أحداث و تقارير

خيرية البشلاوي تكتب: «القرموطي في أرض النار» ترفيـه شـعبوي هـادف

يرية البشلاويـ خيرية البشلاوي

لسنا أمام فيلم يرضي عنه النقاد ـ فالنقاد يبحثون عن المعايير الفنية. وفيلم «القرموطي في أرض النار» متحرر نوعاً من هذه المعايير.. مخرج الفيلم أحمد البدري والمؤلفان محمد نبوي وعلاء حسين يتبنون منطقاً أخر يجعلهم ينحازون للترفيه الشعبوي الهادف وأعوذ بالله من كلمة «هادف» التي تسبب حساسية للبعض. ولكن الاقبال الكبير يمنح هذا الإختيار مشروعيته. فنحن نعلم أن الجمهور هنا هو صاحب السلطة الأقوي وليس النقاد وبمقدوره أن ينصف العمل أو أن يطرحه أرضا. ومن الطبيعي أن ينحاز منتج الفيلم لدافع التذكرة وأن يرضي مزاجه.

وللعلم الفيلم يختلف عن معظم انتاج السبكي وهو بالمناسبة نوع من الترفيه المطلوب ونحن في حاجة إليه لأنه الوسيط القادر علي تغذية وعي المشاهد بدون دم أو جنس أو إبتذال حتي لو اتسم الحوار أحيانا بالغلظة واللجوء إلي شتائم دارجة سوقية وليس المطلوب تكريسها «ابن الجزمة. ابن الكلب. ابن كذا… إلخ».

33333

«القرموطي» الذي يجسده أحمد آدم كوميديان شعبي «أراجوز» إن شئت الدقة ولكن من لحم ودم. أو هو بديل لهذه «الدمية» الظريفة مسحوبة اللسان كثيرة الكلام. وغريب الهيئة بشعره وتصميمات ملابسه وألوانه ومخارج ألفاظه ولوازمه المتكررة «معلهش احنا بنتكلم» أو «معلهش احنا بنتبهدل» ثم بحكاياته الطريفة مع زوجته «نرجس ـ بدرية» وأختها «زوزه ـ شيماء سيف» وزوج اختها «حسبو ـ علاء مرسي» وهم يشكلون فرقة فكاهية بحكم طبيعتهم وتكوينهم ومظهرهم.

أيضاً حكاياته مع أمير داعش «سماحة ـ أحمد صيام» وابن جاره «ميدو ـ محمد عادل» طالب الهندسة الذي أصبح عضواً في الجماعة الإرهابية بعد غسيل عقله ومع أعضاء التنظيم الأجانب من ألمانيا والنرويج وسويسرا بما في ذلك من دلالات واضحة وكذلك مع فريق النسوة اللاتي جيء بهن للكفاح «كفاح النكاح» ومنهم بالمصادفة زوجته «نرجس» التي تم اختطافها من السواحل الليبية بعد الرحلة البحرية التي أغرقت الأسرة وقذفت بهم إلي حيث توجد الجماعات الإرهابية المسلحة النصرة.. وداعش و..الخ.

47004-أحمد-أدم-فى-مشهد-من-فيلم-القرموطى-فى-أرض-النار

«القرموطي في أرض النار» ينقل للناس من خلال هذه الحكايات المصطنعة ظواهر وموضوعات حقيقية تعتبر جزءاً من الهموم الراهنة التي يتداولها الناس في الشارع وداخل البيوت وعلي المقاهي ويتابعونها من خلال التليفزيون ووسائل الإعلام وعلي الأنترنت، وهو في نفس الوقت يتناول ومن خلال نفس الشخصية المحورية حجم التأثير الذي تمارسة أجهزة الاتصال الحديثة مثل الـ«آي باد iPad» والكمبيوتر وأجهزة التليفزيون المتطورة علي رجل الشارع البسيط ساكن الحارة والبيت البسيط و«الجامع» هذا المكان الذي يلعب أحيانا تأثيراً مضادا ورجعياً من خلال تطرف بعض خطبائه. وهو أيضا القرموطي الجار الودود المرتبط بمن حوله من أبناء الطبقة المتوسطة الدنيا الذين يكافحون من أجل تعليم أبنائهم ويفاجأون بانضمامهم إلي الجماعات الإرهابية «علاء زينهم وعفاف رشاد» .

ثلاثي الأبعاد

الفيلم يبدأ بحدث مهم في حياة القرموطي. ألا وهو امتلاكه لجهاز تليفزيون ثلاثي الأبعاد يجعله «في قلب الحدث»، وبينما يتابع الأخبار يفاجأ بحريق في المطبخ بسبب جهل أو رعونة زوجته يتزامن حدوثه مع ظهور مشاهد لحريق علي الشاشة ثلاثية الأبعاد. ويختلط الواقع الحقيقي بصور التليفزيون المجسمة الأمر الذي يتسبب في الكثير من الهرج والمرج واستدعاء رجال المطافئ الذين يصلون بعد إخماد النيران ثم ما يتلو ذلك من «ازعاج» و«غرامة» وحريق يفتعله «القرموطي» بنفسه حتي يتخلص من غرامة إزعاج السلطات.

كثير من مشاهد التهريج والكوميديا الهزلية يفتعلها «القرموطي» المتعالم والمدعي والحالم بأدوار للبطولة والقيادة وبامتلاكه نظام الـ «GPS» الذي يصر علي تسميته بـ «جي جي بس» ويخترع حكاية عن مصدر هذه التسمية.

66873-14650662_10154653961407171_8078711332009839256_n

وربما يبدو لكثيرين من عشاق السينما أن قدرة القرموطي علي إثارة الضحك شحيحة من خلال الشخصية التي يقدمها. ولكن الواقع يقول أن لهذا الممثل جمهورا يتفاعل مع قفشاته وإفيهاته وحكاياته التي تعتمد علي المبالغة والاستظراف ولكنه في إطار هذه التوليفة يضع خطوطاً مباشرة تحت كثير من الأخطار التي تمثلها الجماعات المسلحة الارهابية التي تخطط لإقامة خلافة إسلامية.

ولأن البناء الفني للفيلم إذا جاز لنا إستخدام هذا المصطلح لا يعدو مجموعة من النمر الفكاهية اللاذعة والمهضومة جماهيريا إلا أنه يتضمن وسط الفكاهة رصداً واقعياً ساخراً من المظاهر السلبية والتوظيف السييء للميديا ولأشكال النفاق والدور الأيديولوجي الخطير الذي يمثله التطرف.

فالقرموطية يمكن إعتبارها عاملا محفزا أو عنصرا كاشفا للأخطار يوجه رسائله للإنسان البسيط العادي بينما يلقي الضوء علي بيئة الإرهاب واللخبطة الشديدة التي تتشكل منها هذه الجماعات.. وهو في نفس الوقت يقدم نموذجا إيضاحيا بالصورة والحوار عن جزء من الصراع بين الجامعات الارهابية وبين الدولة المصرية ممثلة في مؤسستي الجيش والشرطة. وفي نفس الوقت يقوي النزعة الوطنية دون خطابة أو مباشرة.

إن الإستعانة بالفكاهة كأحد الوسائط القريبة من ذوق الناس وثقافتهم أمر مشروع بل هو مطلوب بشرط البعد عن الإسفاف والتزييف.

«القرموطي في أرض النار» يعتبر الفيلم الثاني بشخصية القرموطي التي يجسدها أحمد آدم ويستعين بنفس نوع الترفية الهادف أو التعليمي. الذي يمزج بين الفكاهة وبين المعرفة بالواقع في العمل الأول «معلهش احنا بنتبهدل» يصل القرموطي إلي العراق قبل الغزو الأمريكي ثم تحدث الحرب فيذهب للبحث عن ابنه القرموطي الصغير في بغداد وما يصاحب هذه العملية من أحداث تلقي الأضواء علي كثير من الملابسات المرتبطة بهذه المرحلة.. وفي الفيلم الأول تبدو الشخصية بنفس المواصفات. كوميدية هزلية ومدعية ومتعالمة تتدعي ما ليس لها ولا بامكانياتها البسيطة ويمكنها أن تحقق ما تسعي اليه، ولكنها في نفس الوقت كاشفة تلقي الأضـواء علي مـرحلة حـديثة وصـعبة جداً في تاريخ العراق. ساخراً من أمريكا وبوش بطريقة تنطوي علي نقد لاذع للسياسة الأمريكية.

https://www.youtube.com/watch?v=yceGnexQLd4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى