خيرية البشلاوي تكتب: «خير وبركة».. التفاهة مصدر الضحك
ـ خيرية البشلاوي
أفلام السُبكي “علامة” في صناعة الترفيه السينمائي المصري بقول آخر صارت “ماركة” يمكن تمييزها وسط المنتجات التي توفرها هذه الصناعة لجمهور الباحثين عن الترفيه والتسلية الاستهلاكية السريعة.
ذات يوم شبهت أفلام الأخوين “أحمد ومحمد السبكي” بـ “رغيف الحواوشي” بمعني انه وجبة حريفه ومتبلة وسمينة إلي جانب أشياء أخري يستسيغها دافع التذكرة.
فالترفيه اذواق والسبكي يعرف مايريده الجمهور الذي يتفاعل مع أعماله وبرغم ذلك يظل التشبيه مقصورا لأنها أفلام تقدم لطالب الترفيه مزيجا من الفرح البلدي والكباريه الشعبي المزدحم بالأغاني والرقصات البلدية المثيرة إلي جانب حالة الهيصة والزمبليطة والهمبكة اللفظية ان صح التعبير. أفلام تحول الشاشة الي ساحة تتسع لكل شئ واي شئ يدخل ضد أصناف التسلية. مثل النكته والايفيه. ولغة الجسد بما تصدره من اشارات يلتقطها المتفرج ويتجاوب معها إلي جانب اشكال من العنف الدموي المبالغ فيه.
ولايعني ذلك أنها أعمال بلا “قيمة” لأن الترفيه في حد ذاته قيمة وطاقة قد تكون ايجابية أو سلبية وفق المحتوي وما يرسب في الوجدان وما يتبقي في ذاكرة المتلقي.. ولاننسي أن أعمال “السُبكي” “مدرسة” أخرجت الكثير من “النجوم” نجوم العنف والضحك. وأثرت الصناعة بالراقصات الجدد من داخل الحدود وخارجها. وآخرهم “انستازيا” الراقصة في فيلم “خير وبركة” المعروض حاليا ولولا أن وجبة الترفيه هذه ناجحة وفعاله مانجحت الافلام ولاحققت ايرادات ضمنت استمرارها وتفوقها في الايرادات علي أعمال كثيره أهم واكثر فنيه.
الصامد الأوحد
ومن بين كل أفلام العيد الكوميدية صمد فيلم “خير وبركة” للمخرج سامح عبدالعزيز الذي قدم “للسُبكي” أفضل إنتاجهم.. وقد شاهدت الفيلم بحكم المهنة ومن دون أن أتوقع أكثر مما أعرفه أو ما يوحي به الأفيش. أو أكثر من ميزة “التكييف” في يوم شديد الحرارة.
وللموضوعية وجدت أن ثمة مزايا للعمل تستحق الذكر لعل أولها أن الجيل الجديد من المضحكين امثال علي ربيع ومحمد عبدالرحمن وقد سبق اعدادهم وتمرسهم عبر مؤسسات ترفيهية اخري “مسرحية وتليفزيونية” أصبحوا قادرين علي جذب المتفرج وبدون اسفاف أو ابتذال فاضح. ويبدو أن الحاج أحمد السبكي لم يعد مصرا علي محمود الليثي وصافينار بعد استنساخ الراقصة “انستازيا” التي تنتمي لنفس “الموديل” وتكاد تكون صورة طبق الأصل منها ثم إسناد عنصر الاغاني للبطلين المضحكين وان احتفظ الفيلم بطبيعة الحال بنفس عناصر التوليفة الناجعة التي اعتاد تقديمها طالما احتفظت بقدرتها علي اجتذاب المشاهد.
مصدر الضحك
ما يلفت النظر في هذا الفيلم شديد الهيافة الذي ألفه كل من جورج عزمي وشريف نجيب هو استخدام “الهيافة” وتوظيفها كمصدر للضحك وبالذات الحوار الذي يجعلك من فرط تفاهته تضحك: إسمع الشقيقين “خير” و”بركة” بينما يتحاوران حول عجائب الأمور التي صادفها كل منهما واصعبها. ويقولان ذلك بمنتهي الجدية.
– إنت شفت القصب وهو بيتعصر؟
– أنت شفت البطاطس وهي بتتقلي؟
– طب انت شفت البيض وهو بيتسلق؟
ايضا مشهد الحوار الغرامي الفكاهي من تحت النافذة مع الفتاة التي أحبها “بركة” واراد من شقيقه “خير” أن ينقله اليها لأنه الأطول والأقدر من ثم علي ان يصل لحافة النافذة وذلك في محاكاة هزلية “لروميو – ولكن بالإنابة – و”جوليت” النسخة الشعبية ابنة تاجر المخدرات في العزبة المحرمة التي دخلها الاثنان “خير وبركة” بحيلة هزلية وبهدف الحصول علي تذاكر لحفلة “هيفاء”.
الضحك في”خير وبركة” لا يعتمد فقط علي “منتهي الهيافة” ولكن أيضاً منتهي السذاجة والاستظراف والادعاء بمعرفة كل شئ واي شئ اثناء بحث الاثنين عن عمل وعن وسيلة تدخل البهجة علي أمها “دلال عبدالعزيز” التي تري فيها منتهي الخيبة.. وقد تفتق ذهنهما عن البحث عن “هيفاء وهبي” وأخذ صوره معها لعلها تسعد الأم وتؤكد لها تفوقهما عن ابن عمتهما التي تتباهي بصور ابنها مع الممثلين!
ومن أجل تحقيق هذه الغاية يخوضان عدة مغامرات ساذجة ولكنها توفر المناسبة لحواديت وتفاصيل فرعية وبالتالي لأدوارا ثانوية لبيومي فؤاد وسيد رجب ومي سليم ومحمد ثروت وكريم عفيفي الخ..
فإذا كانت “التفاهة” تعني فراغ المحتوي وغياب المعني وعدم الجدوي إذن فنحن امام عمل “تافه” ولكنه ليس بلا جدوي حيث استطاع صناعه ان يحولا “التفاهة” التي تطول كل التفاصيل الي عمل ضاحك علي الأقل بالنسبة للجمهور الذي أبقاه داخل دور العرض حتي الان.
المخرج الموظف
سامح عبدالعزيز يعرف بطبيعة الحال ما يريده المنتج “صاحب المحل” ويقدم الوجبة الترفيهية السريعة للمتفرج في اطار الميزانية المحددة وبحيث تتضمن ما يطلبه الجمهور ويتوقعه كزبون مستهلك لهذه النوعية.
وكمخرج ناجح لايهبط بالعمل السينمائي الي ما دون المستوي المقبول فنيا فسواء بالنسبة لعناصر التصوير وتوجيه الممثلين او تصميم الحركة وادارة المواقف المزدحمة بالتفاصيل والكومبارس دون إشاعة الاحساس بالفوضي الفنية داخل الصورة.
والاعتماد علي مصور قدير “سامح سليم” لديه احساس بالتشكيل والتعامل مع المفردات المرئية داخل الاطار بما يحقق الانسجام والتناغم مع المؤثرات البصرية وبما يخدم التأثير الكلي للعمل.
جدير بالذكر الاختيار الموفق لبطلي الفيلم “علي ربيع ومحمد عبدالرحمن” وصناعة ثنائي ضاحك وتوجيه كل منهما بما يخدم الايحاء الذي تولده ملامح كل منهما الخارجية وهي ملامح مميزة.
يؤكد المخرج في هذا الفيلم علي عنصر من عناصر الشحن المعنوي في حبكة الفيلم واعني عاطفة الحب الجارف بين الشقيقين “خير وبركة” واختيار اسمين يؤكدان هذه الألفة والتناغم الايجابي وايضا عاطفة الحب الدافء بينهما وبين الأم التي لعبتها دلال عبدالعزيز.