المهرجانات الأجنبية

«الطنطورة» فيلم عرض في «صندانس السينمائي» ويعيد كتابة جزء من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

عاش أهالي قرية طنطورة، وهي قرية ساحلية على البحر المتوسط جنوب غرب مدينة حيفا الفلسطينية، في مايو عام 1948 مذبحة لا تنسى، تركت أثراً بالغاً على الفلسطينيين في كل القرى المجاورة ومهّدت لعمليات تهجيرهم. إلا أن ما عاشه الأجداد سابقاً صار رواية تشوبها الكثير من المغالطات والأكاذيب.

وبعد نحو خمس وسبعين سنة، يعود المخرج الإسرائيلي ألون شوارتس ليستعيد وقائع تاريخية حصلت في الطنطورة ويسلط الضوء على القتال بين القوات اليهودية والعربية بعيد إعلان قيام دولة إسرائيل.

ويقرّ المخرج بأن فيلمه الجديد “الطنطورة” الذي يتحدث عن مذبحة في حق الفلسطينيين تفيد تقارير أن القوات الإسرائيلية نفذتها عام 1948، سيثير جدلاً واسعاً، لكنه يقول إن إسرائيل يجب أن “تفهم تاريخها”.

وعرض فيلم “الطنطورة” للمرة الأولى الأسبوع الماضي في مهرجان صندانس السينمائي في الولايات المتحدة.

ويرتكز الفيلم بشكل أساسي على عمل ثيودور كاتس الذي قام به عندما كان طالبا يحضّر للماجستير في التاريخ في تسعينات القرن الماضي في جامعة حيفا، وجمع شهادات من جنود إسرائيليين سابقين ومن فلسطينيين، تؤكد أن قوات الجيش الإسرائيلي (كتيبة 33 لواء إسكندروني التي تشكلت بعد قيام الدولة بأسبوع) قتلت فلسطينيين عزلاً في الطنطورة خارج سياق المعركة.

وحصلت رسالة الماجستير في البداية على أعلى التقديرات من أساتذة جامعة حيفا، لكنها أثارت في ما بعد جدلاً وطنياً واسعاً بعدما وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية عام 2000.

ينفي بعض الجنود الذين تمت مقابلتهم في الفيلم الوثائقي، بحزم، مقتل أي فلسطيني خارج سياق معركة المدينة، ويتحدثون عن “أسطورة”. لكن آخرين يؤكدون بشكل لا لبس فيه أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على عرب بعد انتهاء القتال، وقتلتهم.

وتتباين التقديرات بشكل كبير بشأن عدد القتلى الذين سقطوا في القرية. وفي 1948 فرّ أكثر من 760 ألف فلسطيني من منازلهم.

وإحدى أكثر الشهادات مأساوية في فيلم شوارتس هي شهادة الجندي عميتسور كوهين، الذي تحدث عن أشهره الأولى في عمله قائلاً “كنت أقتل المعتقلين ولا أرسلهم إلى السجن”، مؤكِّدا أنّه قتل الكثير من العرب خارج إطار المعارك “كان لديّ رشاش يحوي 250 طلقة. لا أستطيع أن أحسب عدد القتلى”.

ورفع قدامى المحاربين في وحدة “لواء إسكندروني” الإسرائيلية التي قاتلت في الطنطورة دعوى قضائية ضد كاتس بتهمة التشهير. وما لبث أن اعتذر وتراجع عن خلاصاته، الأمر الذي يقول عنه اليوم إنه “من أكبر الأخطاء” التي ارتكبها في حياته.

ويقول المخرج الإسرائيلي إنه “يتفهم أن الفيلم قد يواجه انتقادات”، لكنه يرى أن هناك “جيلا جديدا اليوم من الإسرائيليين أكثر استعدادا لمناقشة الأحداث الصعبة في تاريخ الأمة الفتية”.

ويتابع “من ناحية أخشى أن أتعرض للانتقاد، لكن من ناحية أخرى إسرائيل تتغيّر”، مضيفا “أنا صهيوني وأؤيد وجود دولة خاصة لليهود، ولكن أعتقد أنه من الأهمية بمكان بالنسبة إلينا أن نفهم تاريخنا”.

ويقول الجندي السابق يوسف ديامانت في الفيلم “كان الأمر مرعباً… لا أريد أن أتحدث عنه، لكنه حصل”.

وقال أحد الجنود إنّ عددا كبيرا من المدنيين الفلسطينيين وضعوا في براميل من الصفيح وأطلقت عليهم النيران من مدفع رشاش، ليشاهد لاحقا الدماء تسيل من الفتحات التي أحدثها الرصاص.

ويقول ميكا فيكون، وهو جندي سابق آخر في الوحدة، إنّ “ضابطا أصبح في السنوات اللاحقة مسؤولا بارزا في وزارة الأمن الإسرائيليّة، قتل بمسدسه عددا من العرب”، لافِتا إلى أنّ الجنديّ أقدم على فعلته تلك لأن الأسرى رفضوا الكشف عن المكان الذي أخفوا فيه الأسلحة المتبقية في القرية.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على الفور على طلب التعليق على الفيلم أو على أحداث الطنطورة، لكن شوارتس يؤكد أنه تلقى مساعدة “مفيدة ومباشرة ومهنية” من الجيش خلال بحثه.

وبالإضافة إلى الشهادات، يورد الفيلم آراء مؤرخين وخبراء، يطرح أحدهم نظرية حصول تحولات في مستوى الأرض قبل المعركة وبعدها تشير إلى تدخّل بشري بالتربة ما يمكن أن يؤشر إلى احتمال حفر مقابر جماعية في المكان.

ويخلص الفيلم إلى أن فلسطينيين قد يكونون دُفنوا تحت ما هو الآن موقف للسيارات بجوار شاطئ الطنطورة في شمال إسرائيل المقصود بكثافة اليوم. علما أنه لم تعد هناك قرية اسمها الطنطورة، بل أقيمت على أنقاضها قرية دور السياحية التي أعلنت شواطئها محميات طبيعية. كما توجد على أراضيها القرية التعاونية (كيبوتس) “نحشوليم”.

ويقول المؤرِّخ الإسرائيليّ آدم راز إنّه “لن يتم التحقيق بالكامل في الأحداث المروعة التي شهدتها الطنطورة، ولن تُعرف الحقيقة الكاملة. ومع ذلك، هناك شيء واحد يمكن تأكيده: يوجد تحت موقف السيارات في أحد أبرز المنتجعات الإسرائيليّة على البحر المتوسط رفات ضحايا إحدى كبرى المذابح التي شهدتها الحرب”.

بعد عرض الفيلم، دعت وزارة الخارجية الفلسطينية إلى تشكيل “لجنة تحقيق دولية” في “الجرائم والمجازر” التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في حرب عام 1948.

ودعت صحيفة “هآرتس” اليسارية الإسرائيلية في افتتاحية إلى تشكيل “فريق عمل” للتحقيق في أحداث قرية الطنطورة. كما دعت الدولة إلى فتح أرشيفها بعد مرور 73 عاما على تأسيسها.

ويقول شوارتس إنه تحمّل “مخاطر نفسية شخصية” في التحقيق في أحداث الطنطورة، مضيفاً “أنا هذا الرجل الذي اعتقد أنني متمكّن من واقعنا التاريخي، لكنني في الحقيقة نشأت على أسطورة”.

ويوضح “أن نروي لأنفسنا قصة أنه لم يكن هناك شعب (فلسطينيون) قبلنا، لن يكون مفيداً”، معتبراً ذلك “أسطورة تأسيسية للأمة”، ومضيفاً “أعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون حقيقيين وناضجين كمجتمع”.

ويقول المؤرخ الإسرائيلي راز الذي ساعد في إنتاج الفيلم إن محاربة النقاش في ما حدث في الطنطورة ليست “في المصلحة الوطنية”.

ويقول راز الذي يعمل في معهد “عكيفوت” المتخصص في أرشيفات الدولة حول الصراع العربي – الاسرائيلي، إن اليهود والفلسطينيين سيعيشون جنباً إلى جنب “الآن وبعد مئة عام”، مضيفاً “إذا أردنا المضي قدما نحو المصالحة، فنحن بحاجة إلى التعامل مع ماضينا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى