«النزال الأخير».. فيلم عن الهجرة غير الشرعية في المغرب
الرباط ـ «سينماتوغراف»
تنشغل السينما المغربية المستقلة بالبحث في ظواهر وقضايا تؤرق المجتمع المغربي في محاولة منها لتقديم قراءات فنية منفتحة على كل الأسباب والمسببات والدوافع التي تصل بالإنسان إلى ارتكاب أفعال مخالفة للعرف والقانون ومنها مسألة الهجرة غير الشرعية التي صارت خلال الفترة الأخيرة تثير أزمات داخلية وخارجية للمغرب.
ومن هذه الأفلام، فيلم “النزال الأخير” الذي أنتج في العام 2021، لكنه لم يعرض بالقدر اللازم، لأنه تزامن مع انتشار فايروس كورونا وحالة الإغلاق العام التي اجتاحت العالم طوال سنتين للحدّ من تفشي الجائحة.
وأعيد الحديث عن هذا الفيلم مؤخرا بمجرد إعلان مشاركته في مسابقة الأفلام الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان القدس للسينما العربية المقرر انعقادها ما بين الرابع عشر والتاسع عشر من مايو الجاري.
وشارك في كتابة سيناريو الفيلم غوستافو كورتيس بوينو، الإسباني الجنسية، وهو صحافي وصاحب تجربة كبيرة كمراسل في عدد من بؤر الصراع حول العالم؛ وقضى جزءا كبيرا من حياته في احتكاك مباشر بمواضيع الهجرة والنزوح واللجوء.
و”النزال الأخير” من الأعمال السينمائية التي تمكنت في العام 2019 من الحصول على دعم المركز السينمائي المغربي والذي يشتغل فيه نخبة من الممثلين الأجانب من فرنسا وبريطانيا. وذلك تحت إدارة محمد فكران المخرج الفرنسي من أصل مغربي.
ويعدّ بطل الفيلم ربيع القاطي أحد أهم الوجوه الفنية المغربية التي ذاع صيتها محليا وحتى عربيا. وهو نموذج عن التجارب الفنية المغربية القليلة التي استطاعت باحترافية أن تتجاوز الحدود الصغيرة.
وفي “النزال الأخير” يلعب القاطي دورا مختلفا تماما عن الأدوار التي جسدها من قبل، وهي شخصية متمردة تحاول الخروج من شرنقة الانكسار وبملامح جسدية مختلفة عما قدمه سابقا في الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
ويحكي الفيلم قصة ثلاثة أطفال من مدينة الدار البيضاء، يراودهم حلم الهجرة إلى أوروبا في قالب درامي ممزوج بكثير من التشويق والتحديات.
ورغم أنه فيلم مغربي محلي، إلا أن “النزال الأخير” يمكن أن يعدّ فيلما “مغاربيا” بامتياز، حيث يحكي عن مشكلة حساسة تعاني منها دول المغرب العربي دون استثناء، ولطالما قذفت “قوارب الموت” بأبناء هذه الدول إلى التهلكة، فكانوا طعاما للحيتان في البحر المتوسط، مدفوعين بشغفهم للوصول إلى الجنة الأوروبية.
وخسرت الكثير من العائلات المغاربية أبناءها المراهقين والشبان في رحلات هجرة غير شرعية، فصار هذا الموضوع نقطة سوداء وسببا في حزن الكثير من الأمهات، وهاجسا تتخوف منه أخريات.
ورغم جهود السلطات، والحملات التوعوية التي تشارك فيها الفنون على اختلافها، ومنها الفن السابع، تفيد الإحصائيات الرسمية بأن أكثر من 40 ألف مهاجر وصلوا خلال العام الماضي فقط إلى سواحل إسبانيا القارية أو جزر الباليار عبر البحر المتوسط، وإلى أرخبيل الكناري عبر المحيط الأطلسي، معظمهم قدموا من المغرب.
وليس “النزال الأخير” الفيلم المغربي الوحيد الذي يتطرق لقضية الهجرة غير الشرعية، بل سبقته إلى ذلك عدة أفلام صدرت منذ 2011، وكل واحد منها يحلل هذه الظاهرة ويناقش أبعادها وفق وجهة نظر مختلفة، لكنها تتفق في معظمها حول الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الشباب المغربي نحو الغرب ومنها الفقر والبطالة.
ويتناول “النزال الأخير” موضوع الهجرة غير الشرعية من زاوية مختلفة حيث تم الاعتماد فيه على تقنيات عالية الجودة وتم إنجازه وفقا للمقاييس العالمية المتعامل بها، كما تم دراميا توظيف شخصيات تعيش الانكسار والتهميش والهشاشة على المستوى الاجتماعي والثقافي لتختار الهجرة بطريقة غير شرعية.
واستغرق تصوير الفيلم ثلاث سنوات، حيث وزعت مدة التصوير على فترات متباعدة، كانت الأولى في شهر أكتوبر 2017، بينما كانت المرحلة الثانية في يناير 2018 بالدار البيضاء. ثم المرحلة الثالثة في سبتمبر 2019 في مدينة طنجة.
وأوضح المنتج المغربي أنضام أن العمل ضخم جدا، “حيث استعملت فيه تقنيات لأول مرة، خصوصا لتصوير المشاهد تحت الماء، والتي تطلبت ميزانية كبيرة.. الأطفال الذين اشتغلوا معنا كانوا مرافقين بأستاذ متخصص في السباحة، خصوصا أن المشاهد في البحر مؤثرة وقد أخذت منا الكثير من الجهد والمال”.
وحتى قبل ترويجه في المهرجانات السينمائية العربية، استطاع الفيلم أن يكسب جوائز مهمة حيث توج في يناير الماضي، الفنان المغربي القاطي بجائزة أحسن ممثل عن دوره “هشام مانشو” في الفيلم، خلال فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان “نجمة الكريستال للفيلم المغربي” ببلجيكا.
ورأى القاطي أن الدور الذي جسده في الفيلم يعدّ قيمة مضافة إلى مشواره السينمائي، وهو يعالج قضية مهمة جدا من القضايا التي تهم المغرب، وهي قضية اجتماعية مرتبطة بواقع معيشي لشخصيات معينة.