إضاءات

تقرير يفضح قبضة المؤسسة العسكرية الأمريكية على أفلام هوليوود

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

نشر موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت»  تقريراً أعدَّه ديفيد سافيليف، الباحث في برنامج دراسات روسيا وأوروبا الشرقية بجامعة أكسفورد، والذي يغطي الاحتجاجات والسياسات الثورية، سلَّط فيه الضوء على العلاقة التي تربط بين أفلام هوليود وبين المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة.

في مستهل تقريره يشير الكاتب إلى أن فيلم  Eternalsأحدث إنتاج من سلسلة أفلام مارفل السينمائية (التي تُركز على الأبطال الخارقين) قد أثار ضجة كبيرة بسبب إشكالية تصويره لانفجار قنبلة هيروشيما، وأشعل من جديد فتيل الانتقادات الموجَّهة إلى عالم مارفل السينمائي بشأن تعاونه مع «وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)»؛ مما يكشف عن الكيفية التي تترسَّخ من خلالها الدعاية العسكرية في الثقافة الأمريكية الشعبية.

ويوضح التقرير أن فيلم Eternals يضم مجموعة من البشر الخارقين الذين يعيشون على كوكب الأرض على مر العصور، ويُؤثرون أحيانًا على سير الأحداث عبر التاريخ. وقررت «أستوديوهات مارفل» أن تجعل أحد أبطال هذا الفيلم مسؤولًا عن القصف الذري لليابان. ويُظهر الفيلم على ما يبدو شخصية فاستوس، أحد الأبطال الخارقين في الفيلم، وهو يقف على أنقاض هيروشيما، ويصيح قائلًا: «ما الذي اقترفته»؟

ولفت التقرير إلى أن العديد من النقاد أعربوا عن اعتراضهم على أن تُصوِّر سلسلة مارفل السينمائية أول شخصية من ذوي البشرة السوداء ومثلي الجنس على أنه «مجرم حرب»، بالإضافة إلى إقحام مارفل نفسها في منطقة الصدمة التاريخية الحقيقية. بينما أشار بعضهم إلى العلاقة الطويلة والمثمرة بين أستوديوهات مارفل والبنتاجون. بل دفعت هذه السخرية جيمس جان، مخرج سلسلة أفلام مارفل، إلى توبيخ النقاد ومهاجمتهم على «تويتر»، قائلًا: إن أفلامه لم تكن بحاجة إلى «الحصول على موافقة المؤسسة العسكرية الأمريكية» وعندما يتطلب الحصول على موافقة تكون المؤسسة العسكرية «متساهلة جدًّا» حيال ذلك.

لكن قراءة المؤسسة العسكرية الأمريكية للسيناريو والموافقة عليه وتعديله في واقع الأمر هي ممارسة معتادة في هوليود. ويوافق المنتجون على ذلك حتى يتسنى لهم استعارة المعدات العسكرية وأفراد الجيش من أجل التصوير؛ مما يُوفر ملايين الدولارات التي تُنفَق على الدعائم، والإكسسوارات، والصور، والمناظر الطبيعية المنشأة بالكمبيوتر. ولا يُعير الجيش الأمريكي معداته سوى للأفلام التي لا تسيء إلى المؤسسة العسكرية.

ويقول ممثل عن مكتب الاتصال التابع للبنتاجون: «إن الموافقة العسكرية لا تُمنح إلا إذا كان الفيلم يُصوِّر المؤسسة العسكرية على نحو صحيح. لكن أي فيلم يُصوِّر المؤسسة العسكرية الأمريكية بصورة سلبية لا يراه البنتاجون يتَّسم بالواقعية».

ويُنوِّه التقرير إلى أن عملية الموافقة تشمل عدة مراحل، أولًا: أن يقرأ مسؤولو البنتاجون سيناريو الفيلم، وفي جميع الحالات تقريبًا يتوقع الجيش الأمريكي إجراء بعض التعديلات التي تصحح صورته. وإذا تمسَّك المخرجون بقصتهم فلن يحصلوا على مساعدة المؤسسة العسكرية.

على سبيل المثال لا يخفى على أحد أن البنتاجون رفض دعم فيلم «يوم الاستقلال (Independence Day)»؛ وذلك لأن البطل كان يُواعد راقصة تعري. كما رفض البنتاجون أن يعير أي معدات لفيلم «المنتقمون (The Avengers)» الذي حقق نجاحًا باهرًا من إنتاج شركة «مارفل» (أول إنتاج يُدرُّ مليار دولار في مبيعات التذاكر)، لكن ما السبب؟ يبدو أن المؤسسة العسكرية لم تكن متأكدة من أن المنظومة الأمنية الاستخباراتية الخيالية «شيلد» في الفيلم تتلاءم مع الهيكل الهرمي للبنتاجون.

ويؤكد التقرير أن التعديلات المقترحة يقبلها صانعو الأفلام في كثير من الأحيان؛ لأن العديد من الأفلام ببساطة لن تكون مجدية من الناحية المالية دون الحصول على الدعم من المؤسسة العسكرية. وعندما سُئل ريدلي سكوت، مخرج فيلم «سقوط الصقر الأسود (Black Hawk Down)»، هل بإمكانه إخراج الفيلم دون الحصول على هذه المساعدة، فأجاب قائلًا: «نعم، لكن كان علينا فقط أن نسمي الفيلم «سقوط المروحية العسكرية (Huey Down)».

وفي أحيان كثيرة يُجري الجيش الأمريكي تغييرات على بعض الأفلام لاستهداف الجماهير الأصغر سنًا بالذات. وفي كتابه «عملية هوليود» استشهد ديفيد روب بحادثة وقعت في فيلم «الرجال الحقيقيون (The Right Stuff)»؛ إذ تلقى منتجو الفيلم رسالة بناء على مراجعة من مؤسسة الجيش الأمريكي مفادها أن اللغة الفاحشة المستخدمة في الفيلم تضمن «تصنيف R» (أي مُقيد ويحتوي على بعض المواد الخاصة بالبالغين ويتطلب وجود أحد الوالدين)، وإذا وُزِّع الفيلم على أنه «R»، فسوف يؤدي إلى التقليل من جمهور المراهقين، وهي شريحة أساسية للخدمات العسكرية عند النظر في قوانين التجنيد الخاصة بنا». وقد جرى تغيير السيناريو.

يُتابع التقرير موضحًا أنه إذا حصل الفيلم على موافقة ينضم مراقب عسكري إلى فريق الإنتاج، ويشرف على الصورة التي ستظهر بها المؤسسة العسكرية الأمريكية أثناء تصوير الفيلم. ويكون لدى هؤلاء المراقبين صلاحيات غير محدودة في مقابل حصول منتجي الفيلم على المعدات العسكرية. وكما أخبر أحدهم المؤلف ديفيد روب قائلًا: «إذا لم يفعلوا ما أقوله، فسوف آخذ ألعَابي (مُعدَّاتي) وأغادر».

وحتى بعد الانتهاء من تصوير الفيلم تحاول المؤسسة العسكرية الاحتفاظ بالقرار الأخير. إذ اعترض البنتاجون على المقطع الأخير من فيلم «هارت بريك ريدج (Heartbreak Ridge)»، من بطولة كلينت إيستوود؛ لأنه تضمن مشهدًا يُطلق فيه جندي أمريكي النار على جندي كوبي أعزل مصاب، وهذه جريمة حرب لا يود البنتاجون تصويرها، ومنع عرض الفيلم في دور السينما بالخارج، بل لم يُسمح لإيستوود نفسه أن يستخدم الفيلم لجمع تبرعات للجمعية الخيرية «تويز فور توتس» التابعة لسلاح البحرية الأمريكية.

وبطبيعة الحال كان ينبغي على فيلم هوليود «الرجل الحديدي (Iron Man)» الشهير والواسع الانتشار بجزئيه الاثنين، والذي أطلق امتياز مارفل السينمائي، الحصول على موافقة البنتاجون؛ لأن الفيلم بجزئيه استخدم ما تُقدَّر قيمته بمليار دولار من المعدات العسكرية، مع تجسيد بطل الفيلم شخصية رئيس شركة لتصنيع الأسلحة.

يجيب التقرير عن عدة تساؤلات منها لماذا يُنفق البنتاجون أموال دافعي الضرائب ووقت الجنود لمساعدة هوليود بالمعدات العسكرية؟ قائلًا إنها وسيلة لاستقطاب الأمريكيين وتجنيدهم. ويعد فيلم «كابتن مارفل (Captain Marvel)» الذي أُنتِج عام 2019 أحدث مثال على التعاون الوثيق بين مارفل والبنتاجون. ووصف موقع «Task & Purpose» – الذي يُغطي في الأساس أخبار القوات المسلحة الأمريكية وشؤون الدفاع – الفيلم بأنه «وسيلة لتحقيق حلم التجنيد» للقوات الجوية. بل إن المقطع التشويقي الأول يُشبه إلى حد كبير الإعلانات الحقيقية التي تروجها المؤسسة العسكرية الأمريكية بسردها لبعض التحولات التي تطرأ على الأشخاص بعد انضمامهم إلى القوات المسلحة.

وفي هذا الصدد يقول تود فليمنج، مدير قسم التوعية المجتمعية والجماهيرية في مكتب الشؤون العامة للقوات الجوية: إن «شَراكة القوات الجوية مع «كابتن مارفل» سلَّطت الضوء على أهمية القوات الجوية لدفاعنا الوطني». ومع عرض الفيلم الناجح على الشاشة الفضية، بدأت القوات الجوية بالتوازي حملة تجنيد أسفرت عن تجنيد أكبر عدد من المتقدمات الإناث خلال الخمس سنوات الأخيرة.

وبصرف النظر عن تعاونها مع الجيش الأمريكي، حاولت مارفل العمل مع شركات تصنيع الأسلحة من خلال «فرع الرسوم الهزلية (مارفل كومكس)» الخاص بها. وفي عام 2017 تعاونت «مارفل» مع شركة «نورثروب جرومان كورب»، خامس أكبر شركة مصنعة للأسلحة في العالم، لإنشاء سلسلة كتب هزلية بطريقة ترادفية تسمى «Northrop Grumman Elite Nexus». ومع ذلك ألغيت السلسلة بعد ساعات من الإعلان، إذ أعربت الجماهير الغاضبة عن رأيها أنه من المشكوك فيه أخلاقيًّا أن تتعاون «مارفل» مع أثرياء الحرب.

وألمح التقرير أن علاقة «مارفل» بالبنتاجون تكشف النقاب عن تاريخ حافل بالدور الذي تؤديه هوليود للترويج للمؤسسة العسكرية الأمريكية. وأشهرها عندما عرض فيلم «توب جان (Top Gun)» عام 1986 أقامت القوات البحرية الأمريكية أكشاك للتجنيد في دور السينما. ولا يكتفي البنتاجون بالترويج لسرديته في الأفلام الرائجة.

وظلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية محافظة على مراقبتها الصارمة لإنتاج فيلم «30 دقيقة بعد منتصف الليل (Zero Dark Thirty)» وتجسيده لما يطلق عليه «أساليب الاستجواب المعزَّز»؛ مما دفع بعض النقاد إلى وصف الفيلم بأنه «مؤيد للتعذيب». كما ضغطت وكالة المخابرات المركزية على بعض صانعي الأفلام لحذف عدد من المشاهد التي تُصوِّر الوكالة بصورة سلبية، مثل مشهد استخدام كلب لتعذيب مشتبه فيه.

وفي السياق ذاته يرى كثير من المعلقين أن تدخُّل الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية في عمل هوليود يعد أمرًا غير أخلاقي، وذلك لأنه يضغط على الشعب الأمريكي بالحملات الدعائية، ويُهدر أموال دافعي الضرائب. وصحيحٌ أن الجيش الأمريكي يعتِّم على التفاصيل والمعلومات، لكنه يعلن أنه لا يتربح من العمل مع صانعي الأفلام.

وقد أجرت مجلة «الأم جونز» مقابلة مع ديفيد روب قال فيها: «عندما تعلم أن الحكومة تراقبك أثناء الكتابة، فهذا وضع سيئ جدًّا». وأوضح روب أن الكونجرس ونقابة كتاب النصوص السينمائية يبدون غير مبالين بمسألة الحملات للبنتاجون، على الرغم من أن روب وآخرين غيره يزعمون أن هذه الدعاية تنتهك التعديل الأول لأن الحكومة تُفضل نوعًا من الخطاب دون الآخر. يقول روب: إن «هذا يُعد جزءًا من الحرب الباردة، ويجب التخلص منه. أو ينظر الكونجرس، الذي يشرف على البنتاجون، فيما يمكن أن يفعله».

ويبدو أن روب متفائل بشأن ما يتطلبه الأمر لتغيير العلاقة السَّامة بين هوليود والبنتاجون. إذ قال: «أعتقد أنه إذا كتب 50 شخصًا فقط إلى نواب الكونجرس في ولاياتهم، وسألوهم ما الذي يجري في هذا الأمر، أعتقد أن الأمر لن يستغرق كثيرًا من الوقت».

ويختتم الكاتب تقريره بالتأكيد على أن معظم الشعب الأمريكي لم يدر بالدور الذي يلعبه البنتاجون في ثقافتهم الشعبية. لكن ردود الفعل العنيفة ضد «فيلم (Eternals)» –  والذي يُعد حاليًا واحدًا من أسوأ سلسلة أفلام عالم مارفل السينمائي – قد تعيد العلاقة الإشكالية بين هوليود والبنتاجون إلى دائرة اهتمام النقاد والمشاهدين من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى