المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد

تحفة فنية سينمائية أردنية… يحققها ذيب في أبوظبي السينمائي

لن يخرج بدون غلة وفيرة من الجوائز
تحفة فنية سينمائية أردنية… يحققها «ذيب» في «أبوظبي السينمائي»
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي ـ بشار إبراهيم
 
هذه المرة، لم يكن ما قيل عنه بلا معنى، أو على أيّ قدر من المبالغة، إذ كشف العرض العربي الأول للفيلم الأردني «ذيب»، للمخرج الشاب ناجي أبو نوار، الذي جرى مساء يوم الأحد 26 أكتوبر 2014، عن حقيقة هذا الفيلم الجميل، المبدع، الجريء، الممتع، الذي يمكنه ببساطة أن ينافس على الذروة الإبداعية لما حققته السينما الأردنية، في أكثر من نصف قرن مضى من عمرها.
 
يمكن للمتابع أن يلتفت إلى الوراء سنوات قليلة فقط، لينتبه إلى أن السينما الأردنية قدّمت، في العقد الأخير، مجموعة من التجارب السينمائية الجديدة. «كابتن أبو رائد»، لأمين مطالقة (2007)، الذي نال مخرجه جائزة «شخصية العام السينمائية في الشرق الأوسط»، من الدورة الثانية من «أبوظبي السينمائي» (2008). «مدن الترانزيت»، لمحمد الحشكي (2010)، الفيلم الذي بجائزة التحكيم الخاصة في «مسابقة المهر العربي» في «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، عام 2010، وجائزة «الاتحاد الدولي لنقاد السينما» (فيبريسكي)، في الدورة ذاتها. «فرق سبع ساعات» لديما عمرو (2011).
 
قبل ذلك بوقت وافر، كانت تجربة فيلم «حكاية شرقية»، بإخراج نجدت أنزور (1991)، وبطولة محمد قباني، وجميل عواد، وجولييت عواد، والتي ساهم بكتابتها السينمائي عدنان مدانات عن رواية لهاني الراهب، أُريد منها القطيعة عن البدايات المرتكبة التائهة، منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي.
 
هذه المرة، يأتي المخرج السينمائي الشاب الأردني ناجي أبو نوار ليكسر كثير من الأنماط المعهودة، ويحقق فيلماً سينمائياً مدهشاً.
 
أولاً: يكسر أبو نوار فكرة أن الموضوع البدوي صالح فقط للدراما التلفزيونية الشهيرة، و«سواليفها» المستقرة، من «رأس غليص» إلى «وضحة وابن عجلان»، وحكايات الشرف والعار.
 
ثانياً: يمرّ الفيلم برشاقة ومهارة بمحاذاة «لورانس العرب»، دون أن يشابهه أو يقتديه، حتى وإن كان يذهب إلى أجواء وحوادث لا تبعد عنه، خاصة وأن الفترة الزمنية التي تدور فيها حكاية «ذيب»، و«لورنس» هي ذاتها.
 
ثالثاً: تتبدى مهارة المخرج الشاب في قدرته على سرد حكاية مثيرة، وإدارة ممثلين مبدعين، لا سابق خبرة لهم في التمثيل، خاصة الطفل «ذيب» (بأداء ممتاز من الفتى جاسر عيد)، بكثير من الاقتصاد، عززته الرؤية الإخراجية التي عرفت اختيار زوايا التصوير، ومنظور اللقطات، وأحجامها.
يتحوّل «ذيب» في كثير من لحظاته إلى فيلم ملحمي، ذي صبغة عالمية. يأخذ من نكهة الـ«ويسترن» شيئاً، ومن نوع فيلم الطريق «رود موفي» أشياء أخرى، ومن مباغتات الصدفة والمفاجأة أشياء، ومن القدرات الخارقة قدراً غير بسيط، ليمزجها معاً، في سبيل الانتهاء إلى فيلم يتوفر فيه قدر من التشويق، والتسلية، والإثارة، والمغامرة، دون أن يتخلى عن فنياته البادية على مستوى التمثيل، والتصوير، والمونتاج، والموسيقى.
 
 
فيلم «ذيب». فيلم احترافي حقيقي. فيلم ستنسى دائماً أن من يقف خلفه مخرج شاب، في أول أفلامه الروائية الطويلة. فيلم «ذيب» يأخذك بسحر إلى عوالم زاهية مع  أبطال لم تشاهدهم من قبل على شاشة السينما بهذا الحضور، والتلقائية والعفوية. ولا تتوقع أن يأخذوك ببساطة هذه الحكاية، التي كما هي بسيطة، وربما ساذجة، كذلك عميقة، وذات مغزى بعيد المدى.
 
ربما يكون العيب الوحيد في الفيلم أنه كان أصلاً فيلماً روائياً قصيراً، وتدحرج بالتطوير والاشتغال عليه إلى أصبح فيلماً روائياً طويلاً. هذا فيلم، ربما كان من 15 دقيقة، وتطوّر إلى أن أصبح من 100 دقيقة. وما بين الحالتين جرى العمل على بلورته وتطويره، بالاعتماد على خبرات متعددة، سنرى أثرها واضحاً، في التصوير والمونتاج، دون أن ننسى أن أبو نوار ذاته هو نتاج تمازج ثقافي أردني إنجليزي.
 
فيلم «ذيب»، الذي نال في عرضه العالمي الأول جائزة أفضل مخرج من مسابقة «آفاق جديدة» (أوريزونتي)، في مهرجان فينيسيا (صيف 2014)، والذي شهدنا عرضه الدولي، والعربي، الأول خلال الدورة الثامنة من «مهرجان أبوظبي السينمائي»، والحائز على دعم من صندوق «سند»، في مراحل التطوير، وما بعد الإنتاج، يثبت أن الإمكانيات السينمائية في البلدان العربية الهامشية الحضور السينمائي قادرة على التقدم إلى متن هذا الحضور والمنافسة بقوة.
 
ويقيننا أن «ذيب» لن يخرج من الدورة الثامنة من «أبوظبي السينمائي»، بدون غلة وفيرة من الجوائز، إن وقع هوى لجنة التحكيم على إيقاع هوى الجمهور والنقاد.. وهوانا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى