خيرية البشلاوي تكتب عن: شكل هوليوود في مرحلة ترامب
ـ خيرية البشلاوي
من البديهي بطبيعة الحال أن يتوقع المعلقون علي الأمور الثقافية أن تتلون الأفلام السينمائية الأميركية بنكهة ومذاق المواقف وايدولوجيات الإدارة الحاكمة.
وإبان حكم ريجان تم صك مصطلح «السينما الريجانية ـ Reganite cinema» في إشارة إلي الخيط المشترك الواصل بين أفلام التيار السائد للأفلام إبان فترة الثمانينات من القرن الماضي وهو تحديداً الترويج نحو العسكرة وهوس اقتناء الأفراد للمسدسات والتأكيد علي أهمية اللياقة والقوة الجسمانية.. وهذا كله يمثل شكلاً من أشكال الاستجابة للصورة التي يمثلها ريجان نفسه.. صورة الدكر مكتمل الرجولة الذي لديه أجندة سياسية عدوانية ويدفعنا ذلك إلي التخمين واستقراء ما سوف تكون عليه السينما في السنوات الأربع القادمة تحت حكم الرئيس دونالد ترامب.. ومن ثم يمكننا أن نتخيل روح ترامب السوقية المتبذلة. وحالة الشعور بالكراهية إزاء الأجانب والمهاجرين من خلال أفلام المخرج الأمريكي مايكل باي «المتحولون» التي تضع «الحكاية» جانباً من أجل تكريس الصور التكنولوجية التي يقوم الكمبيوتر بانتاجها مثل مشاهد الدخان والمرايا.. والخ.
غرام بالأكشن
وقد كتبت صحيفة «النيويوركر» أن الرجل «ترامب» لديه غرام طويل وممتد بالنجم الأمريكي جان كلود فان دام وأفلامه المفعمة بالحركة والعنف فهو مغرم بمشاهد الاقتتال العنيفة.. ولا يعنيه السياق السردي للقصة.
ومن الأمور المنطقية أن القوة السياسية حين تكون قريبة الصلة بالممولين الرأسماليين والمنتجين وسائر المدراء التنفيذيين الذين يتولون زمام هوليود أن تتم التغيرات بإيقاع أسرع وعلي نحو نافذ وفعال وحيوي. وهذا ما سوف يحدث إبان حكم ترامب الذي يضم في مجلس وزرائه شخصيات عملت علي نحو مباشر داخل نظام هوليود. وربما كان أكثرهم ظهوراً وزير الخزانة ستيفن مونشن الشريك المؤسس للمؤسسة المالية الاستثمارية العتيدة «جولدمان ساكس» والشريك في تأسيس شركة «راتباكدون Ratpacdun انترتينمت». وبالنسبة للعاملين في السينما يبدو هذا الاسم مألوفاً حيث يوجد ضمن عناوين العديد من الأفلام السينمائية الضخمة مثل فيلم «أفاتار» و«كتيبة الانتحار» و«القناص الأمريكي» وهذه القوة الضاربة من الأفلام السينمائية من شأنها أن تحدث تغييراً في صناعة السينما وأن تدفع شخصية علي غرار «مونشن» إلي مركز سياسي مرموق وفق المنطق القائل «النقود تتكلم ـ Money Talks».
ايضا يدخل ضمن الشخصيات النافذة في دائرة ترامب من لهم علاقات بصناعة الترفيه شخصية ستيفن بانون الرئيس العدواني سليط اللسان للشبكة التليفزيونية الإخبارية «بريبارت ـ Breibart» الذي كان لاعباً لمدة طويلة في قلعة هوليود وهو أحد الذين يمكنهم الإسهام من خلال صناعة السينما في الترويج للموضوعات والقضايا المرتبطة بالجناح اليميني الأمريكي. ومن أعماله التي تضمها قائمة أفلام تسجيلية تبث مشاعر الخوف مثل فيلم «احتلال غير مقنع» وهي أعمال ذات علاقة وطيدة بالموضوعات القادرة علي إحداث تأثير ضار وشرير. وهناك ايضا حقبة من المؤسسات المملوكة لرجال الأعمال الذين تربطهم صلات مالية بالشبكة الإخبارية التي يملكها «بريبارت» ومنها مؤسسة «فري مارك فاينانشيال» وهي مؤسسة مالية استثمارية تتولي إدارة مصالح العديد من النجوم في السينما والتليفزيون ومن بينهم نجوم أفلام «حرب الكواكب» و«بريكنج باد» و«فاشت اندفيورياس».. ومن البديهي أن يطرح السؤال: «كيف تؤثر هذه العلاقات في التيار الرئيسي للسينما».
خطبة ميريل ستريب
أثناء حفل توزيع جوائز الجولدن جلوب السنوية القت النجمة الأمريكية ميريل ستريب خطبة مفعمة بالمشاعر أثناء تلقيها جائزة الإبداع عن مجمل أعمالها كانت هي الحديث الأكثر حضوراً هذه السنة في وسائل الإعلام.
فقد وقفت علي مسرح سيسيل دي ميل تدافع عن حرية الصحافة وعن التسامح وقبول الآخر. دون أن تشير مباشرة إلي الرئيس الأمريكي المنتخب ولم يكن لدي المستمعين أدني شك في أنها تشير إلي «ترامب» الذي جاءت استجابته المتوقعة المعروفة من خلال «تويته» علي حسابه تشير إلي ميريل ستريب كممثلة تحظي بتقدير مبالغ فيه.
وترامب لو نظرنا إلي برنامج «تليفزيون الواقع» وأعلي برج في نيويورك الذي يعيش فيه سنجد أنه رجل يعشق الدعاية والإعلانات ولكنه حين بدأ الاشتغال بالسياسة تغيرت مواقفه ولم يعد يتقبل أي نوع من النقد مهما كان بسيطاً وعادة ما يرد علي منتقديه عبر حسابه علي الإنترنت حيث يتعمد التقليل من شأن أي شخص ينتقده.
ومع وجود شركاء يناصرونه وتحت أمره مثل مونشن وبانون ورئيس يحتقر ويوجه سهامه إلي أي نقد يوجه إليه. فمن ذا الذي يريد أن تتدلي رأسه من سور أو يصطدم بجدار؟؟
إن هوليود تمتلك تاريخاً طويلاً في التعبير عن الأوضاع الراهنة ولو علي نحو ضمني في الأفلام.. ولديها مؤسسات يعود تاريخها إلي مائة عام تحرص جداً علي إرضاء مشاهديها وتتردد كثيراً في إحداث أي نوع من الاغتراب لهم.
فالجانب الأكبر من الإنتاج ينحاز لاتجاهات التيار الهوليودي والابتعاد السريع عنها يمثل مخاطرة .
وإبان فترة الأربعينيات خرجت الأفلام المعادية للفاشية وفي السبعينيات عبرت الأفلام عن النزعات الاحتجاجية ذلك لأن الاشتباك مع القضايا السياسية عادة ما يأتي متأخراً قليلاً.
وفي خطبة ميريل ستريب نزوع إلي الاتجاه الليبرالي. واحتفاء بفكرة التعددية و«المهاجرين» وصرخة متضمنة ونداء يعبر عن «هوليود الليبرالية» والتجاوزات التي يمكن أن تحدثها شخصيات نافذة مالياً وسياسياً يمكن تجاوزها واقصاؤها بفعل الأغلبية الموجودة في «مستعمرة» هوليود ومع ذلك فإن محاولات التنبؤ بالمستقبل هذه الأيام تعتبر حماقة.
فكل ما نعرفه أن الاستوديوهات الكبري سوف تبدأ في ضخ الأفلام التي تناقض وتواجه السياسات المعادية مثلما حدث في الثمانينيات مع أفلام المخرج سبايك لي. ودافيد لنشي وآخرين إذ سوف تتجه هوليود إلي المخرجين ذوي العقلية الاستقلالية لشق الطريق.
في 2017 ربما يقود هذا الاتجاه مخرجين من أمثال باري جنكنر «مونلايت» والمخرجة آفا دوفيرني وهي منتجة ومخرجة تعمل في إطار السينما المستقلة.