«حَرقة».. فيلم عن بؤس الحياة التونسية في تظاهرة «نظرة ما»
كان ـ «سينماتوغراف» : منى حسين
تتقاطع أحداث الفيلم التونسي “حَرقة”، للمخرج المصري الأميركي لطفي ناثان (1987)، المولود في بريطانيا لأبوين مصريين، المعروض في تظاهرة “نظرة ما”، مع شخصية الشاب التونسي الراحل، مُفجّر ثورة الياسمين، محمد البوعزيزي، الذي أشعل النار في جسده، في قرية سيدي بوزيد، عام 2010. “حرقة”، أول روائي للمخرج الوثائقي ناثان، ليس تجسيداً للبوعزيزي تحديداً، لكنّه يُذكِّر به، وبآخرين أقدموا على المصير نفسه، بعد يأسهم من أي تغيير في أوضاع سياسية ـ اجتماعية ـ معيشية، في المجتمع التونسي.
“حَرقة”، كلمة تونسية تعني الحريق أو الاحتراق. كما تصف، بشكلٍ عام، الشباب الذين يُبحرون سرّاً، بقوارب غير آمنة غالباً، إلى أوروبا، إذْ يحرقون البحر وراءهم. في الفيلم، يعمل الشاب العشريني علي (آدم بيسا) كثيراً، ليُدخر مالاً كثيراً، إذْ يرغب في مغادرة البلد، بعدما أعيته الحياة، وحطّمته صعوبات العيش. بهذا، يُجسّد التأرجح بين صعوبة البقاء وبؤس الرحيل، ويصوّر خير تصوير مأزق شباب تونسيين وعرب كثيرين.
يعمل علي السوداوي، المتهكّم والساخط واليائس والمُنهك من كلّ شيءٍ وأحدٍ حوله، بجدّ في شوارع مدينته، كلّ يوم. يبيع البنزين الممنوع في السوق السوداء، ما يُعرّضه دائماّ لتحرّشات رجال الشرطة، فيضطرّ إلى دفع رشاوي يومية لهم، للسماح له بالبقاء في المكان، وبيع ما معه من حصّة يومية. استنزافٌ متكرّر، يأكل أحياناً ما يكسبه طوال اليوم، ويُراكم فيه حقداً وسخطاً وغضباً إزاء ما يتعرّض له.
تتعقّد حياة علي مع وفاة والده. تُسحق جهوده كلّها، عبر مزيج من الالتزامات العائلية والمأساة الشخصية، والعالم حوله لا يهتمّ أبداً بحقوقه الفردية. لعلي شقيقتان، الصغرى أليسا (سليمة معتوق) وسارا (إقبال حربي)، إلى شقيق أكبر منه، إسكندر (خالد إبراهيم). يضطرّ الأخير إلى مغادرة المدينة للعثور على عمل في أحد المنتجعات، تاركاً لعلي رعاية الشقيقتين، تعويضاً لهما عن الأعوام التي ترك فيها المنزل، من دون أنْ يتحمّل أي مسؤولية. رعاية الشقيقتين، رغم صعوبته، ليس كارثياً.
تحلّ الكارثة الفعلية مع اكتشاف علي أنّ منزلهم مرهون للمصرف، بسبب الديون التي تركها الأب تتراكم، ما يُنذر بمصادرته عند انتهاء المهلة الممنوحة.
يؤدّي آدم بيسا شخصية علي بشكل قوي، وبصدقيّة وحِرَفية كبيرتين. الصراعات الخارجية الصاخبة، وتلك الداخلية المكبوتة، خاصة عندما ينقلب العالم ضده، هذا يُلمس فعلياً، ويُتفَاعل معه بشدّة، وإنْ أدرك المُشاهد العربي مُسبقاً ما سيقدم عليه علي، وكيف ستكون نهايته.