مراجعات فيلمية

بدرو المودفار في «جولييتا» يتحيز للأمهات

عبدالستار-ناجي

 الكويت ـ عبدالستار ناجي

حينما تذكر السينما الاسبانية فان اسم المخرج بدرو المودفار يأتي في مقدمة تلك الاسماء لأسلوبه الطبيعي واحترافيته في الذهاب الى موضوعات وقضايا مثيرة للجدل.

وعبر مشواره الثري بالأعمال والنتاجات السينمائية التي اوصلته للفوز بأوسكار افضل فيلم اجنبي عن فيلمه «السارق» نشير الى عدد متميز من الاعمال ومنه «التعليم السيء» 2004 و «من أجل امي» 1999 و «كيكا» 1993 و «الكعوب العالية» 1991 و «ماتادور» 1986 وغيرها من الأفلام التي رسخته مبدعا يمتلك بصمته حيث اعماله السينمائية دائما ثرية بالالوان المشرقة كما هي شمس اسبانيا المشرقة.

في أحدث اعماله «جولييتا» يأخذنا المودفار الى حكاية السيدة جولييتا ايما سواريز. تعيش في العاصمة مدريد مع ابنتها انيتا ادريانا يجارتي. تمر حياتهما بمساحة من الصمت اثر رحيل سوان دانييل جارو زوج جولييتا ووالد انيتا. ورغم ان الازمات تجمع الناس الا ان هذه الازمة العاصفة ادخلت كل منهما في صمت مظلم قاس فرق بينهما حيث تقرر ان تنفصل انيتا عن امها دون ابداء أي سبب مما أزم الام وضاعف احزانها فهي من فقدت الزوج وها هي اليوم تفقد الابنة التي سهرت عليها الليالي واعتنت بها وربتها افضل تربية ومنحتها كل شيء تريده.

thumb_1381_film_film_big

ومن أجل تجاوز الذكريات تقرر جولييتا الانتقال الى الاقامة في مكان مختلف حتى لا تعود بذاكرتها الى زوجها أو حتى ابنتها العاقة. وتمضي الايام حيث تقوم جولييتا بكتابة جميع احداث قصتها وعلاقتها مع سوان وانجابها لانيتا وكم اخر من الحكايات. حتى تلتقي بفنان تشكيلي ترتبط به يحاول ان يخرجها من ظلمة الايام والعزلة السوداء وألم الوحدة والفراق ولكنها تصر ان تبقى بعيدة عن كل شئ.

ذات يوم تلتقي مع احدى صديقات انيتا التي تخبرها انها التقت بـ انيتا وان هذه الاخيرة غير سعيدة بحياتها وتعيش الألم والتعب خصوصا بعد ان انجبت طفلين وفقدت احدهما. هذا الحادث يجعل جولييتا تترقب من جديد عودة ابنتها التي تظل تحتفل في كل عام بعيد ميلادها رغم عدم حضورها.

وفي احدى جولاتها وهي تمشي هائمة تفكر بابنتها تتعرض لحادث مروري تنقل على اثره الى المستشفى حيث يحاول صديقها الفنان التشكيلي مساعدتها من اجل تجاوز الم الاصابة والم عقوق الابنة. في تلك الاثناء تصلها رسالة وللمرة الاولى من ابنتها تشير الى العنوان وهو ما تفهمه جولييتا وصديقها الفنان التشكيلي دعوة لعودة المياه الى مجاريها فتقرر جولييتا ان تسافر لها لينتهي الفيلم مع الاقتراب من المدينة التي تسكن بها جولييتا. متجاوزة كل المها ولوعة فراق الابنة التي لم تفارقها ابدا.

thumb_1374_film_film_big

الفيلم منذ اللحظة الأول يتحيز الى الأمهات بل يظل يشتغل على هذا الموضوع الذي يمثل اليوم الموضوع الابرز في العلاقات الاجتماعية في اوروبا على وجه الخصوص حيث تحولت البيوتات الاوروبية الى العاطفة الجافة وعزلة الابوين عن ابنائهم رغم كل التضحيات التي قدماها لابنائهم عبر المراحل المختلفة.

في فيلم «جولييتا» نرى فيه اللون والقضية وايضا الاداء العالي المستوى والشخصيات التي تثري الحدث بمضامين انسانية ابعد واعمق واثري. حيث يعتمد على نص كتبه بدرو المودفار نفسه وهكذا هي عادته حيث يأتي بالحكاية كذريعة لتمرير الاشكال الفنية التي يريدها وهي دائما مقرونه بلغة لونية مشرقة بالذات في مرحلة علاقة الحب بين جولييتا واسن وايضا عن انجابها وفي مرحلة العزلة والفراق ذهبت الالوان الى الرمادية والقاتمة حتى على صعيد الازياء.

thumb_1375_film_film_big

«جولييتا» فيلم ثري بالمضامين الاجتماعية والتأكيد بان اسبانيا تظل تتمتع بالاسرة المتماسكة حتى رغم عذابات البعض وهو يدعو الى تعميق قيم التلاحم الأسري حتى رغم انشغال البعض واقامة البعض الآخر في مدن مختلفة فالاسرة والعلاقات الاجتماعية والانتماء الى البيت والاسرة هي مفردات ومعان وقيم يفترض ان تظل حاضرة ونابضة.

thumb_1383_film_film_big

في الفيلم مدير التصوير الرائع جان كلود لاريو الذي عمل في عدد من اعمال المودفار وهكذا الامر مع الموسقار البرتو اجليزا الذي صاغ عددا من تحف المودفار السينمائية البارزة.

ويبقى ان نقول: سينما بدرو المودفار هي سينما الانسان بلغة فنية عامرة بالألوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى