بلاتوهات

الليلة: بين التوقعات وخيبة الأمل أفلام تنتظر ختام «فينيسيا السينمائي»

 «فينيسيا» ـ عرفان رشيد

ليست دورات المهرجانات السينمائية، وبالذات مهرجان فينيسيا، إلاّ نتاجاً لحال الانتاج السينمائي خلال العام، وبرُغم أن مدراء المهرجانات الكبيرة لا يرغبون حصر تظاهرتهم في موضوعات مُحدّدة، أو ربما محدودة، فإن طبيعة الإنتاج في تلك السنة قد تفرض عليهم (أو تُتيح لهم) فرصه إلقاء حزمة ضوء إضافية على عدد من قضايا الساعة.

المدير الفني لمهرجان فينيسيا البيرتو باربيرا أكد بأنه لم يسعَ إلى صياغة برنامج بـ «ثيمات» محددة، إلاّ أن تكرّر بعض الموضوعات في اختياراته لأفلام المسابقة العشرين وبعض من افلام برنامج «آفاق» رسمت ملامح موضوعات سادت دون غيرها، وإذا استثنينا «الموسيقى» التي تكررت في اكثر من فيلم كمفردة اساسية، بدءاً من فيلم الافتتاح «لا لا لاند» للكندي داميين شازيل فقد كانت «العزلة» و «الوحدة» و «انقطاع التواصل» بين البشر مفردات التي تكررت في غالب الأفلام. ما دلل على كونها قضية محسوسة، أو بالأحرى مُلحّة على ذهن كثير من المبدعين، وبصرف النظر عن أن تلك المفردات التي وردت في أفلام تدور أحداثها في الماضي أو في الحاضر، فإن حضورها، في زمان سيادة آليات التواصل الاجتماعي والاتصالات فائقة السرعة، يؤكد بأن البشر الذين يعيشون في «القرية الصغيرة» كما يحلو للبعض تسمية العالم، إنّما هم أبعد عن بعضهم بأكثر ممّا كانوا عليه فيما مضي. وبصرف النظر عن أهمية وجودة الأفلام التي عُرضت في مسابقة المهرجان أو ضمن برنامج «آفاق»، فلم تكن أفلام «نورٌ ما بين محيطين» لديريك سيانفرانس و «الوصول» لدينيس فيلنيف و «فرانتز» للفرنسي فرانسوا أوزون و «المسيح الأعمى» للتشيلي كريستوفر مورّاي، و«الجبل» للإيراني أمير نادري أو «الشبكة» للكوري المتميّز كيم كي دوك. فإن حالات العزلة التي ترسمها هذه الأفلام نتاجاً لحبس أو سجن بل نتيجة لواقع اجتماعي أو ضرورة حياتية، لكنها، أي العزلة تتحوّل إلى معطى دراماتيكي ينتهي في الغالب إلى مأساة. مسابقة في منتصف الطريق على أنّ الأفلام العشرين التي عُرضت داخل المسابقة الرسمية للدورة الثالثة والسبعون لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي التي ستُختتم مساء اليوم (السبت) لم يكن جميعها يستحق التنافس على الاسد الذهبي لأعرق مهرجان سينمائي، وينطبق ذلك على افلام حملت تواقيع مخرجين كبار ومؤسّٓسين، كما هو الحال بالنسبة لمخرجين في مقتبل مسارهم الإنجازي، فيما جاءت أعمال عدد آخر من المخرجين تأكيداً إضافياً على ضرورة وفاعلية القراءات البصرية والفكرية التي قدّمونها في اعمالهم، ليس لذائقة المشاهد فحسب، بل ايضا. لرسم صورة الحاضر الذي نحيا في ظله، فهم، وبصرف النظر عن تقديم اعمال تروي احداثاً معاصرة او ما وقع في الماضي، ثبّتوا منطق تفاعلية الاحداث التاريخية وترابط ما حدث في الماضي مع ما يحدث اليوم وما قد يتمخّض عنه الغد. واحتل شريط «فرانتز» للفرنسي المتميّز فرانسوا أوزوزون موقع المقدّمة في هذا الإطار، ويتوقع ان ينال مساء اليوم أحد اهم جوائز الدورة، لأهمية ما قدم سينمائياً وفكرياً. فكما قالها الايطالي ناني موريتي قبل عامين في فيلمه «أمي» أعاد فرانسوا أوزون مقولة أنّ “ما يوحّد أوروبا، هو جذرها الثقافي والفكري، وليس سياسيّوها أو بنوكها. فالأوائل، أي السياسيون، أدخلوا القارّة (والعالم معها) في حربين عالميتين، خلال قرن واحد، وفي حرب باردة استمرت لما يربو على نصف قرن، وتعود ملامحها الى الظهور مجدداً اليوم، أما الآخرون، أصحاب وأساطين البنوك، فقد أدخلوا القارّة العجوز، منذ ميلاد الاتحاد، في دهليز تغليب المال والاقتصاد على اي معطى آخر. صوٌر أوزون فيلمه بالأسود والابيض إلاّ في مشهدين قصيرين يعود اللون المضيء خلالهما عندما يحضر الرسم وتُسمع الموسيقى، وأدار ممثليه باللغة الألمانية، بتطعيم بسيط بالفرنسية في بعض المشاهد. تنافس الماني أمريكي أنجز فرانسوا أوزون عملاً جميلاً، مصنوعاً بدقة الاساتذة وممثلين رائعين أُديروا بشكل متقن، ولا يُستبعد ان تحظى الالمانية الشابة باولا بير باهتمام خاص من قبل لجنة التحكيم الدولية التي يترأسها المخرج السينمائي والمسرحي البريطاني سام مينديس، وهي حقاً منافسة للنجمة الهوليوودية إيمّي آدامز التي تحضر المهرجان ببطولة فيلمين مهمّين في المهرجان «الوصول» لدينيس فيلنيف و «حيوانات ليليّة» للمخرج ومصمم الازياء الشهير توم فورد، وكلتاهما تجدان تنافساً هاماً وجدّياً من قبل الممثلة الاسترالية الحسناء آليتشا فيكاندير التي تؤدي دور البطولة الى جانب النجم مايكل فاسبيندر في فيلم «نور بين محيطين» وهو دور معقّد سواء على الصعيد الجسدي او على الصعيد النفسي، وقد ادّت الدور بشكل رائع. وأضافت الطبيعة التي سادت أجواء الفيلم إلى جمالها مسحة بهاء ضاهى بهاء الأصيل في الجزيرة النائية التي يقوم فيها الفنار الذي اختارت أن تعيش فيه برفة زوجها توم «مايكل فاسبيندر» الذي أُرسل ليعمل حارساً لذلك الفنار. خيبة أمل وبقدر ما اقنع فرانسوا أوزون وتوم فورد الكثيرين بأهمية ما قدّماه في هذا المهرجان، فإن أسماءً كبيرة مثل الألماني فيم فينديرس والمكسيكي آمات إيسكالانتي والفرنسي ستيفان بريزيه خلّفوا في حلق من كان يترقّب منهم الكثير مرارة كبيرة، ففيما أغرق أيسكالانتي فيلمه بلحظات قاسية للغاية، فقد تاه فيم فينديرس وستيفان بريزيه في خضّم الحوار الطويل والبطيء، المؤدّى بإيقاع مملّ. فرصة هامّة أضاعها المهرجانيون للاستمتاع بأعمال مخرجين كبار كان يُنتظر منهم الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى