احتفالياتالمهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقدهنري بركات

ثلاثة عناصر شكلت رؤى هنري بركات السينمائية

«سينماتوغراف» ـ عمار محمود
شارك العديد من كتاب السيناريو هنري بركات في أفلامه، كممدوح الليثي وعبد الرحمن فهمي وسمير عبد العظيم وآخرين، تعاون مع بعضهم في فيلم واحد أو أكثر ، إلا أن السيناريست يوسف عيسى هو من أكثر كتاب السيناريو تعاونا مع بركات، حيث تعاونا في أكثر من عشرة أفلام، تنوعت قضاياها ا وتباينت مستوياتها، فمنها كلاسيكيات للسينما المصرية كالفيلم السياسي الاجتماعي (في بيتنا رجل)، والعاطفي (ارحم دموعي) والغنائي (رسالة غرام) والكوميدي (ليلة الزفاف).
وكان ذلك التنوع في المواضيع هو أساس للتعاون المستمر بين بركات وعيسى، الذي أدركه في سيناريوهاته التي تميزت بالعديد من نقاط القوة، والبصمات الخاصة، كالشخصية أحادية التكوين المتواجدة بكثرة في أفلامه (ارحم دموعي-رسالة غرام-معلهش يازهر) أي الشخصية الشريرة دائما كالشخصية التي أداها رشدي أباظة في (أرحم دموعي) أو المستسلمة دائما كالتي أدتها مريم فخر الدين في (رسالة غرام)، أو المستهترة دائما كالشخصية التي أداها أحمد رمزي في (ليلة الزفاف).
إلا أنه من أهم نقاط القوة في السيناريوهات الجيدة لعيسى كانت مسألة التوازن بين العقل والعاطفة لكل شخصيات الفيلم، كما حدث في فيلم (في بيتنا رجل) مثلا، والذي كانت شخصياته تمتلك الحرية الكاملة لاستخدام عقلها وضميرها، وكانت تتصرف وفقا للموقف الذى وضعت فيه،  فـلم تساعد عائلة زاهر أفندي (حسين رياض) إبراهيم حمدي (عمر الشريف) الهارب مباشرة، بل كان هنالك اخذ وجذب فيما بينهم، وأيضا لم توافق نوال (زبيدة ثروت) على طلبات إبراهيم منها سوى بعد شد وجذب مع أخاها أحمد (حسن يوسف)، وكذلك سامية (زهرة العلا) لم تكره ابن عمها ثقيل الظل عبد الحميد (رشدي أباظة) دائما حتى نهاية الأحداث، بل كان هناك شد وجذب ودراما تحدث بين جميع الأطراف، وهو ما عزز مسألة الإثارة والتشويق وعدم توقع المشاهد لردود فعل الشخصيات مسبقاً، وكان هذا السيناريو من أهم أسباب النجاح الفني للفيلم. 
ومن ضمن نقاط القوة أيضا في السيناريوهات التي تعاون فيها مع بركات، هي الاعتماد على كوميديا الموقف، التي تنشأ من المفارقة الدرامية، كما حدث في فيلم (ليلة الزفاف) عندما تورطت سلوى (سعاد حسني) في زواجها بالدكتور مجدي (أحمد مظهر) إرضاء لرغبة أمها التي تتظاهر بالمرض (عقيلة راتب)، ويحاول سلوى و مجدي التظاهر بأنهما لا يطيقان العيش سويا، ومما زاد من طرافة المواقف تلك، هو توازن الجد والهزل، والذي تحقق من خلال العلاقة التي أخذت في التطور بين الزوجين و العلاقة التي أخذت في التشابك والتعقيد بين سلوى و عادل (أحمد رمزي).
في خلال ذلك التعاون بين عيسى وبركات وغيرهم من كتاب السيناريو، تميزت أفلام هنري بركات جميعها ببعض الخصائص التي شكلت بصمته في تاريخ السينما المصرية، وأهمها:
 
إدارة الممثلين 
كانت اختيارات بركات للممثلين في كثير من الأحيان نابعة من حساباته الخاصة للدور وليس لشباك التذاكر كسعاد حسني عندما أسند لها دور البطولة في (حسن ونعيمة) والتي لم تكن حينها نجمة شباك بل ممثلة مبتدئة، وشادية أيضا التي شاركها العديد من الأفلام في بداياتها وغيرهم من النجوم اللاحقين، وما أن يقتنع بممثل ما، حتى يتعاون معه في الكثير من الأفلام، كمسيرته مع فاتن حمامة كبطلة في أفلامه، والتي أنجز معها كلاسيكيات، أو تعاونه مع سراج منير كممثل في أكثر من فيلم، وآخرين.
من ضمن قدرات المخرج الجيد، هي السيطرة على مشاعر ممثليه، لأنهم من أهم أدوات التعبير السينمائي، وكان بركات مميز جدا في هذا الاتجاه ، وكان لديه حس بشكل التعبير الذي يطلبه المشهد الفلاني، فكانت أجمل أداءات فاتن حمامة مثلا في أفلامه، وكذلك واحد من أجمل أدوار زكي رستم (معلهش يازهر) و أيضا واحد من أقرب أداءات فريد الأطرش إلى السينما في (لحن الخلود)، ومن أكثر أدوار سعاد حسني خفة وجمال كانت في (ليلة الزفاف)، والكثير من الأدوار المتميزة جدا الأخرى، والتي جاءت .. أولا لقدرة المخرج فى السيطرة والتوجيه لمشاعر الممثل، وثانيا للاختيارات الجيدة للأدوار التي تتناسب مع قدرات الممثلين، فكانت سقطاته قليلة جدا في تلك المسألة، خاصة ان السينما المصرية في تلك الفترة خلالد الأربعينات وبداية الخمسينات، كانت لا تزل متأثرة بالأداءات الميلودرامية المبالغة في الانفعالات والإيماءات.
اهتم بركات كثيرا بالمكان الذي يتواجد فيه الممثلين، حتى وإن لم يظهروا في بؤرة العدسة، ففي العديد جدا من اللقطات، لا يظهر أحد الممثلين الرئيسيين في بؤرة العدسة لكنه يتفاعل مع المشهد، كما حدث في لحظة دخول مديحة يسري إلى بيت والدها في (لحن الخلود)، وهذا ما يطلق عليه بالمونتاج الداخلي، أي تصاعد الأحداث في نفس اللقطة، ولعل أشهر المشاهد التي توضح قدرات بركات على اختيار أماكن تواجد الممثلين في مكان التصوير، هي لحظة مغادرة عمر الشريف منزل عائلة حسين رياض في (في بيتنا رجل)، عندما صورتهم الكاميرا في لقطة طويلة كي تكشف أكبر قد من مشاعر الخوف والقلق والحب الذي تشعر به العائلة تجاه عمر الشريف في تلك الأثناء.
الإيقاع 
يعرف جيل دولوز الإيقاع بأنه تناسق العلاقة بين الجزء والآخر والأجزاء والكل والسرعة والهدوء من أجل تدعيم الوحدة الدرامية.
بدأ المخرج بركات عمله في السينما من خلال طاولة المونتاج، وشارك في مونتاج العديد من الأفلام، سواء كمساعد مونتير أو كمونتير، وقرأ العديد من الكتب يعتبر أهمها من وجهة نظره هو كتاب بودوفكين عن المونتاج، وطاولة المونتاج تنمي دائما حسا بالتوقيت المناسب للقطع أو للتطويل، وتساهم في زيادة قدرة المخرج على الشعور بالزمن الذي تأخذه اللقطة حتى تقول كل شيء، ومن خلال تلك الموهبة، تجلت قدرات بركات على تحقيق الاتزان بين الأجزاء وبعضها خاصة في مشاهد الحوار بين الشخصيات والتي دائما لا تتخطى فيها اللقطة الواحد 20 ثانية،وعلاقة الأجزاء تلك بالكل الفيلمي، فحقق الإيقاع الذي يتزن في العديد جدا من أفلامه، حتى صار علامة من علامات سينما بركات، مهما كان سيناريو الفيلم سيء أو كوميدي أو تراجيدي او سياسي أو اجتماعي ، فالإيقاع موجود ومتزن وذلك يساعد في حيوية الفيلم وسهولة مجاراة سرده.
السينما الغنائية
كانت الأفلام الغنائية في مصر هي أنجح الأفلام، حتى يومنا هذا، فكما نجحت أفلام عبد الوهاب وفريد الأطرش وليلى مراد، نجحت أيضا الأفلام التي يشارك فيها نجوم الغناء الشعبي في هذه الفترة. 
وشارك بركات أيضا العديد من المطربين والمطربات في الأفلام الغنائية، كشادية وفيروز وليلى مراد وفريد الأطرش وكارم محمود ومحرم فؤاد، واخترنا ثلاثة أفلام هي من أفضل الأفلام الغنائية التي أخرجها بركات للسينما المصرية.
رسالة غرام (1951)
تحكي أحداث الفيلم عن الصديق المخلص والإنسان المؤمن والمطرب المغمور فريد (فريد الأطرش)، الذي يحب فتاة كانت تسمعه أثناء غنائه في حدائق الفيوم، ثم يتفقان على الزواج وما أن يتقدم فريد إلى والدها حتى يرفضه بحجة الفروق الاجتماعية بينهما، فيسافر فريد للقاهرة، حتى يسرع في تنفيذ خططه التي سوف ترفع مكانته الاجتماعية حتى يصبح أهلا لمكانة حبيبته، ولكنه يصطدم بطموحات صديقه (كمال الشناوي) الشريرة، حيث يحسده على علاقته بحبيبته تلك ومن ثم يحاول التقرب إليها، وفي خلال فترات متباعدة في الفيلم، يغني فريد الأطرش بعض الأغنيات التي تناسب مجرى الأحداث.
 
سفر برلك (1967)
تدور أحداث الفيلم في أوائل القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1914، أثناء فترة الحكم العثماني لبلاد الشام، عندما أصدرت بعض القرارات بقطع خطوط الإمدادات الغذائية عن المناطق التي كانت تنتشر منها المقاومة ضد الجيش العثماني ووالي الشام الظالم، وأوامره التي جاءت بتشغيل رجال مناطق بكاملها في السخرة لصالح الجيش العثماني، وفي خضم تلك الأحداث كانت عدلا (فيروز)  وحبيبها عبدو قد اتفقا على الخطبة، فذهب عبدو لإحضار خاتم الخطبة من بلدة مجاورة فتم القبض عليه هناك فيمن قبض عليهم من أجل العمل بالسخرة، فتحاول عدلا البحث عنه في أرجاء البلاد، ويحاول عبدو الهروب من السخرة ويحاول أهل الشام مقاومة الجيش العثماني لأنه يقوم بتجويع الناس.
 
معلهش يازهر (1950)
يحكي الفيلم عن صابر أفندي (زكي رستم) الموظف في إحدى الشركات، والذي يريد لإبنته (شادية) أن تتزوج من موظف مثله، لكنها لا توافق لأنها تحب ابن جارها (كارم محمود)، ومحاولة صابر التغلب على مشاكله المادية في العمل، والتي تستغل زوجته (ميمي شكيب) فرصة أنها كانت على علاقة طيبة بأحد مشرفي الشركة التي يعمل بها صابر (سراج منير) حتى تطلب منه دعم زوجها في ترقية يستحقها، وتثير ترقيته ضغائن زملائه في العمل وخاصة رئيسه الذي سوف يحاول التغلب عليه والرجوع إلى منصبه مرة أخرى لأن صابر قد حل محله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى