إضاءات

تاريخ السينما في قطر يرجع إلى ثلاثينيات القرن الماضي

الدوحة ـ «سينماتوغراف»

تخطو السينما القطرية بثبات لتحفر اسمها ضمن مصاف الدول الرائدة في مجال الفن السابع، بفضل عدد من المبادرات وخطط التطوير التي تستهدف النهوض بها.

وتعود إرهاصات الإنتاج السينمائي بقطر في خمسينيات القرن الماضي من خلال شركات النفط التي قامت بتصوير عدة أفلام عن الحياة في البلد.

وأكد عبد الرحمن نجدي، مدير عام شركة قطر للسينما، والمخرج والناقد السينمائي، أن السينما ظهرت بصفتها وسيلة الاتصال الأكثر إغراء وتكلفة في القرن العشرين، وفقا لتوم شيراك رئيس أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في الولايات المتحدة، حيث يمكنها التأثير على الثقافة والسياسة والقوانين والأهم من ذلك أن لديها القدرة لتغيير العالم وتحوير مجرى التاريخ.

وأشار إلى أنه في عام 1960 قام مخرج الوثائقيات البريطاني رود باكستر بتحقيق فيلم تسجيلي في مدينة الدوحة، يصف فيه عملية صيد اللؤلؤ التي كانت آنذاك، إحدى الطرق الرئيسية لكسب العيش في مدينة الدوحة، ويعرض الفيلم مظاهر التقدم في إنتاج البترول ومظاهر التطور التي حدثت في قطر.

وأضاف نجدي: “حسب ما أشار الكاتب والمخرج سمير عطاالله في كتابه السينما التسجيلية في العالم العربي نقلا عن المؤرخ الفرنسي جورج سادول في كتابه الأشهر “تاريخ السينما”، أنه يمكن اعتبار هذا الفيلم هو تاريخ ميلاد السينما في دولة قطر، وهو رأي اتفق عليه معظم كتاب ومؤرخي السينما في العالم”.

ويرى عدد من مؤرخي تاريخ السينما، أنه “يعتبر الفيلم الأول لأي بلد، هو أول فيلم صور على أرضها وسواء كان مخرجه من مواطني البلد أو من الأجانب، وبالتالي فالأفلام السينمائية لأي بلد هي الأفلام التي صورت على أرضها أيا كانت لغة الفيلم المكتوبة في السينما الصامتة أو المنطوقة في السينما الناطقة، وأيا كانت جنسية رأس المال، أو جنسية المنتج أو المخرج. وبالتالي أصبح جزءا من ثقافة هذا البلد”.

وقال مدير عام قطر للسينما: “إذا سلمنا بالرأي الشائع بأن دخول السينما في منطقة الخليج ارتبطت بظهور البترول ووفود العديد من شركات التنقيب الأجنبية لقطر وتقديمها للعاملين بها، فالراجح أننا نعود للنصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي، وقتها كانت نسخ الأفلام التي يتم جلبها قاصرة على مقاس 16 مم. ومع توسيع هذه الشركات لنطاق أعمالها خاصة في مناطق مثل دخان ومسيعيد، وإقامة العديد من المجمعات السكنية والمعسكرات للعاملين فيها، وإنشاء عدد من الأندية الخاصة للعاملين في صناعة النفط في مدينة الدوحة. إذ كانت السينما هي وسيلة الترفيه الوحيدة المتاح توفيرها لتزجية الوقت في ذلك الزمان، وتدريجيا بدأت السينما تفرض سطوتها، وكان من الطبيعي أن تتوسع بعد أن اختبرها أهالي قطر ووجدوا فيها وسيلة ترفيه غير مسبوقة. حينها بدأ بعض من وجهاء القوم في جلب ماكينات عرض سينمائي خاصة من مقاس 16 و8 مم لمشاهدة الأفلام المصرية والهندية بكل ما تحمله من قصص درامية وعاطفية وأداء مؤثر من يوسف وهبي وفاطمة رشدي ودوليب كومار وغيرهم في مجالسهم الخاصة قبل انتهاء حقبة الخمسينيات”.

وأضاف: “في منتصف ستينيات القرن الماضي توسعت مشاهدة الأفلام لتشمل قطاعات أخرى من الجمهور في قطر بعد أن أصبحت الأفلام تعرض في عدد من الكراجات والحوطات، وبعض البيوت المستأجرة في مدينة الدوحة، وكذلك في حوش نادي النصر”.

وتابع: “وفقا للسيد أحمد ناصر عبيدان (أحد المؤسسين ورئيس مجلس الإدارة السابق لشركة قطر للسينما)، فإن شخصا يدعى (بشارة) لبناني الجنسية كان يعمل عند الشيخ ناصر بن خالد هو أول من بادر بجلب علب الأفلام من الخارج عام 1968، وكان يملك عددا من ماكينات العرض السينمائي 16 و8 مم يتنقل بها ويأجرها للأندية وعدد من البيوت المستأجرة، وفي نادي النصر ويأخذ ريالا واحدا كأجرة مشاهدة”.

ونتيجة لهذا الحماس بادر السيد سلطان بن سيف العيسى باستئجار قطعة أرض في الزاوية الشرقية لدوار “المجنون” ، وبنى عليها صالة سينما الأندلس. وكانت مكشوفة بعدد من الكراسي وشاشة وحجرة لآلة العرض (بروجكتر). وكانت أحيانا تعرض فيه اسكتشات إسماعيل يس وشكوكو.

وفي نهاية ستينيات القرن الماضي، تقدم عدد من الناس في قطر بطلب لإنشاء شركة مساهمة عامة للسينما تحت إشراف ومراقبة الدولة، وبالفعل تم عقد اجتماع لعدد من التجار في مدرسة الدوحة الثانوية، وهكذا تم تأسيس شركة قطر للسينما. وتم شراء صالتين سينما كبداية، وقال نجدي: “بدأنا أولا بالتفاوض لشراء سينما أمير والأندلس، واشترينا سينما أمير بمبلغ 280 ألف ريال مع الأرض، وسينما الأندلس بما يقرب 140 ألف، واشترينا أرض السينما الحالية بمبلغ 440 ألف ريال، وجلبنا مهندسين عراقيين لتصميمها، وأول رئيس لمجلس إدارتها كان سعادة الشيخ جاسم بن خالد آل ثاني، وهكذا بدأت السينما في قطر”.

وأوضح الناقد عبدالرحمن نجدي، أن إنشاء إدارة للإعلام عام 1969 وافتتاح تلفزيون قطر سنة 1970، ثم قيام وزارة الإعلام القطرية سنة 1974، ثم إنشاء وحدة للفيلم الوثائقي تابعة لتلفزيون قطر سنة 1981، والتي أشرف على إدارتها المخرج الراحل إسماعيل خالد، ساهم في تحقيق مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة والقصيرة، حيث اتخذت تلك الأفلام عدة أشكال تراوحت بين أساليب المعيشة التي ارتبطت بالبحر في ذلك الزمان، والتقاليد التي ميزت المجتمع القطري، كما كان للمسائل الفنية أهمية بالغة.

ويعدد الناقد نجدي عددا من الأفلام في الموضوع من قبيل فيلم /الشراع/ (1967)، من إنتاج تلفزيون قطر، وإخراج محمد نبيه وبطولة علي حسن وأمينة محمد، والذي تدور قصته حول العلاقة بين الإنسان والبحر الجامح، وتتابع قصة أسرة قطرية ارتبط مصيرها بالبحر، فضلا عن إبراز الصراع بين ثلاثة أجيال “الجد، الابن والحفيد”، وحصد الفيلم جائزة مهرجان شاليمار الدولي.

وذكر أيضا فيلم /الغوص/ (1980)، الذي حققه المخرج إبراهيم الصباغ، وهو من أهم أفلام تلك الحقبة، سجل فيه تفاصيل رحلة الغوص، التجهيزات، الغواصين في بحثهم عن المحار في أعماق البحر، ثم استخراج اللؤلؤ ووزنه. بالإضافة إلى فيلم /الدانة/ (1981) من إخراج إبراهيم الصباغ، وبطولة وداد عبداللطيف وسعد البورشيد، ونال الفيلم جائزة أفضل فيلم في مهرجان قرطاج للفيلم التلفزيوني عام 1982.

كما سرد عددا من الأفلام، وأهمها فيلم /الفنون التشكيلية/ (1985)، وهو بانوراما حية تؤرخ لمسيرة عدد من رواد الفن التشكيلي في قطر، وتعكس التطور المدهش للرصيد التشكيلي لذاكرة وطن تجسدت في عدد من مبدعيه ورواده أمثال يوسف أحمد، والراحل جاسم زيني وحسن الملا وغيرهم. حيث عرض الفيلم لخلفياتهم الاجتماعية والثقافية، والآليات التي جعلتهم رسامين.

ونوه مدير عام شركة قطر للسينما إلى أن هذه الأفلام، أرست مع اختلاف الرؤى والطموحات، الفرصة لرؤية قطر في مرحلة هامة من تاريخها الحديث، حيث ينسب إليها شرف الحفاظ على ثقافة تلك الحقبة المجيدة من تاريخ دولة قطر، وفي نهاية المطاف يصبح الحفاظ على تلك الأفلام وترميمها مسألة قومية.

وأشار إلى أنه مرت سنوات وحركة السينما كانت شبه متوقفة، وخصوصا فترة ما بين منتصف ثمانينيات القرن الماضي وحتى نهاية التسعينيات.. ومع مطلع الألفية الحالية، كانت السينما حاضرة بقوة إثر عودة جيل من الشباب القطري الدارسين لفنون وعلوم السينما في أمريكا ومصر وغيرها، حققوا بالفعل مجموعة من الأفلام السينمائية الواعدة نالت عددا من الجوائز والتكريمات، ووضعوا سينماهم على الساحة الإقليمية الدولية، إذ كادت أن تبعث الحياة في مشروع السينما الذي انطلق في سبعينيات القرن الماضي، ولكنها الأخرى لم تواصل نشاطها بنفس الحماس الذي بدأت به. وأرجع ذلك إلى عدد من الأسباب، من بينها، أنه “ربما لم تتوفر لها جهة تتبنى مشروعهم السينمائي في خلق سينما تعالج بصدق وشفافية مواضيع مشاكل وطموحات الإنسان القطري وتؤكد على الهوية القومية لهذه السينما. لكنهم في نهاية المطاف قنعوا بالوظيفة الحكومية وتركوا أحلامهم في صناعة سينما ولو إلى حين.

وفي ذات السياق، قال المخرج والناقد عبدالفتاح نجدي: “في الوقت الذي بدا فيه أن آخر أفلام المخرج القطري خليفة المريخي /عقارب الساعة/، وهو أول فيلم قطري روائي طويل من إنتاج وزارة الثقافة، سيكون نقطة الانطلاق لصناعة سينما لا تنقصها الإمكانيات المادية والبشرية. لكن الواقع أن هذا الإنجاز لم يفتح الباب لصناعة سينما منتظرة رغم الترحيب الذي وجده الفيلم في الشارع القطري”.

وتدور أحداث الفيلم في ثلاثينيات القرن الماضي ويتابع قصة المغني والطبال سعد بن خلف الذي يعمل في تجارة الساعات القديمة في سوق واقف، وأحد الفنانين الذين ساهموا في اكتشاف فن الفجري في قطر. إذ لاقت اللمسة الإنسانية الدافئة للفيلم نجاحا جماهيريا ملحوظا، وشارك في بطولة الفيلم كل من علي حسن، علي ميرزا، ميساء المغربي.

وأكد أن عددا من صناع الأفلام الشباب، ساهموا في تحرير السينما من القيود التي كانت تكبلها بعد عودتهم من دراسة فنون وعلوم السينما بالخارج، ونجحوا في تحقيق أفلام وثائقية وروائية قصيرة حققت العديد من النجاحات، وبرهنت على قدرة هؤلاء الشباب إن وجدوا الدعم والتشجيع على وضع قطر على خريطة السينما العالمية، وأكثرهم عطاء على سبيل المثال لا الحصر، المخرج المميز حافظ علي (1957) الذي حقق أفلاما مميزة مثل سائق الأجرة، ليلة القرنقعوه، وجوه قطرية، عودة المها، وفيلم عبق الظلال وهو تكريم لتاريخ السينما القطرية وصالات سينما الخليج والدوحة الرائدة التي وضعت الأساس لدور السينما العصرية في مدينة الدوحة، مستعرضاً من منظور تاريخي التأثير الذي تحدثه السينما في مشاهديها.

وبخصوص التطورات المتلاحقة في صناعة السينما والمشهد الحالي، قال عبدالرحمن نجدي: “لقد تطورت حركة المشاهدة السينمائية في قطر في الثلاثة عقود الأخيرة بشكل لا يصدق، إذ تحول جمهور السينما من جمهور مبهم وسلبي، إلى جمهور يشاهد الأفلام العالمية في نفس تاريخ افتتاح عروضها عالميا. كما أن التردد على صالات السينما أصبح أمرا مألوفا في مدينة الدوحة في العقدين الأخيرين. وبلغ ذروته في السنوات الأخيرة بعد أن قامت العديد من شركات الأفلام في المنطقة بفتح فروع لها في مدينة الدوحة حيث وصل عدد الصالات قرابة 200 صالة. كاشفا أن جمهور السينما أغلبه من الفئات العمرية (12ـ22) عاما، وفي مثل هذه السن تلعب السينما دورا جوهريا في تشكيل وعي مشاهديها. إذ يشكلون نسبة تصل إلى (55ـ 60 بالمئة) من مشاهدي الأفلام، داعيا في الوقت نفسه، أولياء الأمور إلى الانتباه أن الفئات العمرية التي يتم تحديدها يجب أن تشاهد فقط أفلام التي تتناسب مع سنها.. وهنا تأتي ضرورة الالتزام بتصنيفات الأفلام العمرية والتي يواجه فيها مشرفو الصالات مقاومة من أولياء الأمور.

واختتم نجدي حديثه بالاستشهاد بقول الكاتب والناقد هنري فورمان، إن “السينما تصنع الأطفال”، حيث إنه في كثير من الدول أصبحت نوعا من النظم التعليمية ونافذة اجتماعية، وأفلام الأطفال يجب أن ينسجم مضمونها مع حياتهم وواقعهم ومشاكلهم اليومية.

جدير بالذكر أن مؤسسة الدوحة للأفلام، من الجهات الرائدة التي تقوم بتكريس أعمالها لتحسين الذائقة السينمائية، وإلقاء الضوء على التعليم وإضفاء الحيوية على مختلف أساليب صناعة الأفلام، وذلك بتمكين وتعزيز إمكانيات كتاب السيناريوهات والقصص في المنطقة في الوقت الذي تحافظ فيه على طابعها العالمي من حيث المحتوى والمضمون.

وبتأكيدها على مفاهيم الثقافة والمجتمع والتعليم والترفيه التي تدخل في صلب أعمالها، فإن مؤسسة الدوحة للأفلام تشكل مركزا شاملاً لصناعة السينما والأفلام في الدوحة، ومورداً هاماً في المنطقة وباقي بقاع العالم. وذلك بإيمانها بتأثير السينما على القلوب والعقول، ودائماً ما تشير إلى أن “الأفلام هي الحياة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى