«القرموطي في أرض النار» اسكتشات خطابية غير نازعه لإبتسامات الجمهور
ـ محمد جابر
هناك مثل مصري يقول إن “التاجر حين يفلس يبحث في دفاتره القديمة”، هذا المثل ينطبق تماماً على الممثل أحمد آدم وعلى فيلمه الجديد “القرموطي في أرض النار”. فبعد “إفلاس” كبير أصابه وأبعده عن السينما طوال السنوات الماضية، واقتصر تواجده على برنامج كوميدي ذس نسبة مشاهدة ضعيفة للغاية يسمى “بني آدم شو”، قرر أخيراً أن يعود للشاشة، وبالطبع لم يجد أقرب من شخصيته الشهيرة التي قدمها مراراً “القرموطي”. تلك الشخصية الهزلية التي تعتبر الأهم في مسيرة “آدم”، حيث قدمها أولاً كشخصية فرعية في حلقات “سر الأرض” في منتصف التسعينيات، بلكنتها المميزة وإدعاء المعرفة والنرجسية المستمر الذي تتميز به، لتحوز على شهرة واسعة بين الجمهور، ويحولها بعد ذلك إلى مسلسل “القرموطي في مهمة سرية”، ثم إلى فيلم “معلش إحنا بنتبهدل” الذي كان عملاً كوميدياً مميزاً وحقق نجاحاً كبيراً عام 2005.
وبعد 12 عاماً يعود “آدم” مرة أخرى مع القرموطي، محاولاً اللعب على نفس الوتر السياسي في “معلش إحنا بنتبهدل”، وبدلاً من تورط الشخصية في حرب العراق ومقابلة الرئيس الأميركي جورج بوش، فهو هنا “في أرض النار” يتم تجنيده عن طريق الصدفة في تنظيم “داعش” الإرهابي، ويطلب منه أن يقوم بعملية تفجير في القاهرة، ليحاول التعامل والنجاة من الوضع الغريب الذي وجد نفسه فيه.
يظهر “آدم” في هذا الفيلم، سواء على الشاشة أو في الحياة الحقيقية، وكأنه يحاول تحريك الزمن كله للوراء 15 عاماً على الأقل، كأن الفيلم قادم بشكل خاطئ من التسعينيات، فمن ناحية كوميدية يعتمد العمل على النكات والـ”إيفيهات” اللفظية عن طريق تغيير الكلمات (كأن يقول “آدم” كلمة “جي جي بس” بدلاً من “جي بي إس” ويظن أن هذا الأمر قادر على إضحاك أي شخص) أو استخدام أسماء المشاهير (كمانويل جوزيه أو عمرو دياب أو يسرا) أو التفاعل الحركي مع تفاصيل من قبيل نشوب حريق دون ملاحظة الشخصية وتجاهله لذلك ظناً أنه جزء من النظارة ثلاثية الأبعاد. كلها طريقة إضحاك كان يستخدمها “آدم” في مسرحياته في التسعينيات، وإذا كانت قادرة على إضحاك الجمهور وقتها، فبالتأكيد لن تضحكه الآن. وكفيلم من المفترض أن يكون “كوميدياً” بالأساس فهو يمتلئ بقدر لا بأس به من الثِقل والسوء والكتابة الضعيفة والاعتماد كلياً على فرضية أن الناس تحب “القرموطي” وأن ذلك كافٍ لإضحاكهم دون بذل أي مجهود في الكتابة أو المنطق أو خلق المواقف.
الفيلم كذلك خارج الزمن في جانبه الآخر المتعلق بالخطابية، فكل مشاهده منقسمة لجزئين: إما “اسكتشات” كوميدية قديمة كما ذكرنا، وإما مشاهد خطب للقرموطي يتحدث فيها إلى شخصية “محمد” ابن الحارة المنضم لداعش (يؤديها الممثل محمد عادل)، وهو المعادل الدرامي الذي تم خلقه لكي يقف أمامه أحمد آدم كل 5 دقائق وكأنه في حلقة من برنامجه “بني آدم شو” ويعطيه دروساً عن الدين وعن الأخلاق وعن السياسة وعن الوطنية ويقول جملاً من قبيل أنكم “لن تقدروا علينا” أو أن “المصريين يتحولون ساعة الحسم إلى 90 مليون شهيد”، وغيرها من التعبيرات والخطب التي يتحدث فيها بمفرده وينتظر أن يصفق الجمهور، فيصبح مرة أخرى خارج الزمن ولا يدرك كم أن طريقته الزاعقة تثير السخرية والاستهجان أكثر من أن تؤثر ولو في طفل صغير. وبين “الاسكتشات” و”الخطابة” تتقافز أحداث الفيلم لمدة ساعة ونصف، فشلت في أن تكون مسلية أو حتى تنتزع ابتسامات الجمهور.
وكامتداد لكون هذا الفيلم خارج الزمن الحالي، فإن نائباً في البرلمان المصري طالب بوقف عرضه تحت ادعاء “إساءته لمحافظة مرسى مطروح” فخرج أحمد آدم في البرامج والإعلام ليتحدث بوصفه “مناضلاً” وأن فيلمه يكشف ويفضح الإرهاب الداعشي والمؤامرة الدولية. وهكذا ظهر جميع الأطراف كأنهم يحاولون خلق مشهد من عصر التسعينيات، بينما الجمهور نفسه يعيش في اللحظة الحالية ولا يهتم تماماً بـ”القرموطي في أرض النار”.