خلف الشاشة: دي كابريو «العائد» من الموت الى الأوسكار
قد يكون فيلم «العائد» هو أكثر أفلام ليوناردو دى كابريو إثارة للجدل، وأهمها، رغم قصته التى يراها كثيرون أكثر من عادية، والأحداث التى تبعث فى كثير من الأحيان على الملل..
وأهميته لأنه فيلم يكاد يكون قد رسم خصيصا ليحصل به «دى كابريو» على الأوسكار – ان حصل بالفعل – كما هو واضح حتى من خلال ترشيحات أصدقاءه ومنهم «كيت وينسلت» التى شاركته أحد أهم واشهر أعماله «تيتانيك» الذى فتح لهما أبواب الشهرة..
فهو فيلم بدون حوار .. وبلغة السينمائيين فيلم مخرج أى أن كل التفاصيل رسمها المخرج ليقدم لنا فيلما «بدون كلام» مكتفيا بأن يتفاعل مع الصورة والمواقف والأحداث الصعبة التى قد يكون منها ما يرشح دى كابريو لأفضل ممثل فى جميع المهرجانات والمسابقات وفى مقدمتها الأوسكار بعد أن حاز أهم جوائز «جولدن جلوب»
وحصول «دى كابريو» على الأوسكار وهو ما يتوقعه كثيرون، هو نقطة ومن اول السطر فى مشواره، فهو لم يقدم فى سلسلة اعماله السابقة بداية من فيلمه «حياة هذا الفتى» امام روبرت دى نيرو عام 93 كأول دور كبير بعد ظهوره لأول مرة فى فيلم «المخلوقات 3» .. وحتى فيلمه «ذئب وول ستريت» الذى خسر فيه الأوسكار أمام منافسه ماثيو ماكونهى ..
لم يقدم أداءا قاسيا فى كل هذا المشوار كما كان عليه فى تجربته الأخيرة «العائد» .. وهو ان خسر «الأوسكار» سيصاب بخيبة أمل لا محالة، لأنه بلغة العامة (هيعمل أيه تانى) ..
الفيلم يستحق الضجة المثارة حوله، كتمثيل وأخراج وموسيقى وديكورات، وكحالة سينمائية، فقد تكاملت فيه عناصر الإبهار من الصورة التى لا تتوفر فى معظم الأفلام المرشحة امامه وحتى الأداء..
وبعيدا عن أن القصة ليس بها ما يبهر وأن النهاية متوقعة، وأن هناك في الفيلم مبالغات، فأن أداء دى كابريو وقدرته على أن يمتعنا ويدفعنا للتصديق بها كالمشاهد الثلاثة التى هى من اصعب مشاهد الفيلم «مصارعته الدب» وربطه على ناقلة خشبية للصعود به ثم قتل ابنه امام عينيه، والمشهد الأصعب وهو بياته فى بطن حصان، لحصوله على الدفء.. هذه المشاهد تكفى لمنحه جائزة أفضل ممثل، دون النظر لقصة الفيلم التى هى فى الواقع مقتبسة من قصة حقيقة ..
وإذا ما إنتقلنا الى الأحداث، سنكتشف أنها رغم بساطتها كانت فكرة بنى عليها المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو فيلمه، فهو اختار حكاية بسيطة وقعت أحداثها فى عام 1823 عن حياة صياد الفراء ساكن الحدود هيو جلاس.. وقام بكتابة السيناريو والحوار مارك إل سميث وإيناريتو، من رواية بنفس الاسم لمايكل بنك.
«دى كابريو» هو من يمثل شخصية «جلاس» صائد دببة يتحالف مع مجموعة من الصيادين وينطلقون معا في رحلة على ضفاف نهر ميزوري مصطحبا ابنه الذى كان قد نجا به من سطو قتلت فيه زوجته .. وفى الرحلة يكشف لنا الفيلم عن الغيرة القاتلة من احد زملاءه ورغبته فى التخلص منه ومن ابنه .. حتى تبدأ ذروة الأحداث باصابات مبرحة فى جسد دى كابريو «جلاس» وهنا يرفض قائد الرحلة تركه مستسلما للموت الا بإغراء مالى ومن يبقى معه يحصل عليه، فيوافق شاب صغير للبقاء معه، الا ان حب المال يغرى زميله الذى يبغضه للبقاء من أجل المال .. فيساومه وهو فى شدة المرض على الموت الرحيم، الا ان ابنه يرفض فيقوم بقتل إبنه فى غياب الصبى شريكه فى الصفقة، ويتم دفن «جلاس» حيا لكنه ينجو.. وتبدأ رحلة الصراع مع الموت .. حتى يعود بحثا عن قاتل إبنه.
فى رحلة الموت يقدم لنا المخرج صورا مبهره، ومناظر طبيعية ساعدته كثيرا فى أن يبتعد عن كل ما يفسد عليه الفكرة، فهو يصور احداثا دارت فى عام 1823 أى لا مدينة لا طائرات لا سيارات فارهة لا ملابس، فقط سماء مظلمة وثلوج، ودرجة حرارة 30 درجة تحت الصفر.. وشلاشلات مياء، ومفردات لحياة بدائية تعامل معها بدقة متناهية كاشعال النيران فى بقايا الأشجار بالطرق البدائية القديمة وطهى اللحوم بل وأكل الأسماك نيئة، كلها مفردات ترشح هذا الفيلم ليكون أفضل أفلام دى كابريو على الاطلاق سواء حصل على الأوسكار أم لم يحصل عليه.