مقابلات

انتشال التميمي: ميزانية «البحر الأحمر السينمائي» الضخمة لم تحرم مهرجان الجونة من الحصول على أهم الأفلام  

ـــ الأعمال السينمائية تختار المهرجان الذى يحقق لها الرواج والزخم الأكبر

ـــ مدينة الجونة أصبحت تعتبر موعد المهرجان الأكثر تأثيراً في اقتصادها

ـــ نشعر بنصر كبير لتكريم المخرج الأمريكي دارين أرونوفسكي

ـــ أكتوبر سيكون الموعد الثابت والدائم للمهرجان في السنوات المقبلة

القاهرة ـ  خاص «سينماتوغراف» 

12 يوماً فقط، باقية على انطلاق مهرجان الجونة السينمائى، الذى يحتفل هذا العام بمرور 5 سنوات على تأسيسه، في حضور صناعه وأبرز الشخصيات التى ساهمت بنجاحه من النجوم والرعاة، إلى جانب 500 ضيف أجنبى، وكأنه يجتاز بهذه الدورة اختبار القدرة على البقاء رغم الكثير من التحديات المتعلقة بسياق ولحظة وجوده، وكذلك الصعوبات المضاعفة التي فرضها وباء كورونا لعامين متتالين.

انتشال التميمي مدير مهرجان الجونة يتحدث لـ «سينماتوغراف» عن مفهومه للاستمرارية القائمة على تراكم الخبرة والحفاظ على شغف البدايات، وهي برأيه الخلطة التي عززت نجاح المهرجان وصنعت شخصيته الحيوية عبر السنوات وصولًا إلى عامه الخامس، وعن أبرز ملامح فعاليات دورته المقبلة، وسر تغيير موعده من سبتمبر إلى أكتوبر، وشكل المنافسة مع مهرجانات أخرى خصوصاً مهرجان البحر الأحمر في مدينة جدة السعودية، كان الحوار التالي:

 

ـ كيف ترى خمس سنوات في عمر «الجونة السينمائي»؟

الاستمرارية هي أول انطباع يتبادر إلى الذهن عندما نتحدث عن مرور خمس سنوات على مهرجان الجونة، فمعظم المشاريع الجادة في المنطقة العربية كانت فرصها في الصمود أمام الظروف القاهرة ضعيفة جدًا، وبالتالي عندما يستمر مشروع جاد يهتم بالثقافة السينمائية مُشيّد على ضوابط تنسجم مع تقاليد أعرق المهرجانات الدولية والعربية منذ تأسيسها وإلى حد الآن، فهذا بحد ذاته علامة مهمة. معظم المهرجانات الدولية الهامة التي بدأت قبل أكثر من 70 عامًا في مدن مثل كان ولوكارنو وكارلو فيفاري وصندانس، لم تكن مدنًا كبرى أو عواصم، ومع ذلك تمكنت من ترسيخ وجودها عبر السنوات لتصل إلى مكانتها الحالية. أنا أتصور أن مهرجان الجونة على مدار خمس سنوات استطاع إثبات وجوده كرقم مهم جدًا بين المهرجانات الدولية في المنطقة العربية. مهرجان يتمتع بجاذبية وفاعلية توازي مهرجانات عربية يصل عمرها إلى ربع أو نصف قرن. الجزء الحيوي في أي مهرجان هو قدرته على التقدم، أي عدم التراجع وعدم الوقوف في المكان، وهو ما تحقق بالنسبة لمهرجان الجونة بفضل الطموح والشغف. أنا راض جدًا عن الموقع الدولي الذي وصلنا إليه خلال هذه الفترة الوجيزة بحيث صار كثير من الوسط السينمائي وبالأخص المحترف يعرف الكثير عن مهرجان الجونة وعن مدينة الجونة. ما أتمناه في الدورة الخامسة هو أن نبقى محافظين على ذات الشغف الذي بدأنا به الدورة الأولى لأنه صمام الأمان بالنسبة لنا وهذا لا يتعارض مع قدرتنا التنظيمية المتزايدة وفريق عملنا الذي صار يتمتع بفعالية ومعرفة وتجربة أكبر.

 ـ مع انطلاق الجونة السينمائي في عام 2017، كان هناك من يراهن على عدم استمراريته، لعدم وجود جمهور في مدينة الجونه، كيف نجحتم في كسب هذا الرهان؟

قبل انطلاق الدورة الأولى، كان ردى على ما قيل: «حتى لو جذب هذا المهرجان جمهوراً قليلاً فنحن سنعتبره مؤتمراً سينمائياً»، لكننا فوجئنا بشراء نحو 17 ألف تذكرة، وفى السنة التالية 22 ألف تذكرة، والثالثة 25 ألف تذكرة، والرابعة 26 ألف تذكرة، فالواقع يقول إن هناك عدداً كبيراً من الناس يرحلون إلى هذه المدينة فى فترة إقامة المهرجان ليستمتعوا بمشاهدة الأفلام وحضور المهرجان، وما يؤكد حقيقة أن المهرجان جاذب ويشهد إقبالاً، أن مدينة الجونة أصبحت تعتبر موعد إقامة المهرجان أهم وأطول مواسمها على مدى العام، وأكثرها تأثيراً فى اقتصاد المدينة.
وقناعتى أن مهرجان الجونة ولد قوياً، وأصبح يستمد شرعيته من نموذج النجاح الذى تحقق فى الدورة الأولى، ولا يخفى على أحد أن ظهور الجونة قلب موازين المهرجانات فى المنطقة العربية، فلا زلت أقول إنه لا يوجد مهرجان سينمائى عربى حقق هذه الدرجة من الشعبية لدى المواطن العادى، فى الوطن العربى، على الرغم من أن المهرجانات الأخرى كان يتوافر لها إمكانيات ضخمة وحضور لنجوم أجانب.
وأحد عوامل هذا النجاح أن المهرجان ولد فى عصر السوشيال ميديا، وربما مهرجانى أبو ظبى ودبى إذا ظهرا فى هذه الفترة كانا حققا نجاحاً مماثلاً، لكنه كان توفيق للجونة، فهو بدأ فى وقت لمواقع التواصل الاجتماعى والتلفزيون تأثيراً كبيراً.

مهرجان الجونة أيضًا يتمتع بميزة – لم يسبقه إليها أي مهرجان آخر في المنطقة العربية – لقد أصبح مهرجانًا شعبيًا، يتندر الناس مع بعضهم البعض فيقولون «انت فاكر نفسك في مهرجان الجونة». يرجع جزء من ذلك إلى الطريقة والمفهوم الذي تأسس وعمل به المهرجان، لكن جزء كبير منه يعود أيضًا إلى حسن حظه، وهو عامل مهم إلى جانب الاجتهاد. فالمهرجان جاء في توقيت مناسب، إذ كان الناس في البلد وفي المنطقة يتطلعون إلى قصة نجاح، وصادف أن يمثلها مهرجان الجونة ومشاركة مصر في كأس العالم.

ـ كان ولا يزال يتعامل البعض معكم باعتباركم مهرجاناً ثرياً، هل ميزانية مهرجان البحر الأحمر السينمائي الضخمة لا تقلقكم، ولا يشكل هو أو غيره تهديداً في مسيرتكم الحالية والمقبلة؟

هذه نظرية من الأساس غير صحيحة، بدليل أن جوائزنا المالية الكبيرة لا تمنع بعض الأفلام من المشاركة فى مهرجان القاهرة، وبنفس المقياس الأموال الضخمه كما تقول لـ «البحر الأحمر» لم تحرم الجونة من الحصول على نسبة كبيرة من الأفلام الحاصلة على الجوائز فى المهرجانات الكبرى هذا العام.

الواقع يقول إن بعض الأفلام تذهب لمن يدفع أكثر، لكني أرى أن غالبية الأفلام تختار المهرجان الذى يحقق لها الرواج والزخم الأكبر، ولذلك أكثر الأفلام تذهب إلى مهرجان «كان» السينمائي لأن لديه قوة توزيع كبيرة، والجونة أصبح لديه قوة مماثلة فى المنطقة العربية.

ومنذ البداية لم نتعامل مع أنفسنا باعتبارنا مهرجاناً ثرياً، فنحن نتناقش فى كل قضية، ونحدد ميزانية مناسبة، ولدينا استخدام مقنن ورشيد للمال، وبالتالى لا مقارنة بين ميزانيتنا وميزانية مهرجان «البحر الأحمر»، التى يتردد أنها تصل إلى 30 مليون دولار فى الدورة الافتتاحية التى تقام فى ديسمبر، وهذه الميزانية بالنسبة لنا كبيرة جداً، على الأقل توازى 7 مرات ميزانية الجونة، ولكني أؤكد بعيداً عن اللغط والخلط في ميزانية المهرجانات السينمائية، أن برنامجنا هذا العام يؤكد أننا أصبحنا على أرض ثابتة، ولا يوجد مهرجان آخر مهما كان ثرياً يستطيع منافسته فى المنطقة، أو يسلب منه قوة الجذب التى يتمتع بها، سواء على مستوى البرنامج أو الضيوف.

وفي كل الأحوال وجود أى مهرجان جديد فى المنطقة العربية قوة وإضافة لباقى المهرجانات العربية، لأنه يساهم فى أن يعرف العالم أن المنطقة العربية ليست بالصورة التى يتصورونها، فحضور ضيوف من العالم إلى جدة يعكس صورة حقيقية بأنها ليست خيمة والجونة ليست صحراء، والقاهرة لا يركب ساكنوها الجمال.
كما أن أى سوق جديدة تنعكس بشكل إيجابى على المنطقة العربية بأكملها، فعلى سبيل المثال قبل السينما السعودية كانت نسبة العالم العربي 2% فقط من حجم التوزيع الدولى، وبعدها أصبحنا نشكل أكثر من 4% وهذا إيجابى على كل المستويات.

وبالتالي يمكن تلخص كل ما سبق، في أن أي تواجد لمهرجانات أخرى ناجحة سينعكس بشكل واضح جدًا وإيجابي على نجاح المنطقة لأنه سيضيف وزنًا جديدًا إلى وزنها. زيارة صناع الأفلام العالميين لأي مهرجان يقام في المنطقة العربية يزيل حاجز الغربة والاغتراب ويصحح بالتدريج التصورات السلبية عن منطقتنا، كما يزيد الاهتمام بالمنطقة العربية ولغتها.

 ـ في الدورة الجديدة لمهرجان الجونة قررتم الاحتفاء بالمخرج الأيقونة كريستوف كيشلوفسكي من خلال برنامج خاص لعروض أفلامه الأبرز، ومعرض صور، وحفل موسيقي. لماذا كيشلوفسكي؟

أولًا أحب الإشارة إلى أن مهرجان الجونة هو مهرجان دولي يقع في المنطقة العربية وفي مصر. هناك منحى بالتأكيد نحو استحواذ كل ما هو مصري وعربي على المساحة الأكبر من المهرجان بحكم الوجود الجغرافي. لكن من المهم أن لا ينسى المرء أنه في النهاية مهرجان دولي في المنطقة العربية. لهذا فإن برامجنا الاحتفائية متنوعة من أنسي أبو سيف لفيليني، ومن إحسان عبد القدوس ويوسف شاهين لكيشلوفسكي. نحتفي هذا العام بواحد من أباطرة السينما، المؤثر جدًا على المستوى العالمي والمقدر عربيًا. وهناك عامل آخر يتمثل بترميم شركة فرنسية إم كادو (MK2) لمجموعة من أفلامه، وبالنسبة لأي مهرجان سينمائي، هناك اهتمام ورغبة دائمة لتوفير فرص نادرة أمام جمهوره لمشاهدة تلك الأفلام المرممة على شاشة كبيرة.

ـ يتضمن برنامج التكريمات اسم النجم أحمد السقا، الذي ينتمي لجيل النجم محمد هنيدي المكرم بالدورة الرابعة للمهرجان. ما السر وراء الاهتمام بهذا الجيل تحديدًا؟

المسألة لا تتعلق بجيل وإنما نحن نحتفي بأشكال سينمائية مختلفة. في العام الماضي كان الاحتفاء بالكوميديا وهذا العام نحتفي بسينما الحركة. بشكل عام أتصور أن هناك في مصر على وجه الخصوص العشرات من الأشخاص المستحقين للاحتفاء بهم، وهناك أسباب عديدة للاحتفاء بكل شخص من هؤلاء، وهناك بعض الأسباب التي قد تعيق احتفاءنا بهم. مثلًا كون النجمة يسرا ضمن اللجنة الاستشارية العليا لمهرجان الجونة يمنعنا من الاحتفاء بها رغم أنها الأكثر استحقاقًا للتكريم باعتبارها واحدة من أبرز الفنانات المؤثرات على أجيال وليس على جيل واحد. وهناك آخرون قد تم تكريمهم في هذا المهرجان أو ذاك، لهذا نحن نرغب في منح فرص لأسماء أكثر. أحمد السقا ممثل سينمائي محبوب ومن خلاله نحيي سينما الحركة لكن هناك عشرات المبررات الأخرى لاختياره. على نفس المنوال يكرم المهرجان النجم الفلسطيني محمد بكري، ليس لكونه رائدًا في السينما الفلسطينية فحسب، بل لكونه واحدًا من أبرز السينمائيين العرب. بكري مخرج وممثل سينمائي ومسرحي، وهو من بين الممثلين العرب القلائل الحاضرين في السينما العالمية. النقطة الأساسية في اختيار الشخصيات المكرمة هو أن يكون الشخص مستحقًا للتكريم وألا يكون خارجًا عن دائرة الاستحقاق، أما عن دلالات الاختيار فكل شخص سيجد دلالاته الخاصة في كل اختيار. على الصعيد الدولي نشعر بنصر كبير لتكريم المخرج الأمريكي دارين أرونوفسكي وهو واحد من أهم المخرجين السينمائيين في الوقت الحاضر.

ـ ما الجديد الذي يعد به مهرجان الجونة في دورته الخامسة؟

بالتأكيد كما ذكرت فأن الروح التي نعمل بها في كل دورة من دورات المهرجان هي روح متجددة تنطوي على الكثير من الطموح والشغف تضاف إلى الخبرات التي نكتسبها على مر السنوات. في الدورة الخامسة للمهرجان تضاف لمسابقاته مسابقة أفلام البيئة وهي مسابقة جديدة، وسيكون لدينا لأول مرة لجنة تحكيم لأفلامها. عندنا خمسة أفلام مرتبطة بقضايا البيئة في برنامج هذا العام. الفكرة أطلقت في العام الماضي من خلال ندوة تضمنت عرض أحد الأفلام، وجرى العمل بها ابتداء من دورة 2021 وستستمر مستقبلًا، كما نستضيف هذا العام برنامج حكايات طائر الشمس الذي سيدعم مجموعة من الأفلام القصيرة المعنية بالأطفال والشباب، وفي السنوات الثلاث القادمة سيقدمون جوائزهم في ورشة عملهم النهائية، ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، وإلى جانبها هناك مسابقة خالد بشارة التي تطورت هذا العام لتكون مختصة بمشاريع الأفلام القصيرة حيث وصلنا 120 مشروع فيلم مصري قصير. والمسابقة برأيي واحدة من الإضافات المهمة الكبيرة لأنها أتاحت للمهرجان إقامة علاقات جديدة مع وسط سينمائي كان من الصعب عليه الوصول إلى مهرجان الجونة.

تغير آخر حصل هذا العام يتعلق بالجائزة التي يمنحها الاتحاد الدولي لنقاد السينما «فيبريسي» حيث تم الاتفاق أن يتحول توجهها لتقدم جائزة للأعمال الأولى لصانعهيا في قارتي آسيا وإفريقيا، في الوقت الذي كانت تُقدم فيه تلك الجائزة في السنوات الماضية لأفضل فيلم عربي.

ـ لماذا تم تغيير موعد إقامة مهرجان الجونة السينمائي من سبتمبر إلي أكتوبر هذا االعام، هل هو تغيير مؤقت، أم ستكون كل دوراته المقبلة في شهر أكتوبر؟  

بعد أن أجبرتنا كورونا العام الماضي، لأن يكون موعدنا في أكتوبر بدلاً من سبتمبر، وجدنا أنه الموعد الأفضل على أكثر من مستوى، لأن المناخ في مدينة الجونة يكون في أحسن أحواله، كما أن هذا الموعد يأت بعد فينسيا وتورنتو وسان سيباستيان بفترة زمنية مناسبة، وهذا يمنحنا فرصة لكي نسيطر على الأفلام الموجودة فيها، ونكون أسبق من أي مهرجان آخر في عرضها، وبالتالي أكتوبر سيكون الموعد الثابت والدائم للمهرجان في السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى