«بيروت هولدم».. يسلط الضوء على الفئات الشعبية في لبنان
بيروت ـ «سينماتوغراف»
تضمّن التعريف بفيلم «بيروت هولدم» التالي: «يروي قصة زيكو وأصدقاء طفولته في أحياء بيروت الشعبية. يحاول زيكو إعادة بناء حياته بعد خروجه من السجن في بلد على شفير الهاوية والافلاس. ولكن في هذه المدينة، الوجود هو شكل من أشكال المقامرة والحياة اليوم تشبه لعبة الروليت، فهل تعطيه بيروت فرصته الثانية»؟
«بيروت هولدم» ينطلق في الصالات اللبنانية في 28 الشهر الجاري، فيلم روائي يمتد 97 دقيقة، بالكاد يتمكن المتلقي خلالها من التقاط انفاسه. فالمسار الدرامي للفيلم متصاعد ومتوتر، كما بطله الباحث عن أمان واستقرار في الهاوية.
اختار ميشال كمون من خلال فيلم «بيروت هولدم» تسليط الضوء على جانب من حياة بعض الفئات الشعبية في لبنان، والتي تمارس حياتها وكأنها مقامرة متواصلة. تتنوع الألعاب، إنما الحياة تتأرجح على الحافة فإما الهاوية، أو نجاح المحاولات في بناء مستقبل مختلف.
بنى ميشال كمون سيناريو فيلم «بيروت هولدم» ضمن بيئة طبيعية واقعية لأصدقاء وجيران غارقون في المراهنات والقمار. وحدها «كارول» حبيبة «زيكو» لها مسار مختلف، شقته بعيداً عن سياق الرهانات. شخصية هادئة، لطيفة للسانها لغة غير تلك المنطوق بها من قبل الأكثرية المسيطرة على الفيلم. ترحل «كارول» عازفة البيانو للعمل في الدوحة، فقد ملّت حياة حبيبها وممارساته التي تدخله إلى سجن وتخرجه من آخر.
تتواصل حوارات شخصيات «بيروت هولدم» بوتيرة عالية، ولغة ذكورية تبلغ اقصاها. حتى الطفل حفظ محطات الكلام العنيفة والمعهودة من الرجال ومن والدته كذلك، والغريب أنه يرافق الأهل إلى سباق الخيل، وكأنه في مدينة ملاهي. بظني أنه فيلم غير صالح لمن هم دون 18 سنة.
عفويون وتلقائيون ومؤمنون شخصيات عالم القمار والسباق. حتى محل القمار محروس ببركة وصورة القديس شربل. ويبدو أنهم دخلوا الدوامة ومن المستحيل خروجهم منها. بعضهم طريف في حضوره على الطاولة الخضراء. واللافت أنهم محبون بعضهم للآخر. متضامنون متكاتفون إن ألمّت بأحدهم مشكلة ما. في احتفالاتهم من أفراح وعمادة وولادة ومرض ورحيل يفيضون حباً. ومتسامحون كثيراً، وهذا ما بدا في أكثر من موقف مع «زيكو» بطل الفيلم. أهل تلك البيئة الشعبية بشر من ذوي الطينة الحسنة، ومختلفين تماماً عن أحد مالكي أحصنة السباق. فهو يفيض عنجهية وتكبراً وعنفاً وأذية.
«بيروت هولدم» شريط ضاغط بحركته وأحداثه. بدا أبطاله متصالحين مع واقعهم، وبخلاف السائد في لبنان هم «مش نقاقين».
وحين يمنح الفيلم المتلقي مساحة راحة ولطف فهي تظهر لدى لقاء زيكو بكارول، وكذلك لقاءاته بوالدته ومشهد نومها على ركبته. وأيضاً حين يذهب زيكو برفقة طفل صديقه ـ والذي انتظره والداه دهراً حتى ولد ـ «كسدورة» بالسيارة.
هي محطات رقيقة بعيدة عن عالم السباق والفيش وورق اللعب وصوت الدراجات النارية التي يتسابق راكبوها مع بعضهم وكأنهم ذاهبون إلى حتفهم. الحال يتفاقم ويتضاعف بسرعة البرق. الأمل المفقود بالمستقبل..
صورة الفيلم جميلة، وحركة الكاميرا حيوية متحركة، تماماً كما حياة الناس الذين شغلوا الشاشة. ففي المُحصّلة أدار المخرج ميشال كمون الممثلين في فيلمه بدقة كبيرة، في خطوة تلت اختيارهم، وكأنه يصنع معهم درّة نادرة. فهذه المسافة الزمنية من عمر الفيلم جمعت بارزين ورائعين في التمثيل. أسماء مؤثرة في كل عمل شاركوا به، وإن بدور صغير أو حتى اطلالة، أو ما يُسمّى استضافة. حضر روجيه عساف. واعاد ميشال كمّون نبيلة زيتوني إلى الأضواء بعد احتجاب طال، نسيت خلاله أنها شغلت الناس ولا تزال بدور «ثريا» في مسرحية «بالنسبة لبكرا شو» لزياد الرحباني. أما ذهابه إلى الجليل الفلسطيني مختاراً الممثل صالح بكري لدور البطولة أتى في مكانه بالتمام. لبس بكري شخصية لبنانية، ونطق دون اخطاء بلهجة شديدة المحلية، هذا اضافة إلى جدارته كممثل، وحضوره كشاب.
إلى روجيه عساف ونبيلة زيتوني حضر ممثلون بارزون كثر، سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وهم: عصام بوخالد، وفادي أبي سمرا، وزياد صعيبة، وسعيد سرحان، وريتا حايك، ورنا علم الدين، وميشال جبر، وأنجو ريحان، وزينة ديميليرو، ونيكول كماتو.
«بيروت هولدم»، انتاج مشترك يستعد قريباً للعرض عربياً ودولياً.