«حسين حبري: تراجيديا تشادية» في قلب «كان» السينمائي
«كان» ـ سينماتوغراف: مها عبد العظيم
ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان 2016،عرض الفيلم الوثائقى«حسين حبري: تراجيديا تشادية» للمخرج التشادي محمد صالح هارون في قسم «اختيارات خاصة». وحسين حبري هو الرئيس التشادي السابق الذي حكم بلاده بقبضة من حديد خلال الفترة من 1982 إلى 1990 والملاحق قضائيا بتهم ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتعذيب» أسفرت خلال فترة حكمه عن 40 ألف قتيل، خلاف الذين أضيروا من جراء التعذيب فى السجون ولازالوا يخضعون للعلاج النفسى والبدنى.
يجسد الفيلم الأهوال التى عاشها كثير من المظلومين ويطرح تساؤلات عديدة عن كيفية استمرار الحياة بعد الظلم والقمع والتعذيب؟ ويلجأ المخرج إلى تجسيد فترة الديكتاتورية دون أرشيف ولا تركيب يحاكي الأحداث.
ويعمد الى تسجيل شهادات وروايات الناجين من بطش البوليس السياسي لنظام حسين حبري التى لاتزال حاضرة فى الأذهان وعلى وجوه الناس، لا يزال الداء يسري في أجساد وأذهان الضحايا وكأنها وقعت بالأمس رغم مرور ربع قرن على انتهاء حكم الطاغية الذي هرب إلى السنغال، تتبع الكاميرا فرانسوا الذي يعالج في مستشفى نجامينا حيث يقول الطبيب «نرى جيدا من أين يأتي الداء»، فرانسوا قضى سنين عديدة في سجون الديكتاتور حبري وتعرض للتعذيب ويخشى اليوم فقدان القدرة على المشي.
أما كليمان فيصرح: «الأسوأ هو أن يصير الموت أمرا طبيعيا». وكان كليمان قد قضى نحو أربع سنوات في السجون فى مهمة مستحيلة حيث كان مكلفا بدفن الموتى. ويضيف: «لم أعد سوى نصف إنسان»،بعدما فقد نصف انسانيته مرغما على اخفاء جثث المعذبين وقد صارت ترعاهم جمعية ضحايا جرائم نظام حسين حبري التي رفعت قضايا ضد المستبد، يسعى كليمان إلى أن تحل العدالة وأن يستعيد الناجون الإنسانية التي سرقت منهم.
يحرص المخرج على عرض شهادات الضحايا بعيدا عن أى زيف أو مغالاة احتراما للذات البشرية. كلمات ووجوه السجناء السابقين وحدها تشهد عبر زاوية تصوير عريضة عن سنوات الجمر. فآثار الجروح واضحة على رقبة أحدهم، في حين فقد الآخر عينا. يروي أحدهم كيف يدخل الجلادون إبرة في رأس السجناء ليفقدونهم العقل، والآخر يعترف بأنه تمنى الموت مرات لمن يتقاسمونه الزنزانة لتتسع قليلا.
تكمن قوة فيلم هارون في صدقه وأسلوب تصويره البارع ورغم مآساوية أحداثه الا أنه يؤكد أن الضحايا لم يفقدوا الأمل برغم كل الأهوال التى عاشوها، فيظهر المخرج لوهلة ثم يختفي تدريجيا وراء كليمان، تاركا له المجال واسعا ليطرح بقوة هادئة أسئلة للضحايا أو ليلعب دور المصالح على غرار مشهد يواجه فيه سجين سابق جلاده.. وجاره. يقول كليمان: «أي ذنب ارتكبناه لنعيش هذا؟»، من أين يأتي هذا الشر الذي يدفع إلى إذلال وقمع شعب كامل؟
المرعب في شهادات الضحايا هو أنه من فرط صدقها تلقى صداها فيما عاشه أو يعيشه العديد من الناس تحت ديكتاتوريات أخرى. فقبل سنتين كانت إدارة مهرجان كان قد أدرجت الفيلم السوري «ماء الفضة» لأسامة محمد وسيماف بدرخان ضمن مختاراتها الرسمية ليعرض أيضا في “الحصص الخاصة”.
وكانت أهم مواد الفيلم أشرطة «يوتيوب» و«فيس بوك» التي يحملها السوريون منذ سنوات والتي تشدنا بأبشع وجوهها. وإن كان على المستوى السينمائي يظل التشادى محمد صالح هارون أقل راديكالية شكلا، فهو يحاول رصد المأساة بالإمكانيات المتاحة وتلك الإمكانيات تعتمد بالأساس على كلمات وأجساد الضحايا.
ومع محاكمة حسين حبري في السنغال التى بدأت العام الماضى فقط، ينتهي الفيلم على أمل أن يتحمل الطاغية يوما مسؤلية ما ارتكبه، لكن المتهم منذ الجلسة الأولى يظهر مغطى الوجه ويرفض المثول أمام المحكمة. والخيبة الإضافية تتعلق بغياب إجراءات ضد الولايات المتحدة وفرنسا ومصر التي توجد حولها شكوك بدعم نظام حبري.
يذكر أن المخرج محمد صالح هارون قد شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 2010، وفاز بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمه «رجل يصرخ».