أحداث و تقاريرأهم العناوينالمهرجانات العربية

“توك توك” روماني سعد وعمالة الأطفال في “القاهرة السينمائي”

 

القاهرة ـ «سينماتوغراف»: لمياء فتحي

عرض اسبوع النقاد في مسابقته الرسمية هذا العام بمهرجان القاهرة السينمائي الفيلم التسجيلي المصري “توك توك” للمخرج روماني سعد، وهو العرض العربي والافريقي الأول للفيلم بعد أن عرض بالعديد من المهرجانات الكبرى في كندا وفرنسا وانجلترا وكوريا الجنوبية وبولندا، وهو الفيلم المصري الأول الذي يشارك باسبوع النقاد في عامه الثاني.

يعمل روماني سعد في فيلمه توك-توك على مناقشة تلك الظاهرة الجديدة التي لم تتعد بضعة سنوات من خلال التسجيل مع ثلاثة اطفال من سائقي التوك توك (بيكا، عبدالله واخيه شارون) وابائهم، مسلطا الضوء على المخاطر والتحديات التي تلاقي سائقي التوك توك، وصراعهم الدائم مع السلطة المتمثلة في السلطة الابوية سواء من خلال الاهل او النظام الحاكم نفسه. توضع الكاميرا بداخل التوك توك، فنرى من خلف زجاجه الشوارع والأزقة المزدحمة بعيون تلك الأطفال، كما نرى سائقي الأجرة ومشاجرتهم المستمرة لسائقي التوك توك من الصغار، لنخوض معهم تجربة القيادة يوميا منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل.

يصور روماني سعد التناقض الموجود في المجتمع المصري، والصراعات التي تحيط العلاقات الأسرية، ويظهر هذا التناقض مع بداية الفيلم حيث تصوير الشارع المصري من زاوية كاميرا مرتفعة توضح تباين المباني القديمة والمباني الخرسانية وسط زحمة الطرق، وتبين ضآلة حجم الناس، حتى تنزل الكاميرا للشارع نفسه وتتغير الموسيقى من الموسيقى الحالمة إلى أغاني شعبية صاخبة، حيث ينتقل الفيلم من الحالة العامة إلى الخاصة، وهو ما يبدو واضحا طوال الأحداث.

توك توك 1

تختلف الآراء حول تقنين التوك توك من عدمه، فجاء روماني سعد بالرأي والرأي الآخر؛ حيث يعتقد اهل الاطفال الثلاث ان العمل بقيادة التوك توك قد وفر فرصة عمل للعديد من الشباب العاطلين، بينما يعارضهم بعض الجماهير التي ترى أنه يمثل خطرا ويزيد من البلطجة في الشارع المصري، فيضعك الفيلم في حيرة من التعاطف او الرفض التام لتلك الظاهرة.

اهتم الكثيرون من متلقي الفيلم بظاهرة التوك توك نفسه، وبكيفية وضع حد مع المشاكل التي تواجه سائقيه، وصراعهم الدائم مع رجال الشرطة الذي اهتم به مخرج الفيلم ايضا، فبعد أن عرض الفيلم بالكثير من المهرجانات الدولية، ومواجهته لسبل تلقي مختلفة، يعرض أخيرا في مصر صاحبة القضية، ولكن يظل تلقي الفيلم محصورا على قانونية الآلة ومعالجة مشكلتها، ويساعد على ذلك اسم الفيلم نفسه “توك-توك”، ولكن هناك قضية أهم وأقوى لا تجد علاجا ولا حلا مناسبا لها، وهي قضية عمالة الأطفال في الشارع المصري.

تعتبر عمالة الأطفال انتهاكا صارخا لحقوق الطفل حيث تمنعه من ممارسة حياته الطبيعية ونشأته السليمة، ووفقا للقرار الوزاري رقم 118 لسنة 2003، فهناك بعض الأعمال التي يجب حظرها على الأطفال التي لم تبلغ سن السابعة عشر بعد، ومن ضمن تلك الأعمال قيادة السيارات، او كما نطلق عليها “السواقة”، تلك المهنة التي اصبح يرتادها الكثير من الأطفال خاصة في المناطق والأحياء الشعبية.

فيتطرق روماني سعد لظاهرة من تلك الظواهر الخطيرة لعمالة الاطفال، وهي قيادة “التوك-توك”، تلك الآلة البخارية التي تجذب الأطفال والشباب بحجمها الصغير اللافت للنظر، ورغم ان قيادة تلك الآلة تمثل خطرا حقيقيا على حياة الطفل، إلا أن هناك بعض الأهالي التي تجبر اولادها الصغار على الارتزاق منها، في انتهاك تام لحقوق تلك الأطفال.

فيلم توك توك 2

يعمل آباء الأطفال الثلاث على تبرير عملهم في قيادة التوك توك بحجة أن “السواقة” أفضل من أن يصبحوا عاطلين او ان يتجهوا للمخدرات والبلطجة، رغم معرفتهم بالمخاطر التي تواجه صغارهم، فيحكي الأب عن ابنه عبدالله (12سنة) الذي تعرض لبعض الحوادث من قبل ونجا منها بأعجوبة، معللا ذلك بأنه يريد من ابنائه العمل وكسب الرزق منذ الصغر، رغم ان الأب نفسه لا يعمل، ورغم رفض الاطفال للعمل كسائقين ورغبتهم في مستقبل افضل، فيهتم الأب فقط بكسب العيش دون الرجوع لطموحات الشباب في القرن ال 21.

وكذلك والد الطفل بيكا، الذي يبرر عمل الابن بالفقر المحيط بهم ” الطفل اتولد لقى نفسه فقير، فمينفعش يتعلم ونصرف عليه” فيصبح الطفل هو الملام على فقر والديه، وهو الذي يتحمل متاعب الحياة بدلا منهم، فيعمل على إلقاء اللوم على الطفل نفسه، وليس على من أتى به إلى تلك الحياة المريرة، كما يرى الأب أن التعليم لا فائدة منه حيث انه يحتاج المزيد من المال، ولكن قيادة التوك توك تجلب المال اليهم.

توك توك 4

ذلك الصراع بين جيل الآباء وجيل الأبناء الذي لا ينتهي على مر العصور، يتمنى عبدالله الصغير مستقبل افضل من سواقة التوك توك، فيرغب ان يتحدث احد إلى ابيه لاقناعه بالتخلي عن تلك الفكرة التي يجبر ابنائه عليها، وكذلك شارون الذي يرفض هذا الوضع، ولكن يصمم الاب على انه يتفهم مستقبل ابنائه الغامض، ويحلم بأن يصبح الابناء سائقي سيارة افضل من التوك توك، ويظهر هذا الصراع في نبرة صوت الاب العالية في الرد على الابن الرافض لتلك المهنة.

يحاول الأطفال سرقة بعض الوقت لانفسهم في محاولة لاستعادة طفولتهم المسلوبة، فيقوموا باللهو على كورنيش النيل، والغناء المستمر مع الموسيقى الشعبي، يتحدثون عن مشاكلهم واحلامهم، يستسلم بيكا للوضع الحالي: “كان نفسي ابقى حاجة” فقد اقنعه الأب بأنه ولد فقيرا وسيظل كذلك، بينما يحلم شارون وعبدالله بمستقبل افضل حالا، يريد عبدالله الصغير أن يصبح ضابط شرطة، رغم كرهه الشديد لهم، ولكنه يريد أن يمتلك سيارة وأن ينظر اليه الناس بفخر، اما شارون ذو السادسة عشر فيريد أن يعمل بمهنة أخرى تحترم ادميته. حقوق بسيطة تصبح احلاما صعبة التحقق لتلك الأطفال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى