أحداث و تقارير

المخرج دانييلي فيكاري: السينما المتوسطية ثروة .. والتكريم بالمغرب يشرفني

تطوان ـ «سينماتوغراف»

يعد المخرج والسيناريست الإيطالي دانييلي فيكاري من أشهر المخرجين الذين ذاع صيتهم بفضل أفلامه الوثائقية التي تكتسي طابعا سياسياً وبيئياً، إضافة إلى مقالاته المتخصصة في النقد السينمائي، قبل أن ينطلق في عالم إخراج الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة التي ساهمت في شهرته وشارك من خلالها في تظاهرات عالمية عدة وتوج بجوائز كبرى في مختلف المحافل.

وعقد للمخرج دانييلي فيكاري لقاءً مفتوحاً بفضاء بيت الفن في مدينة تطوان، السبت، على هامش تكريمه في مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط.

استهل اللقاء بكلمة ترحيب ألقاها المدير التنفيذي للمهرجان، أحمد مجيدو، ثم تحدث المخرج المكرم عن مجموعة من النقط، أبرزها حضوره في مهرجان تطوان، ووضعية السينما المتوسطية، ومواضيع أخرى، وفيما يلي أسئلة الحضور وإجابات المخرج والسيناريست الإيطالي.

** مـاذا يمثـل بالنسبة لك هـذا التكريم فـي المغرب، وتحديداً في تطوان، ومهرجانها السينمائي الذي انطلق في الثمانينات؟

سعيد جدا أن أحل بالمغرب، فأنا أمارس السينما بفضل ما حصل مـن تقدم في العقود الأخيرة وقدري كان منحصرا في معمل إلكتروني، فأنـا نصـف تقني ونصف فـلاح، بالصدفة صورت أفلاماً، وبالصدفة عرضت في مهرجانات مثل ”كان” و”البندقية” و”برلين”، وغيرها من المهرجانات الكبرى، ولكنني كنت أحس هناك بكثير من الضيق والانزعاج، لست أدري لماذا ولكن مجيئي إلى المغرب، وإلى تطوان، لحضور حفل التكريم، يمنحني إحساسا غريبا بالخفة والفرح. لدي ميـل خاص إلى الأفلام الثلاثة التي اختيرت للعرض في المهرجان، ولي الشرف أن أحظى بهذا التكريم، وأعتذر لأنني لن أمكث طويلا في هذه المدينة.

** في نظركم، ما هي وضعية السينما المتوسطية اليوم خاصة بعد جائحة كورونا؟

مازال المتوسـط يمثل ثروة هائلة بشعوبه ولغاته وتواريخه بشكل لا مثيل له في باقي مناطق العالم، وتنوع ثقافاته يعكس تنوع سينما ضفتيه اللتين لا تلتقيان مع الأسف إلا نادرا لأسباب عديدة.

يشكل مهرجان تطوان دون أدنى شك إحـدى مناسبات هذا اللقاء الثقافي المثمر، وإذا كان الإنتاج المشترك للأفلام بكل أجناسها، الذي يجمع بين بلدان متوسطية متعددة، مزدهرا جدا، فإن القضايا الجيو-سياسية في المقابل تحول دون الذهاب أبعد، وتفصل بين الشعوب رغـم قربها الجغرافي والثقافي.

هكذا، نرى كيف أن إيطاليا، على سبيل المثال، تربطها علاقات شراكة مع بلد ناء، يقع في الطرف الآخر مـن الكـرة الأرضية، كالولايات المتحدة الأمريكية، أكثـر مـن تلك التي تعقدها مع بلدان متوسطية قريبة منها، ومع الأسف، لقد تحول المتوسط إلى حاجـز وجـدار مائي خطير وقاتل مؤخرا، تصـب فيه التوترات السياسية القادمة من ثلاث قارات، وما زالت السينما لا تهتـم بمـا فيه الكفايـة بهـذا الجانب، ولكن أظن أنها ستتدارك الأمر في المستقبل.

** هل مازال بالإمكان الحديث في إيطاليا عـن مدارس سينمائية كما كان عليه الأمر سابقا؟

نحن نعيش في فترة أصبح فيها النقاش الثقافي والفكري الذي نشأ مع ظهور الديمقراطية في مرحلة ما بعد الحرب مرفوضا، وفي يومنا هذا أصبحت الصناعة تسعى إلى إعادة هيكلـة ذاتها بالعودة إلى استكشاف الأجناس السينمائية، وهو توجه ينطوي على بعض المجازفة.

لكن هذه الميول اللاديمقراطية يتعين عليها أن تواجه تطورا كبيرا في تكنولوجيات أصبحت متوفرة بشكل غير مسبوق، ومع ذلك لا يمكن التنكر لذلك الإرث الكبير للسينما الإيطالية، والقول إنه أصبح وراءنا، فمـا زال تأثيـر الماضي حاضرا لدى بعض السينمائيين، وإن كان الأمر يتعلق بأسماء معزولة وظواهـر متفرقة.

** اشتغلت ناقدا سينمائيا وكنت من بين المساهمين في التنظير للسينما الجديدة في إيطاليا، ألا ترى أن النقد السينمائي الحقيقي هو الحلقة المفقودة اليـوم؟

يواجه النقد السينمائي مشكلتين عويصتين؛ أولا كم الإنتاجات السينمائية في العالم بسبب توفـر الوسائل التكنولوجية وتكاثرهـا المطـرد، ولا أحد يمكنه رؤية كل هذا الكم الهائل من الأعمال وتتبعها، وبالأحرى الكتابة عنها وانتقادها سلبا أو إيجابا. لهذا، لطالما أردد أن الناقد السينمائي يجب أن يتوفر على عدة أرواح، كالقطط، كي يواكب الإنتاج المتزايد بصـورة مهولة.

في السابق، لم تكن السينما تنتج إلا في البلدان الغنية والمصنعة، أما الآن فيمكن لأي راعي ماشية في أي مكان أن يصور فيلما وقـد لا يتوفر على ثقافة كافية لذلك، ولكن يمكنه اكتساب بعض المهارات.

ثانيا، فقدان بعـض فضاءات النقاش مكانتها وأهميتها، كالمجـلات السينمائية، بسبب اكتساح وسائل التواصل الاجتماعي الفضاء العام، وحلولها مكانها، مما جعلها متجاوزة.

** صورت فيلم “النهار والليل” في زمن الجائحة، كيف تقيم هذه التجربة؟

رغـم أن هذا الفيلم صور خلال الحجر الصحي، إلا أنه لا يتكلم عـن الجائحـة، بـل عـن اندلاع حرب في أوروبا. مع الأسف، الفيلم استبق الأحداث؛ ذلك أن حربا حقيقية قـد اندلعت في قلب أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، والحال أن الإرهاصات كانت موجودة، وربما كنا بعملنا الفني نحاول منع هجوم شياطينها، ولم نكن نعـرف أننا عندما كنا “نمثل” كان هناك شخص جاد في مسعاه الحربي.

استعملنا تقنيات العمـل عـن بعد، وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا قبل سنوات، لأنها تقوم على استخدام منصة “زوم”. وعْيُنا المشترك التقى في مكان غير موجود وتمكن من إبداع فيلم، مما يعني أن بإمكاننا أن نتعلـم مـن جديد كي نكون أحرارا ومبدعين ونتخلى عن عاداتنا القديمة ونعيد ابتكار السينما.

** كيف تنظرون إلى بلدان الضفة الجنوبية والعالم العربي وفنهما؟ ولماذا نتجاهل الثقافات المتوسطية رغم أننا نتقاسمها منذ القديم؟

البحر الأبيض المتوسط رهينة في يد تاريخه الخاص. مثلاً، بضعة كيلومترات تفصل بين تونس وإيطاليا، ولكنهما بعيدان عن بعضهما البعض أكثر مما يظهر على الخريطة.

قبل سنوات كان الحديث ينصب كثيراً على الثقافة المتوسطية، غير أن الخطاب اليوم اتجه نحو مشاكل الهجرة والطاقة. هاتان القضيتان هما وجها لعملة مخضبة بدم صراعات وانقسامات يجعـل بلدانا أوروبية متحالفة في قارتها ولكنها متصارعة في إفريقيا. لذا، أقول كفى من النفاق؛ فهذا التاريخ يسمى حربا، وسواء استعمل فيها السلاح أو المال، فإن ذلك لا يغير شيئاً من معنى هذه اللفظة المأساوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى