انتصار دردير تكتب: تجاوزات «الشيخ جاكسون» هل تستوعبها الرقابة عند عرضه تجارياً؟
ـ انتصار دردير
مثل الطفل بطل فيلمه «لامؤاخذة» الذي أخفي هويته المسيحية خوفاً من اضطهاده من قبل زملائه بالمدرسة يأتي أحدث أفلام المخرج عمرو سلامة «الشيخ جاكسون» ليكشف أسرار طفولة الشاب المتزمت التي دفعت به إلي ذلك الإتجاه الذي يحرم الغناء ويدخل في نفق الحيرة والخوف من عقاب الله، فيتجه إلي مزيد من التزمت الذي قد يدفعه في لحظة إلي الإنفجار..
يؤمن سلامة الذي شارك في كتابة الفيلم كعادته بأهمية استدعاء الماضي لفهم الحاضر فما انتكاسات الحياة إلا نتاج عذابات الطفولة.
«الشيخ جاكسون» هو ذلك الشاب الحائر بين ما يحبه وما يواجهه من أزمات نفسية خلال طفولته تدفعها إحداها للانفتاح علي الدنيا بكل براءته ومشاعره البكر وحبه لزميلته بالمدرسة ولأغنيات مايكل جاكسون التي وقع في غرامها ورقص علي موسيقاها، وبين فساد الأب وتزمت الخال يجد نفسه في مواجهة الأقوي تأثيراً علي نفسه وروحه، فيرضخ لتأثير خاله ذا التوجه المتزمت، ويتزوج وينجب ملتزماً وزوجته المنتقبة وطفلته الصغيرة التي يفرض عليها الحجاب، ويصدم حين يشاهد مقطع فيديو راقص للمطربة بيونسيه علي جهاز الكمبيوتر الخاص بها، فيحاول وزوجته توجيهها لسماع الأغاني الدينية التي يغنياها معاً خلال توصيلهما لها للمدرسة.
بين الماضي والحاضر ومن خلال المونتاج المتوازي يتنقل المخرج ببطله ببراعة من الطفولة إلي الشباب، منذ حياته البريئة التي كانت مفعمة بالأمل في وجود الأم التي تمثل نقطة الاستقرار لديه، حتي أنها تبوح له بإعجابها مثله بمايكل جاكسون ومع فقدانها لإصابتها بأزمة تنفسية، يجد نفسه في مواجهة أب فاسد يقيم علاقاته النسائية دون اعتبار للابن المراهق فيكون البديل الارتماء في حضن خاله المتزمت الذي ينجح في إقناعه بتوجهه الديني ويعمل معه في ترويج شرائط الدعاة التي تنتقد المجتمع الدنيوي، ويصبح بطلنا خالد إمام مسجد يؤم المصلين ويخطب فيهم ذات التوجه رغم صغر سنه.
التحول في حياة الداعية الشاب الذي بدا قانعاً بحياته، يحدث حينما يسمع خبر رحيل المطرب مايكل جاكسون، فيصدمه الأمر وهو يقود سيارته وتتحطم جراء صدمته،
فتتفاقم أزمة البطل ويطارده شبح جاكسون وهو يؤم المصلين، فيتلعثم وهو يقرأ الآيات القرآنية، كما يطارده وهو يلقي الخطبة ويجده جالساً بين الحضور فيزداد تلعثمه وهوسه، ويتجه لطبيب نفسي رافضاً تدوين اسمه بين المرضي ويتفاجأ بأنها طبيبة، فيتردد ثم يبوح بمكنون أزماته من الطفولة إلي الشباب.
يندمج أحمد الفيشاوى مع شخصية البطل خالد الشهير بالشيخ جاكسون ويصل الاندماج معه إلي حد التوحد، فلا يفلت منه مشهد ولا لقطة ولا تتصور ممثلاً بديلاً له، وربما كان ماعاشه في فترة سابقة من حياته تلامس بقدر أو بآخر مع جانب من شخصية البطل، ليس هو فقط بل أن المخرج عمرو سلامة أشار إلي ذلك في حياته هو شخصياً. وقد برع الفيشاوى في تجسيد حالة التناقض التي يعيشها الشيخ، كما برع أحمد مالك في تجسيد الشخصية الشيخ في مراهقته وبدا ممسكاً بخيوطها ببراعة.
تكتمل سلسلة روعة الأداء بهذا الموهوب الاستثنائي ماجد الكدواني الذي يقف بأداء راسخ أمامهما في شخصية الأب، وبراعة محمود البزاوي في شخصية الخال،
وتضفي كل من درة «الأم» وبسمة «الطبيبة النفسية» وياسمين رئيس «حب المراهقة» وأمينة خليل «الزوجة»، حضوراً لافتاً رغم قصر أدوارهم لإفساح الطريق أمام البطل وقضية الفيلم الرئيسية التي تبدو وكأنها ترمي إلي بعض الدعاة الجدد.
يأتي مشهد نهاية الفيلم ليثير كثير من التساؤلات حول مصير الشيخ، الذي يبدو أنه لم يتخلص من عشقه للحياة ولا جلبابه الذي يكشف توجهه الديني، فيرقص في مشهد بارع وهو يرتدي الجلباب ويتمسك بلحيته بينما يعيش لحظة من السعادة مع أغنيات مطربه المفضل، وقد لعب مونتاج أحمد حافظ دوراً حيوياً في تدفق المشاهد وساهمت موسيقي هاني عادل في تأكيد حالة التشتت التي يعيشها البطل.
الفيلم تم عرضه بمهرجان الجونة السينمائي دون تدخل رقابي، لكن هل تستوعب الرقابة نفسها تجاوزات «الشيخ جاكسون» عند عرضه تجارياً، هذا هو السؤال؟!.