المهرجاناتالمهرجانات العربيةمهرجان القاهرةمهرجانات

بلد تشارلي.. ومأساة اللاوطن!

 
موضوعه الرئيسي مشاكل السكان الأصليين لأستراليا
“بلد تشارلي”.. ومأساة اللاوطن!
“سينماتوغراف” ـ عمار محمود
 
فيلم “بلد تشارلي ـ Charlie’s Country“، هو التعاون الثاني بين المخرج الأسترالي رولف دي هير (Rolf De Heer) والممثل الأسترالي ديفيد جولبيليل (David Gulpilil)، واللذان تعاونا سابقا في فيلم المتعقّب (The Tracker 2002) والذي تناول أحقية السكان الأصليين لأستراليا في تولي زمام أمورهم بنفسهم، ورفضهم للتدخل القضائي للمحتلّين الجديد أو السكان الجدد.
 
ومشاكل السكان الأصليين لأستراليا هي الموضوع الرئيسي أيضا في بلد تشارلي، والذي نال عنه ديفيد جائزة أحسن ممثل في مهرجان كان في قسم (Un Certain Regard). والموضوع ذاته، أي مشكلة اللاوطن قد عانى منه المخرج في فترة من حياته، والتي عاشها في معسكر للاجئين.
 
يبدأ الفيلم بظهور بطله تشارلي (ديفيد جولبيليل) وهو في بؤرة العدسة وما حوله خارجها، ثم في اللقطات التي يتجول فيها وتظهر فيها الغابات في بداية الفيلم، يبقى تشارلي في البؤرة والمحيط خارجها، وهي التقديمة المثالية لفيلم يتحدث عن عدم انتماء تشارلي للغابة حاليا، بالرغم من ولادته فيها.
 
فعندما كان تشارلي يعيش على الطراز الغربي أي غير المحلي، الماريجوانا يوميا، والخمور دائما، والغذاء من مطاعم الوجبات السريعة، كان من المستحيل تواجد تشارلي والغابة على قدم المساواة، والقرب والانتماء.
 
وعندما تخلى تشارلي عن تلك الحياة، بدأت الكاميرا تظهر الغابة مع تشارلي، في لقطات كثيرة، لكي تكشف معاناته في الأدغال التي تغرب عنها لمدة طويلة، أهلكت جسده الذي ولد لكي يبقى فيها لا لكي يغترب.
 
 
يحكي الفيلم عن تشارلي، أحد سكان استراليا، والذي تأخذ الحكومة الأسترالية منه أرضه وأرض بعض رفقائه لكي تقيم عليها قسماً للشرطة، والذي يصادر ممتلكات أساسية في حياة تشارلي، كالسلاح الذي يصطاد به لكي يأكل، لأن الطعام الذي يوجد في مطاعم بلدته قد أضعف صحته.
 
يحاول تشارلي التخلي عن كل تلك الحاجات ويصنع أسلحته بنفسه ويغادر كوخه الذي أعطته اياه الحكومة الأسترالية، ويذهب إلى الغابات، والتي هي موطنه بالأساس، يحاول أن يتعايش فيها، لكنه لا يقدر، لأنه اندمج مع تقاليد المجتمع الحديث والتي ليس من ضمنها المغامرة والترحال، كما أنه قد أصيب بمرض في صدره من تدخين الماريجوانا.
 
يتعامل الفيلم مع أزمة فقدان الوطن، بحسرة ممزوجة بالسخرية، والتي هي طبع أساسي في نفسية تشارلي، والذي يحاول بها التغلب على جوعه وقلة حيلته بنكات يتبادلها مع أصدقائه، تكون نتاجا للموقف ذاته.
 
والمواقف المضحكة في الفيلم كثيرة جدا، إذ لا يوجد مشهد يجمع تشارلي بصديقه بلاك بيتي (Peter Djigirr) لا يختتم بنكتة.
 
حتى في المشاهد التي كان فيها تشارلي عاريا، تحت وطأة الأمطار الغزيرة في الغابات الأسترالية، كان لا يزال محتفظا بحس السخرية، عندما اصطاد سمكة، وأخذ يتراقص ويمزح.
 
المأساة التي يعاني منها تشارلي، هي مأساة حقيقية وصعبة، وحلها ليس بيده، لأن ماضيه قد تم مسحه من السكان الجدد، فمكان معيشته تم البناء عليه، وعاداته وتقاليده تم طمسها بتحجيمها ومنعها، ومستقبله لا يملكه فلا وظيفة ولا رعاية صحية جيدة تخرجه من أزمته الصحية، وهي الأزمة التي كانت قد أثيرت في الثمانينات والمشهورة باسم قضية مابو، والتي كانت لبعض المحامين الحقوقيين الذين رأوا ضرورة عدم تملك الأرض مطلقا لأن العادات المحلية لا تهتم بمسألة الحدود، والتي تم الحكم فيها بالرفض، ولا تزال حتى الآن تشغل بال العديد من صناع السينما الأستراليين.
 
كان لا بد لتشارلي العودة لنقطة البداية، لأن مقومات الابتعاد عنها لا توجد، وإن وجدت، فلا الزمان ولا المكان يساعد، فقد تغيرت بلدة تشارلي تماما، بل كل الظروف تحاول تغيير تشارلي ذاته. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى