«جحيم في الهند».. والفرص الضائعة
ـ أحمد حسونة
يقوم فن الكوميديا علي المفارقات الطريفة التي تحدث في المواقف العادية، أو المبالغة في الأحداث، والتي يمكن أن تصل إلي حد اللامعقول، ولكنها قبل أن تحقق هدفها وهو إضحاك الجمهور، لابد أن تقدم عمل مبني علي المنطق وقبول الأحداث بشكل قابل للتصديق، ثم يتطور الأمر إلي المفارقات والمبالغات التي قد لا تصدق في الواقع، ولكنها تقبل ضمن حدود المنطق السينمائي الذي طرح في الفيلم من خلال السيناريو المكتوب.
تذكرت ذلك وأنا أشاهد فيلم «جحيم في الهند» من إخراج معتز التوني، والذي حقق أعلي الإيرادات خلال عيد الفطر كما ذكرت الصحف والمواقع الالكترونية، وتراجعت أمامه إيرادات السينما الشعبية، وهو في حد ذاته خبرا سعيدا حيث أن فورمة السينما الشعبية فورمة لا تتعلق بالدراما، إنما تتعلق بفقرات أشبه بالسيرك لا يربطها رابط غير التسلية، فتنتقل من الرقص، إلي الغناء، إلي الإيفهات مع خط درامي واهي جدا يربط بين هذه الفقرات مثل مقدم حفل السيرك.
ولكن هل استطاع فيلم «جحيم في الهند» أقتناص كل الفرص التي كانت من الممكن أن تتاح له، ليكون عملا متميزا علي مستوي الكتابة والإخراج والإنتاج ويحقق أقصي ربح ممكن؟
فقدان البوصلة
عندما يقرر المتفرج مشاهدة فيلم، يكون لديه درجة أدني من التوقعات عما سيراه، وذلك من خلال العنوان والتريللر والدعاية المسبقة له والتي تقدم له وعود ضمنية يتوقع المشاهد أن يجدها. فعنوان الفيلم «جحيم في الهند» يدل علي كونه أكشن وبه عددا كبيرا من ممثلي الكوميديا الذين صعدوا إلي الساحة الفنية مؤخرا، وبطولة محمد عادل إمام وهو إختيار جيد من حيث أنه ممثل كوميدي وذو لياقة بدنية يمكن أن يقنعنا بدوره، والعمل بشكل عام إعادة للتجربة الناجحة في العيد السابق «كابتن مصر» الذي أنتجته نفس الشركة نيو سينشري، وبنفس فريق العمل تقريبا. وبالتالي فالمشاهد متوقع أن يشاهد فيلما من نوعية الأكشن الكوميدي، ولكن ذلك لم يتحقق كما كان متوقعا.
إنتهاك الوعود
تعتمد أفلام الحركة الكوميدي علي الأكشن كعنصر أساسي حيث أنه نوع فرعي من أفلام الأكشن، وبالتالي يجب أن تكون معظم الكوميديا نابعة من الأكشن (الفعل)، وليس من الحوار، وهذا أول وعد أنتهك في الفيلم، فمعظم المطاردات والمغامرات تمهد لمواقف كوميدية، إلا أنها تتطور من خلال الحوار الكوميدي بين الشخصيات، وليس الفعل الكوميدي للشخصيات مثل مشاهد محمد سلام مع الغوريلا، ومشاهد أحمد فتحي وحمدي المرغني مع قبيلة أكلي اللحوم، مما أضعف المشاهد، وأخرجها من حيز الأكشن الكوميدي إلي الكوميديا الحوارية، والتي كانت كثيرا لا تضحك الجمهور نظرا لطولها وعدم قوة الحوار.
أما بالنسبة للحبكة وأحداث الفيلم، فأتسمت بعدم منطقيتها وضعفها، مما يؤثر سلبا في إقناع المتفرج بالفيلم، وبالتالي تقلل من قدرته في الإضحاك والإندماج مع أحداثه، وهذا هو العهد الثاني الذي أنتهكه وأدى إلي عدم منطقية الحبكة والأحداث.
فالفيلم يدور حول خطف السفير المصري وأسرته باحد الأقاليم بالهند، وباقي سفراء الدول بواسطة كافور وجيشه كمحاولة منه للضغط علي هذه الدول للأعتراف باستقلال الإقليم عن باقي الهند. وتقرر جهة سيادية بمصر إرسال أدهم صبري (محمد عادل إمام)، و معه الفرقة 711 لتحرير الرهائن بالهند، بتعليمات من اللواء (حسن حسني)، الذي يرسل رقم الفرقة مكتوب علي ورقة مع شخص أبله (مصطفي خاطر) ليسلمها للسكرتير الذي يعتقد أنها فرقة 118، لنكتشف أنها فرقة آلات نحاسية. ويكتشف أدهم صبري الموقف والفرقة في الطائرة علي وشك الإنزال جوا إلي الهند، وبخطأ من أحد أعضاء الفرقة، يفتح باب الطائرة قبل ميعاد الإنزال، ويسقطون الواحد تلو الأخر في مناطق متفرقة، ليتم جمع شملهم علي مراحل، وعند الانتهاء من لم الشمل، تقرر القيادة المصرية إلغاء المهمة، ولكن قائد العملية أدهم صبري يرفض ذلك، ويقرر إستكمالها بالفرقة التي معه مع إنضمام الكابتن دينا (ياسمين صبري) والجاسوس المصري شاروخان (محمد ثروت) وزوجته أميشا.
الحبكة والقصة
عدم منطقية الحبكة والقصة تظهر في عدة نقاط: فالأزمة التي طرحها الفيلم بخطف السفراء عبارة عن موقف دولي ولا يقتصر علي مصر، و لكن الفيلم لا يظهر أي رد فعل لبقية الدول ولا أي نوع من التنسيق بين هذه الدول، وكأن كل الدول تركت الرهائن لمصيرها الدامي، وقد تحركت مصر فقط من أجل إنقاذ سفيرها وعائلته وباقي الرهائن، ثم نجد أنه لم يتم خطف عائلات السفراء الآخرين فقط عائلة السفير المصري، لماذا؟؟.، وبالتالي كان من المنطقي أن يقتصر الأمر علي خطف السفير المصري وعائلته فقط بدون الدخول في هذه الحدوتة الواهية، وكان من السهل جدا ربطها بالواقع المصري وأن يكون هناك تهديد مباشر علي الدولة، مما يقوي الصراع في الفيلم و يعطيه معني.
الأمر الأخر وهو الخطأ الذي حدث نتيجة إرسال الأمر المكتوب مع الساعي الأبله، وهو أمر لا يمكن أن نستوعبه، وكيف دخل هذا الشخص جهة سيادية ويعمل بها، وقد يبرر أحد بأن الفيلم كوميدي ويحتمل هذا النوع من المبالغات أو عدم المعقولية، ولكن ذلك غير حقيقي، فلابد من تأسيس دخول هذه الشخصية إلي الجهاز؟ ولماذا تعمل بالجهاز بشكل منطقي. فالموقف هنا شبيه جدا بالخطأ الذي حدث في الفيلم الكوميدي العظيم «الحفلة» لبيتر سيلرز عندما قام بتدمير ديكور القلعة وتم إبلاغ المنتج بهذه الكارثة علي التليفون فكتب أسمه علي قائمة المدعويين بدون أن يعلم وتأخذها السكرتيرة لترسل الدعوة لبيتر سيلرز لحضور الحفلة مما يترتب عليها العديد من المواقف الكوميدية. فالأحداث و تسلسلها منطقي بالرغم من المبالغات الشديدة بالفيلم، و هذا ما يفتقده «جحيم في الهند».
مثال أخر علي عدم المنطقية، وهي شخصية كابتن دينا من القوات الخاصة، التي تعيش بالهند وتنقذ أدهم صبري «محمد عادل إمام» من الأسر، والتي قامت بها الممثلة الشابة، ياسمين صبري، فأولا لم نسمع من قبل عن فتاة بالقوات الخاصة بمصر، وإذا تقبلنا هذا الأمر، أعتقد أنهم لن يرسلوا فتاة بشعر طويل مصفف بشكل رائع، و ترتدي قرط من الألماظ في أذنيها وتضع الروج في شفتيها !!، فلو كانت جاسوسة كان من الممكن قبول ذلك و لكن من الواضح أنها قوات خاصة.
أخطاء أخرى
يضاف إلي ذلك حالة الاستسهال وعدم اعطاء المشاهد الجرعة الدرامية الكافية التي يتوقعها من تعقيدات، وصراعات، وتغيرات في الشخصيات الرئيسية والعديد من هذه الأهداف التي يسعي أي سيناريو جيد إلي ضمها في عمله، والتأكيد علي هذه العناصر في العملية الإخراجية، وهو إنتهاك أخر للعهد بين المشاهد والفيلم.
فليس من المعقول أن تكون فرقة آلات النفخ موجودة بين فرق الصاعقة، ولو كانت موجودة فلابد من مبرر درامي لوجودها هناك، وايضا عندما قرر قائد الفرقة بتحرير الرهائن، ينتهزون فرصة حفلة عيد ميلاد كافور، ويدخلون بدعوة مزورة بدون أن يتعرضوا للتفتيش أو شئ يوحي بأن الدخول لهذا المكان صعب، فعدم وجود عقبات حقيقية أو التفكير في إيجادها في السيناريو وهي عنصر أساسي في السيناريو الجيد أدي إلي أن الأمور كلها سهلة و ليست هناك أي صعوبة.
خطأ أخر يقع فيه السيناريست والمخرج عندما تدخل الفرقة 118 ويغني أعضائها باللغة العربية، و قد تم استخدام (أفيه اللغة) في الفيلم عندما أصر شاروخان (محمد ثروت) والذي أدي دوره بشكل جيد، أن لا يتحدث أدهم بالعربية حتي لا يتم أكتشافهم، بالرغم أن كل حديث شاروخان مع زوجته بالعربية أمام الجميع، و هو أمر مضحك بالفعل، لكن عند تنفيذ المهمة يجب أن يراعوا ذلك لمنطقية الأمر في هذا المشهد.
ولا يكتمل السيناريو الجيد بدون وجود خصم قوي أمام البطل ليظهر مدي تمسك البطل بهدفه وقدرته علي إجتياز العقبات وهزيمة خصمه، فليس هناك صراع حقيقي في الفيلم بين البطل وخصومه، فلم نتعرف علي كافور بشكل جيد، و لم نعرف إذا كانت قضيته عادلة أم لا، و ظهور “راجيف” الرجل الضخم بشكل مقتضب وليس بشكل مؤثر مما أضعف الصراع الدائر بين قوي الخير و قوي الشر.
ومن الأمور الأخري الهامة في الدراما تقديم الشخصية في بداية الفيلم، وما يمكن أن نستنتجه فيما بعد عن الشخصية وتصرفاتها، فكان المشهد الأول لأدهم صبري يقوم بعملية سرية في أسبانيا يحرر فيها عالم مصري من أيدي عصابة إجرامية تريد الحصول علي بحثه، ومن خلالها نتعرف علي أدهم بأنه كفؤ يعرف ما يفعله، ولكنه يصيب الرهينة برصاصة في مؤخرته مما يوحي أن هذا سيكون جزء من أفعال الشخصية في باقي أحداث الفيلم، والغريب أن هذه الأفعال الخاطئة لم تظهر فيما بعد علي يد أدهم صبري، وتحول هذا الفعل الخاطئ لمجرد أسكتش مضحك لم يستفيد منه بشكل جيد في بناء الشخصية في الفيلم فيما بعد، أو علي الأقل أخذ الشخصية في مسار مختلف.
الأمر الأخر الذي بدأ بشكل جيد ثم نسيه المخرج، هو وضع أسماء الأماكن علي الشاشة عند ظهورها، و لكنه تناسي أو لم يرد أستخدامها مرة أخري بالرغم أنه يساعد علي تثبيت المعلومة ومعرفة الأماكن خاصة أن الفرقة قد نزلت في أماكن مختلفة، فكان من الممكن معرفة الأماكن و مدي بعدها أو قربها عن المنطقة المستهدفة.
البناء الدرامي
يفتقد السيناريو ايضا وجود الفصل الثالث من البناء الدرامي للفيلم، وهو عادة محاولة البطل بالخروج من الأزمة التي تهدد فشل مهمته بشكل كامل وعادة تكون قبل نهاية الفيلم بـ30 دقيقة تقريبا في حالة أن تكون مدة الفيلم ساعتان، وهذه الأزمة ظهرت عندما يتغلب كافور وأعوانه عليهم بعد أن أستطاعوا تحرير الرهائن، ومن المفترض أن تكون هذه أسوأ لحظة للبطل وفرقته ولكن تم حلها بشكل سريع جدا في ظرف دقيقة فقط قرب نهاية الفيلم، وإذا أعتبرنا أسوأ لحظة لأدهم كانت عندما وقع أسيرا في يد راجيف و أعوانه، فتلك اللحظة كانت مبكرة جدا، وأيضا خرج منها بسهولة. فهناك خلل في بناء الفصول الدرامية بشكل عام.
الأداء التمثيلي
في ظل الضعف الدرامي والحوار، وعدم بناء شخصيات مكتملة وعدم تطور الأحداث والشخصيات بشكل فعال في معظم الأحيان، لم يستطع طاقم التمثيل أن يقدم أكثر مما أعتادوا عليه من قبل، أما بالنسبة لمحمد عادل إمام فقد أثبت بالفعل أنه لا يقدم أي جديد عن والده الفنان الكبير عادل إمام بالرغم من المشهد البارودي (نوع من أنواع الكوميديا يسخر عادة من الأنواع الفيلمية و مشاهد سينمائية بعينها مثل مشهد محمد سلام مع الغوريلا المطابق لمشهد دي كابريو و كينت ويسلت علي مقدمة السفينة من فيلم تيتانك، وللأسف ضاعت قوة هذا المشهد من تكراره في أفلام سابقة، وعدم تأصيل فكرة البارودي بشكل جيد في الفيلم)، والذي من المفروض أن يكون سخرية علي من يقول أنه يقلد والده، أو أن يؤكد هذا التشابه، وهو ما أكده بالفعل في الفيلم، و هو شئ لا يجب أن يستهين به، وأن يجد لنفسه التقنيات الفنية التي تساعده على الخروج من دائرة والده.
رؤية الآخر
تعودنا عندما تعرض الأفلام الأجنبية التي صورت في مصر، أن نستاء من الشكل الذي يتم إظهار المصريين بها، وندعي أن الأجانب يتعمدون بإظهارنا بشكل سيئ، لكن هل نحن نظهر الآخر في أفلامنا بشكل جيد؟ في الحقيقة لا، ففيلم “جحيم في الهند” يحتوي علي العديد من المواقف والأقوال التي تسخر من الأخر و ثقافته، مثل هز الهنود لرؤوسهم، ووجود أكلي لحوم البشر، و أن الأكل كله بالمسالا، و أيضا السخرية من السفير الأسود. ويجب أن نعترف بأن لدينا عنصرية نحو ثقافة الأخر و هذا أمر عام ولا يخص الفيلم بشكل خاص، و بالرغم من أن الفيلم قد تم تصوير معظمه في الهند و هو أمر حميد يحسب للشركة المنتجة، إلا أنني كمشاهد لم أتزود ولو بمعلومات بسيطة عن الهند و ثقافته بشكل جيد.
الرقصة الأخيرة
يفاجئنا المخرج مع نهاية الفيلم والإظلام التدريجي بظهور لقطة لشاب هندي وسيم ثم لقطات أخري لرقصة هندية جميلة يتم المزج بينها وبين رقصة أخري لأبطال الفيلم وقد تصورت لوهلة أنه قد يستخدمها كجزء من تترات الختام و لكنها جاءت منفصلة عن كل شئ كأنها كمالة مثل كمالة الكشري عند محلات الكشري، عندما لا يشبع الزبون من طبقه، فيطلب كمالة، فهل شعر المخرج بأنه لم يقدم لنا كل المطلوب في الفيلم فأمر بكمالة حتي لا يخرج الجمهور في حالة من عدم الرضاء؟ حقيقة لا أعلم!.
وفي النهاية، أعتقد أن الشركة المنتجة لو أعطت بعض الوقت لمراجعة السيناريو وتطويره، لظهر الفيلم بشكل أفضل بكثير، ولحقق نجاحا جماهيريا أكبر، ومستوي فني أرقي، وللأسف أهتمت الشركة بالربح القريب ولم تنظر للربح البعيد، وهو حال صناعة السينما في مصر في الوقت الحالي للأسف الشديد.
الكلمة المفتاح في هذا المقال هي: الإستسهال!
و ” كمالة” الكشري!
كان الله في عون الجمهور !