«تماسيح النيل».. توليفة مترهلة تدق جرس الإنذار لأفلام الـ «سمك لبن تمر هندي»
«سينماتوغراف» ـ منى حسين
يوحي الفيلم المصري “تماسيح النيل” الذي بدأ عرضه في دور السينما بالقاهرة للمشاهدين أنهم أمام فيلم أكشن أو حركة جديد، لكن مع اللقطات الأولى يكتشف الجمهور أنه يرى فيلماً أشبه بالنوعية الكوميدية التي تلجأ إلى التضخيم المعنوي للأشخاص والأشياء، فقد حاول صناعه انتزاع الضحك بشتى الطرق اعتماداً على عدد من نجوم مسرح مصر الذين اشتهروا في السنوات الأخيرة بهذا الطابع في غالبية الأعمال التي شاركوا فيها.
تعتمد قصة الفيلم الذي ألفه لؤي السيد وأخرجه سامح عبدالعزيز، على قيام عائلة برحلة في نهر النيل على ظهر سفينة عملاقة بين مدينتي الأقصر وأسوان في جنوب مصر، وترصدها عصابة مكونة من تشكيليْن للسطو على الثروة التي يملكها كبير هذه العائلة، وقام بدوره الفنان خالد الصاوي ومعه أقاربه الفنان محمد ثورت وزوجته الفنانة بدرية طلبة، والفنان محمد جمعة وزوجته الفنانة ويزو.
تتكون العصابة من الفنان مصطفى خاطر وصديقه اللدود حمدي الميرغني ومعهما الفنانة السورية سوزان نجم الدين، وتظهر كطيف أحياناً الفنانة هنادي مهنا، ويحاول هؤلاء كل بطريقته الإيقاع بالضحية الثري خالد الصاوي، باستخدام الخداع تارة، وادعاء المظلومية تارة أخرى، والحب تارة ثالثة، مع افتعال الكثير من المواقف لأجل إضفاء طابع كوميدي مصطنع على العمل.
بدأ نجوم مسرح مصر في فيلم “تماسيح النيل” يخصمون من رصيدهم الفني، فخاطر والميرغني وويزو، ومعهم كريم عفيفي، لم يفلحوا في تجسيد أدوارهم بشكل درامي من خلال التشكيل العصابي، ولا في الكوميديا باستجلاب الضحك بشتى السبل.
وأضيف إلى هؤلاء بيومي فؤاد وسليمان عيد لأجل زيادة جرعة الضحك في دور قبطان جاهل ومساعده، غير أن ما حدث في الفيلم أنه فقد بوصلته تماماً، بحيث يصعب تصنيفه على لون محدد، فالخلطة التي حاول صناع العمل الاعتماد عليها لجذب الجمهور أخفقت في تحقيق هدفها، لأن الحبكة التي نسجت خيوط القصة عليها جاءت مفككة لأبعد مدى، كأن الفيلم جرى تجهيزه على عجل، أو لم يتمكن كاتب السيناريو والحوار من المراجعة بدقة.
حاول فيلم “تماسيح النيل” تقديم رسالة مباشرة مفادها أن المال لا يكفي لسعادة الإنسان، وأن الصراع البشري على المال لا يستحق كل هذا العناء والاقتتال، وهي قصة تكاد تكون مدرسية يمكن تعليمها للأطفال في المراحل التعليمية الأولى، بينما جمهور السينما بحاجة إلى عمل فني متكامل إذا أراد صناعه تأكيد هذه الرسالة.
وافتقد الفيلم لكثير من العوامل الفنية التي يمكن أن تجعله جديراً بالمنافسة في الموسم الشتوي أمام أفلام مثل “الجريمة” و”من أجل زيكو”، فلا تكفي الاستعانة بسفينة جذابة تجوب نهر النيل لضمان خروج العمل بصورة جيدة، فقد تكون السفينة مبهرة وهي تسير، لكن هذا عنصر يحتاج إلى مجموعة من العناصر المكملة، في مقدمتها أن تكون القصة منطقية أو تحمل ما يعزز هذا الانطباع، فالخيال أيضاً يحتاج إلى منطق لتقبله.
كما أن الاسم “تماسيح النيل” لا يحمل من المضمون شيئاً سوى النيل الذي تشقه السفينة ذهاباً وإياباً، وإذا كان المؤلف يقصد أن العصابة هي التماسيح فقد خانه التوفيق، لأن أفرادها اعتمدوا على رصيدهم السابق من الضحك، فالفنان ثروت بدأ يستهلك جزءاً كبيراً من رصيده ويعيد تكرار أدوار سابقة استخدم فيها الأسلوب نفسه على أمل أن يرسم البسمة على الجمهور الذي أصبح أذكى من خداعه بنكات متفرقة.
ولا تزال الفنانة ويزو تعتمد على شكلها والعزف على وتر وزنها الزائد كي تبدو خفيفة الظل، وهو تقريبا ما لجأ إليه الميرغني الذي قام بدور نصاب دون أن يملك من المؤهلات اللازمة للشخصية، فلجأ إلى الكوميديا لتعويض ما ينقصه من صفات جسمانية، ولم يختلف عن ذلك خاطر الذي حاول تغيير جلده بتقمص دور شرس فجاء ممسوخاً.
حاول المخرج سامح عبدالعزيز الاستعانة بقدرات الفنان الصاوي كمثقف في دور أستاذ الفلسفة الثري، غير أن التوفيق خانه لأن شخصيته تشكلت من جوانب متناقضة، حيث بدا حكيماً ومضحكاً وساذجاً وصارماً، ما أدى إلى ضياع الهوية الفنية التي يجسدها، فتاهت الملامح التي حاول القبض عليها من حين لآخر.
وتم اللجوء إلى شخصية السورية سوزان نجم الدين في دور السيدة الجميلة والجذابة التي يمكن أن توقع الثري في شباكها، وعندما نجحت في مهمتها استفاق ضميرها وأنهت مهمتها كي تضرب النموذج بأن المال ليس كل شيء، وعاد إليها الثري الفيلسوف في نهاية الفيلم ليؤكد المخرج أن الخير ينتصر في النهاية.
وقدمت هنادي مهنى دوراً استعراضياً بدا جديداً عليها، حيث غنت ورقصت، وكانت العنصر النزيه في العصابة وفضحتها للثري، وهي شخصية ظهرت كطيف لجأ إليه المخرج لإحداث توازن نسبي بين الشخصيات ضمن تقسيمته لأهل الخير والشر.
واعتمد فيلم “تماسيح النيل”على ثيمات فنية تقليدية، وسعى من خلالها لتقديم توليفة متماسكة، غير أنها جاءت في معظمها مترهلة، وبدت جهود الضبط والربط بينها متعسفة بشكل كبير، ما جعل الجمهور لا يعلم أي نوع من الأفلام التي يشاهدها.
حتى فكرة الترويج السياحي التي كانت حاضرة عبر استخدام السفينة والتصوير في بعض الأماكن الأثرية في الأقصر وأسوان الشهيرتين بالمعالم الأثرية جاءت عديمة القيمة، وربما مضرة لأن العنف الذي ظهر في بعض المشاهد وعصابة النصب وسرقة الآثار والتجارة فيها تقلل من هذا الهدف، وحملت نتيجة سلبية، أبخست التصوير الذي استخدم كادرات مفتوحة من جوانب مختلفة الصيغة الجمالية التي حاول إظهارها.
قدم فيلم “تماسيح النيل” وجبة يصفها المصريون “سمك لبن تمر هندي” كدلالة على وجود مجموعة من التناقضات التي يصعب الجمع بينها، وظهرت معالم الإخفاق جلية في صالة العرض التي لم يتجاوز عدد الجمهور في إحدى الحفلات وقت ذروة المشاهدة (السابعة مساء بتوقيت القاهرة) وفي دار عرض متميزة، اثنى عشر شخصا، منهم ثلاث فتيات غادرن الحفلة في منتصفها كدليل على الامتعاض.
وإذا واصل نجوم مسرح مصر الاعتماد على الصورة التي رسموها في أذهان الجمهور منذ بداية ظهورهم كبارعين في الكوميديا فإن ظاهرتهم ربما تختفي سريعاً، وإذا حاولوا التجويد باللجوء إلى محسنات مفتعلة فإن قدرة الجمهور على تقبلهم يمكن أن تفتر قريباً، وقد يكون “تماسيح النيل” دق جرس الإنذار لهؤلاء أو يصبح المؤشر على خفوت نجوميتهم التي استمدوها من كوميديا الموقف.