسيكية قديمة من 52 دولة في العالم.
وجاءت أغلب الأفلام العربية لتعبر عن انشغالات المبدع العربي بأزمات مجتمعه، وغلب عليها الطابع السياسي، ما منحها فرصة لتأمل الأثر الاجتماعي للأزمات والقضايا السياسية كبديل للطابع التقريري الإخباري في الصحافة.
وقد استقبل جمهور المهرجان الفيلم الفلسطيني “علم” للمخرج فراس خوري بحفاوة كبيرة، وهو يعرض المأساة الفلسطينية من خلال حياة 5 مراهقين فلسطينيين من عرب الداخل يحاولون تقييم المخاطر التي يواجهونها عند نضالهم البسيط في محاولات الاستعاضة عن علم مدرستهم الإسرائيلي بالعلم الفلسطيني.
ويعيد الفيلم الحديث عن مأساة الوضع الفلسطيني الذي يتغافل عنه العالم، حيث يستعرض رؤى مجموعة أصدقاء، وبينهم المؤمن تماما بقضيته، والمضطرب نسبيا تجاه المشاركة السياسية خوفا من مصير الاعتقال. وتتحرك الأحداث جذريا نحو النضال السياسي الذي لا مفر منه للجميع.
ومن دون بكائيات، يعطي الفيلم درسا واضحا للأجيال الجديدة بأنه لا مفر من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات الانتصار عليه، ومهما كانت الأشياء التي يحارب الفلسطيني من أجلها؛ فهي تستحق النضال ضد أعدائهم في إسرائيل.
وقدم المخرج فراس خوري العديد من الأفلام القصيرة، وفاز بجائزة الفيلم من مؤسسة “روبرت بوش شتيفنونغ” للتعاون الدولي، وحصل أيضا على دعم مالي من مؤسسة “ميدين بورد برلين”.
وجاء الفيلم السوري “السبّاحتان” للمخرجة الإنجليزية من أصل مصري سالي الحسيني، التي استغرقت 10 أعوام لتنتهي من صنعه، ليحكي قصة حقيقية حول الشابتين السوريتين سارة ويسرى اللتين تخوضان رحلة خطيرة عبر السباحة بين تركيا واليونان وبلغاريا وصربيا والمجر والنمسا وألمانيا حتى تصلا إلى أولمبياد “ريو دي جانيرو” بالأرجنتين، بينما يستمر الدمار الذي سببته الحرب المستمرة في سوريا.
وتشهد الرحلة صعوبات أخرى، حيث يتعطل بهما المركب فتضطر الفتاتان للسباحة وجر المركب بمن عليه من مهاجرين.
وتبدو مشاهد الفيلم صعبة التصوير نوعا ما، وأغلبها في أماكن خطيرة، لكن المصورة تنجح في نقل قضية الفتيات -التي لا تزال في المحاكم- إلى جمهور أوسع في العالم العربي، ليدرك المأساة التي تعيشها سوريا نتيجة الحرب المدمرة.
تلك الفكرة التي كانت أيضا محركا للفيلم السوري الآخر في المهرجان “رحلة يوسف” الرجل الذي رفض الهجرة في أثناء الحرب.
ويأتي فيلم “الطيور هاجرت من بيروت” الوثائقي القصير للمخرج اللبناني فريد زعرور، الذي يحكي قصة إحدى ضحايا انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، ويستخدم الفيلم القصة لإعادة رواية المأساة السياسية في لبنان التي تسببت فيها الحرب الأهلية.
واستخدم الفيلم القالب التسجيلي ليحكي مباشرة أكثر من غيره كيف تحولت لبنان إلى بلد عاجز عن التنمية بسبب تدخلات خارجية.
وجاء المخرج اللبناني علي شري من الشمال ليحمل الهم السوداني بعد أن وقع في غرام النيل، ويقدم فيلمَ “السد” المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان.
و”السد”، فيلم يحكي قصة حياة “ماهر” أحد العمال البسطاء في مصنع للطوب على ضفاف النيل بالسودان، إذ يتسلل ليلا للصحراء ليؤسس بناء غامضا يراه وحده.
واختار المخرج طريقة سرد مختلفة، إذ أضفى بعضا من ملامح الواقعية السحرية، التي تجعل البطل “ماهر” يملك قدرات غير عادية في حلمه، حيث يمكنه بلمسة ساحرة من يده أن يتحكم في الأشياء حوله، ويُخرج مياها من الأرض، أو يتحدث إلى الطين.
الأسئلة التي يواجهها ماهر في خياله لا تجد رموزا ودلالات أخرى بعيدا عن السياسة، فكل حركة للبطل يسبقها حديث سياسي يسمعه في الراديو عن تحركات الجيش في أثناء الثورة السياسية، لكنه يظل متحركا من منطق بطل غاضب من مدينته ومن عمله المضني ومن سيطرة الجيش على مقاليد الحكم.
ويستخدم الفيلم لغة رمزية إلى حد كبير، تجنبا لمشكلات الرقابة، وهو ما شكل حاجزا جعل من فهم العمل مهمة صعبة.
وفي فيلم “العائلة” للمخرج الجزائري الكبير مرزاق علواش، تتركز القصة حول محاولات وزير سابق للهروب من البلاد أثناء الحراك الشعبي الجزائري، بينما يشتعل الخلاف بين أفراد أسرته.
وقد أخرج مرزاق علواش أول أعماله الروائية الطويلة “عمر قتلته الرجولة” في عام 1976، ومنذ ذلك الحين، عمل في إخراج الأفلام بين فرنسا والجزائر.
وشاركت أعماله في مهرجانات دولية مرموقة مثل مهرجان “كان” السينمائي الدولي، ومهرجان فينيسيا ومهرجان برلين.
ويتناول فيلم “نرجعلك” للمخرج ياسين البرديسي أزمة الواقع التونسي السياسية من خلال رصد مجموعة من الشباب لأرشيف مطرب تونسي منسي من الذاكرة. وأثناء البحث والمشاهدة نشاهد كيف انزلقت تونس لأزمات حادة بسبب الفساد الحكومي المدمر.
ويقدم الفيلم التونسي مساحة صراع بين الأجيال في النهاية؛ كبار السن أمام الشباب في مواجهة مباشرة للمعرفة.