صالات العرض

«القطار السريع» يُعيد «براد بيت» كأحد أفضل نجوم السينما

«سينماتوغراف» ـ محمد صلاح

“براد بيت، الفتى الذهبي من ولاية ميسوري، الذي انتقل إلى كاليفورنيا في سن 22 عاما، وأصبح أكبر نجم سينمائي في العالم. والذي يقال إنه يجني ما يقرب من 20 مليون دولار في الفيلم، وكان لمرتين جزءاً من أشهر العلاقات العاطفية على هذا الكوكب، ولا يمكنه الذهاب إلى أي مكان بدون أن يلاحقه المصورون”؛ هذا ما تقوله الكاتبة والروائية الأميركية أوتيسا مشفيغ، والتي التقت ببيت في منزله في هوليود هيلز أوائل أغسطس 2022.

مُضيفة أنه “يبلغ من العمر 58 عاماً الآن، بعد ما يقرب من 6 سنوات من طلاق صعب من أنجلينا جولي، أقلع فيها عن الكحول؛ ثم ما لبث أن امتنع عن التدخين إبان وباء كورونا؛ ضمن التغييرات الجذرية العديدة التي أجراها على صحته خلال السنوات القليلة الماضية”. فبعد أن تقدمت جولي بطلب الطلاق في عام 2016، أصبح رصينا، وأمضى عاما ونصفا في حضور جلسات لعلاج مدمني الكحول.

وبعد أن كنا نراه أقل مما في السابق، “وكان يظهر على الشاشة بشكل متقطع، ويلعب أدوار شخصيات تكون غالبا غير متوقعة، ويركز أكثر على إنتاج الأفلام؛ ويُخيّب افتراضاتنا عنه كنجم سينمائي على مدى 30 عاما”؛ ها هو يعود بفيلم حركة كوميدي، يُظهر فيه جانبا جديدا من موهبته، ويذكرنا بتنوعه الجميل.

يقول بيت عن فيلمه الجديد “القطار السريع” (Bullet Train)، الذي تم تصويره في لوس أنجلوس منتصف فترة وباء كورونا؛ إنه “قد يكون صيفياً ممتعاً، لكنه أيضاً، يخفي في طياته موضوع القدر والإرادة الحرة”.

ومخرج الفيلم ديفيد ليتش، قال “إنهم أرادوا صُنع فيلم ترفيهي هادئ وجديد ومبتكر، يجعل الناس يرغبون في العودة إلى السينما”.

وبالفعل، بدأ عرض الفيلم في الخامس من أغسطس 2022، مُكتسحاً شباك التذاكر، بإيرادات بلغت حوالي 115 مليون دولار، بعد أول يومين من عرضه حول العالم؛ ولعب فيه براد بيت دور قاتل محترف يرتدي قبعة غريبة ونظارات كبيرة، ويستقل قطارا مليئا بالقتلة المأجورين؛ بعد أن تعافى للتو من تعب حلّ به، وعاد إلى وظيفته عالية المخاطر، وهو يحاول إقناع نفسه بالثقة في لياقته للقيام بمهمة التصدي لقتلة آخرين، ومحاولة سرقة حقيبة مليئة بالنقود. وهي شخصية من النوع المألوف لبيت، فهو محبوب أبله كاسمه الرمزي (ليدي باغ)، غريب الأطوار؛ لذا فهو يؤديها بسهولة ساحرة، لا تخلو من روح الدعابة الساخرة؛ تلك الروح التي “أكسبته مكانة فريدة ودائمة في هوليود”، تُذكرنا ببعض أدواره الحديثة “التي أثبتت أنه ممثل درامي جيد جدا، ولكنه أفضل في الكوميديا أيضا”. وفق ما تقوله الناقدة السينمائية كارين جيمس.

“القطار السريع” (Bullet Train) فيلم لا يصلح بدون براد بيت، فهو ممتع عندما يتشابك ليدي باغ، أو “الدعسوقة”، مع اثنين من القتلة البريطانيين (بريان تايري هنري، وآرون تايلور جونسون)، وهما ممثلان متناغمان مع بيت تماما؛ “لكنه في بعض الأحيان يُصبح مسطحا، لأن بقية الأدوار والممثلين يفتقرون إلى حدته الساخرة”، وفق رأي جيمس.

حمل بيت هذا التكوين العبقري من الدراما والكوميديا إلى أفلام أخرى، في أدوار مثل كليف بوث، رجل الأعمال البهلواني في “ذات مرة في.. هوليود” (Once Upon a Time in.. Hollywood) سنة 2019، الذي جمع بين الدراما المليئة بالفكاهة الجافة، والابتسامة المتكلفة المؤذية، وفاز عنه بجائزة أوسكار. وكذلك دور الملازم ألدو رين، الذي جمع فيه بين الدعابة والسخرية، في موضوعات تتعلق بالحياة والموت، في “إنغلوريوس باستاردس” (Inglourious Basterds) 2009. وكلاهما مع المخرج كوينتين تارانتينو، الذي وصف بيت بأنه “أحد آخر نجوم السينما المتبقين؛ فهو رجولي، حسن المظهر ومفعم بالحيوية، وصانع للنكتة”.

 

أما كارين جيمس، فتُرجع نجومية بيت، إلى هذا “المزيج الجاد والرائع من الدراما والذكاء، الذي أكسبه مكانه الجميل، ومكانته الفريدة والدائمة في هوليود، وقوته الحقيقية الأكثر تعقيدا من التنقل بين أقنعة الكوميديا ​​أو المأساة، على مدى 3 عقود؛ بنى فيها صورته كنجم سينمائي دائم وعصري، بل أحد أفضل نجوم السينما في العالم، للقرن الـ21″.

وكانت دهشة أوتيسا كبيرة وهي تجلس إلى جانب نجم سينمائي في لوس أنجلوس عام 2022؛ فتجده متأثرا بشاعر مسلم من القرن الـ13. وتقول أوتيسا “أدركت أن الجلوس مع بيت تجربة مختلفة تماما، فهو لطيف وجذاب من عدة نواح، لكن جاذبيته تتعمق أكثر عندما يبدو ملتزما بشدة بتكوين روابط ذات مغزى، والبحث دائما عن المعنى من خلال التأمل في أسرار الوجود والحياة، والاستماع إلى قصصك الشخصية، كأنه يريد أن يرى روحك”.

فقد نقش على كتفه من شعر جلال الدين الرومي، كلمات تقول “يوجد مكان ما، يتجاوز كل مفاهيم الصواب والخطأ؛ سأقابلك هناك”. وأخذ يشرح إحساسه بهذه العبارة قائلا “لقد شعرت دائما بالوحدة الشديدة في حياتي، فقد نشأت وحدي وأنا طفل، وكنت وحدي خارج البيت، ولم أحظ باحتضان كاف من أصدقائي وعائلتي”.

لذا، فهو شديد الحساسية تجاه الأشياء، ويحب الموسيقى، ويعلل ذلك بقوله “لأنها تملأني بفرح كبير، بعد أن أمضيت سنوات أعاني من اكتئاب، لم يُسمح لي باقتناص لحظات الفرح، كنت أعتقد أن قلوبنا كلها مُحطمة”.

“بنى براد بيت مجده الفني، من خلال أفلامه المتعددة، وإستراتيجية علاقات عامة ذكية، تُعد نموذجا لكيفية صناعة نجم سينمائي”، كما تقول جيمس. فعلى سبيل المثال، تضمن عدد أغسطس من مجلة “جي كيو” (gq)، صورا لـ”بيت” غريبة الأطوار وغير متوقعة، وأثارت ضجة كبيرة، باعتبارها تتحدى بريق نجم لامع. حيث بدا في إحداها شاحبا، عيونه محاطة بالطلاء؛ أو ظهر مستلقيا على فراش مائي من الزهور، كأنه أوفيليا الميتة. أو زُيّنت عيناه بأشعة مكياج فضي معدني، مع خلفيات سريالية.

لكن موافقة بيت على ذلك كانت خطوة ذكية منه، أظهرت لنا إحساسه بصورته وحياته المهنية، كأحد النجوم الذين ينجحون في إبقاء المشاهدين فضوليين، فيما يتعلق بحياتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى