الواقع العربيّ في « ليالٍ عربيّة» بمهرجان دبي السينمائي
أفلام تصوّر تغيّرات المنطقة العربيّة
دبي ـ سينماتوغراف
يحتفي برنامج «ليالٍ عربيّة» والذي يتمتّع بمكانة راسخة في إطار أنشطة «مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ»، بالعالم العربيّ من خلال أفلام تأخذ المتابعين في رحلة بين الفكر والخيال، لتعكس التغيّر الملموس في المناخ الثقافيّ، السياسيّ والاقتصاديّ للدول العربيّة، والمنطقة عموماً.
في الدفعة الأولى من الأفلام المعلنة، يعود المخرج المرشّح لنيل جائزة الأوسكار، هاني أبو أسعد، ليقدّم أحدث أفلامه «يا طير الطاير»، بدعم من صندوق «إنجاز»، وهو برنامج من «مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ» لتقديم الدعم لصانعي الأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج.
يروي الفيلم قصّة حياة النجم محمد عساف، صاحب الموهبة الفريدة والشخصيّة المميزة التي مكّنته من الفوز بلقب واحد من أكثر البرامج التلفزيونيّة مشاهدة في الدول العربيّة. وبفوزه بالمسابقة، أصبح محمد عساف رمزاً لأمل الفلسطينيّين في المنطقة والعالم، حيث يروي الفيلم قصّته الملهمة، بأداء رائع من مجموعة من الممثلين الأطفال، وبتوقيع أحد أبرز المخرجين العرب.
«موجة حرّ» الفيلم الروائيّ الأوّل للمخرجة جويس نشواتي، تدور أحداث هذا الفيلم حول «أشرف»، المهاجر الذي يعيش وحيداً في اليونان في فترة اقتصاديّة بالغة الصعوبة. تتزايد الضغوط عليه في ظلّ نقص المياه، وازدياد عدائيّة الناس تّجاه بعضهم بعضاً، خصوصاً أولئك الذين لا يثقون بالمهاجرين، وهو ما يلمسه أشرف بنفسه عندما توقفه الشرطة المحليّة للسؤال عن هويّته. يعكس الفيلم الكثير عن الطبيعة الإنسانيّة بشكل قويّ وملموس، ربّما يتجاوز ما نرغب في الاعتراف به حقّاً.
يقدّم المخرج مؤيد عليان فيلمه الأوّل الروائيّ أيضاً، وهو بعنوان «الحبّ والسرقة ومشاكل أخرى»، خلال «مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ». يتحدّث الفيلم عن موسى الذي واجه صعوبات جمّة في محاولته للخروج من فلسطين، والابتعاد عن قصّة حبّ فاشلة، ليقرّر أنّ سرقة سيّارة هي أسرع وسيلة للحصول على نقود للرشوة، لكن يحدث ما لم يكن بالحُسبان، إذْ يجد جنديّاً إسرائيليّاً مخطوفاً ومقيّداً في صندوق السيارة التي يسرقها، ويصبح موسى ملاحقاً من الكتائب الفلسطينيّة والمخابرات الإسرائيليّة، وتبتعد أحلامه في متابعة حياته بشكل مختلف.
أمّا فيلم «قصة حبّ سورية»، لمخرج الأفلام الوثائقيّة البريطانيّ ماك أليستر، والذي بدأ تصويره في عام 2009، أيْ قبل انطلاق الثورات التي شهدها البلد والمنطقة. يلتقي عامر ورغدة في سجن سوريّ قبل 15 عاماً، رآها للمرّة الأولى عندما وضعت في الزنزانة المجاورة، وتواصلا عبر ثقب سريّ صنعاه في الجدار، فوقعا في الحبّ وتزوّجا فور إطلاق سراحهما، ليكوّنا عائلة صغيرة معاً. تدخل رغدة السجن أكثر من مرّة، بسبب معتقداتها السياسيّة، فتضطر العائلة لمغادرة منزلها حفاظاً على سلامة الأطفال الصغار. يتابعهم ماك أليستر في رحلتهم إلى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيّين، ومن ثمّ إلى فرنسا وتركيا، حيث تبدأ المعاناة الحقيقيّة في ظلّ الهدوء والكبت. يُعتبر تصوير أليستر لعلاقة عامر ورغدة من أفضل الأفلام الوثائقيّة، وأكثرها نيلاً للإعجاب، هذا العام، وهو ببساطة عمل لا ينبغي تفويته.
المخرج فريد إسلام، الذي حصل فيلمه الروائيّ الأوّل «Istanbul United» على إعجاب النقّاد، يشارك بفيلمٍ جديد يحمل اسم «يلا! أندرغراوند». يوثق أعمالمجموعة من أهمّ الموسيقيّين في العالم العربيّ، أحلامهم ومخاوفهم، في زمن يشهد تغيّراً عظيماً في المجتمعات العربيّة. فنّانون من الشباب العرب يكافحون على مدى أعوام طويلة ليتمكّنوا من التعبير عن أنفسهم بحريّة، وينشروا هذه الحريّة في مجتمعاتهم. وعلى غرار الكثير، كان الفنّانون في دول «الربيع العربيّ» يحلمون بغد أفضل، شاركوا في الاحتجاجات، ليجدوا أنفسهم الآن ممزّقين بين مشاعر اليقظة من الأوهام، والآمال الضبابيّة بمستقبل أفضل.
فيلم «فاطمة» للمخرج فيليب فوكون، يقدّم رؤية فريدة لتجربة المهاجرين. فاطمة، وهي أمّ لابنتين، هما: سعاد التي تبلغ من العمر 15 عاماً، ونسرين التي تبلغ 18 عاماً، تمتلك عزة نفس شديدة، لكنّها تشعر بالقلق على ابنتيها، في الوقت الذي لا يمكنها فيه التعبير عن مشاعرها لهما، نظراً لسوء لغتها الفرنسيّة. تعمل فاطمة خادمة لتوفّر لابنتيها أفضل فرص العيش، قبل أن تتعرّض لإصابة تمنعها من مواصلة العمل. «فاطمة» فيلم مُلهم، يتطرّق إلى مشكلات اللّغة، الهويّة، الثقافة وتجارب التربية.
أما فيلم نسيم عمواش «الأباتشي»، يروي قصّة سمير الذي يضطر لمواجهة ماضيه ليتحرّر. فبعد وفاة والدته يتواصل سمير (الذي يؤدّي دوره عمواش نفسه) مع والده الجزائريّ، الذي تركهم منذ زمن، ومع عائلته الممتدة. تتوالى الأحداث ليواجه سمير أحداث طفولته الحزينة، وإرثه القبليّ الجزائريّ.
يبرز فيلم «مدام كوراج»، للمخرج السينمائيّ المخضرم مرزاق علواش، سقطة ونهوض شابّ جزائريّ اسمه عمر الذي نشأ في مجتمع جزائريّ مضطرب، واجه الوحدة والأوهام، فافتقر إلى التوجيه أو الهدف، واتّجه إلى الجرائم الصغيرة والمخدرات لتسلية نفسه. وفي صباح أحد الأيّام، يجد هدفاً سهلاً في فتاة ترتدي عقداً من الذهب، وتلتقي عيناهما فيما يمدّ يده ليخطف غنيمته. «مدام كوراج» فيلم عن الإحباط والخيارات، وقبلهما، عن الأمل.
وأشار المدير الفنيّ لـ«مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ»، مسعود أمرالله آل علي إلى أنّ برنامج ليالٍ عربيّة يحرص على تقديم رؤية فريدة ومثيرة للاهتمام، ليركّز على القضايا التي تواجه المنطقة اليوم، ويُبرز الجوانب الحيويّة في المهرجان واهتمامه بشؤون الواقع العربيّ، ومن خلال توفير منصّة للمخرجين العرب والعالميّين، للتعبير عن آرائهم، وتغيير المفاهيم حول المنطقة التي يعيشون فيها.
من جهتها اعتبرت دلفين غارد-مروة، مبرمجة «ليالٍ عربيّة»: «يبرز برنامج «ليال عربيّة» هذا العام المزايا التي تمنح مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ خصوصيّته، فهناك مجموعة رائعة من المخرجين العرب والعالميّين، يقدّمون أفلاماً تستعرض أهم قضايا المجتمعات العربيّة، بأسلوب حسّاس، غاضب ومرح، في الوقت نفسه. لا شكّ في أن المشاهدين على موعد مع قصص آسرة يقدّمها عدد من أمهر المخرجين المبدعين في العالم».