Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أحداث و تقارير

خيرية البشلاوي تكتب: «مولانا» دعوة إلي إعمال العقل النقدي الواعي بالتناقضات

خيرية البشلاويـ خيرية البشلاوي

من هو مولانا؟! المثقف الداعية نجم الفضائيات أم الأزهري المعمم؟!

بطل الفيلم الذي أخرجه وكتب له السيناريو مجدي أحمد علي عن قصة رواية ابراهيم عيسي التي تحمل نفس الاسم ينتقل من الطبقة المتوسطة الصغيرة إلي نجم إعلامي لامع يحقق حراكه الاجتماعي والسياسي بفضل البرنامج الديني «اعرف دينك» الذي يحقق له الشهرة والنجومية والثراء حتي يصبح محط أنظار السلطة ويصبح هدفاً لبطشها حين لم يفلحوا في تطويعه واستخدامه وقد صار قوة نافذة ومؤثرة بسبب آرائه المنفتحة وإجاباته الجسورة غير التقليدية علي الفتاوي والأسئلة التي ترد إليه من جمهور البرنامج.

الشيخ الشناوي إذن إعلامي بقوة بضاعته الدين ويمتلك مهارات عديدة تؤهله للنجاح والنجومية فضلاً عن امتلاكه ناصية الكلام دون تقعر ولا تعقيد ولا تغييب للعقل علي النقيض من استاذه الأزهري «الشيخ فتحي ـ أحمد راتب» صاحب فتوي ارضاع الكبير التي أثارت لغطاً وجدلاً كبيرين.. والذي أدي إصابته وتغيبه عن أحد البرامج إلي إحلال الشيخ حاتم محله فهكذا «لعب الزهر» وانبسطت الأمور وراجت وانتقل مؤذن الجامع من حال إلي حال.

15665849_1164977843580121_1999379087309646753_n

الشخصية قوية والممثل حاضر البديهة وجدير بالإعجاب مثل الشخصية التي يؤديها ولكن السيناريو الذي أعده المخرج عن الرواية ضعيف درامياً. لحظات القوة والتأثير فيه شحيحة ومنها حكاية غرق الطفل الوحيد الذي أنجبه الشيخ بعد سنوات سبعة. غرق وحيده في حمام السباحة بينما «مولانا» غارق في نشوة النجاح والزهو بالذات وبريق الشهرة ومع ذلك فإن تداعيات هذا الحادث الجلل في حياة الشخصية المحورية الغنية بالتناقضات تخفت تدريجيا وتتواري حتي نهاية الفيلم التي بدت مفاجئة ومصطنعة بعودة الطفل معافي بعد غياب ومعه أمة زوجة مولانا التي لعبت دورها الممثلة درة دون أن تؤثر فينا وكان من الممكن أن تثري الجانب الدرامي العائلي بتعميق تأثير المال وتدفقه وهي المرأة البسيطة ذات الأصول الشعبية المتواضعة التي نسمع فقط انها فتحت محلاً لملابس المحجبات من وراء زوجها ونراها في مشهد يجمعهما تطالبه بتحقيق رغبتها في فتح حساب بنكي يحررها من وساطته وهو خيط في العلاقة الزوجية يعبر عن عملية صعود صاروخي مادي واجتماعي كان يمكن أن يتحول إلي فصل كاشف من فصول التحولات التي يمكن أن تطرأ علي أحد نجوم الفضائيات عندما تدور رأسه بسبب المال والشهرة وهو يحمل بضاعة جذابة «الدين».

الأفكار سبب جاذبية الفيلم

لكن جاذبية الفيلم ترتبط بما يطرحه من أفكار حول قضايا نافذة بالنسبة لنسبة من جمهور الطبقة المتوسطة المتعلمة التي تتابع المؤلف علي الشاشة الصغيرة ومن خلال كتاباته ويستمع لآرائه في الاتجاه المعاكس لما يدور في الشأن العام وتحديداً في العلاقة بين الدين والسلطة والمثقف وأجهزة الأمن ممثلة في أمن الدولة وكذلك بين السنة والشيعة التي تتعمد السلطة تعميق الخلاف بينهما لأسباب سياسية وموضوع التصوف والمتصوفين وما جري لأحد أساتذتهم لأسباب سياسية والأكثر من ذلك إثارة وتشويقاً علي المستوي المرئي صور الدعاة والسخرية منهم كأدوات طبيعية في يد السلطة ثم ما جري لـ «مولانا» بطل الفيلم حين لم يعد علي مزاج القائمين عليها.. الشخصية المحورية درامية عبر ما تفكر فيه وتؤديه.

حاتم الشناوي محور هذا الفيلم هو صوت «صانعه» وحامل أفكاره النظرية وآراءه ورؤاه ومواقفه التي حملها الكتاب ذلك لأن المؤلف نفسه مثقف طبعا ونجم فضائي ومعارض علي الدوام حيث المعارضة في فترة حكم حسني مبارك التي سبقت ثورة يناير كانت مرتعا خصبا لخوض المعارك الرابحة جماهيريا في الصراع المحتدم بين من يملكون المال ومن بيدهم السلطة ومن يمتلكون القنوات الخاصة المفتوحة للمعارضين في زمن متهم بالاستبداد والفاشية ولأسباب تسعي للتنفيس وفتح مخارج أمام الغضب المكتوم الذي انتهي إلي ثورة 25 يناير وما جري بعدها يحتاج «مولانا» آخر وربما بنفس «القفطان والعمامة» أو بمواصفات المثقف الداعية.

15697858_1164978720246700_3475573275310033412_n

مولانا ـ الفيلم ـ شهادة قوية ومسألة عرضه جماهيريا في دور السينما من دون حظر أو حذف يؤكد ان الديمقراطية ليست مصلوبة تنزف منها الدماء وان السينما كقوة ناعمة تلعب دورها كما يجب من خلال الأفكار المغايرة والمنفتحة التي يطرحها الشيخ حاتم الشناوي أمامنا علي الشاشة فقد تكلم وأنطق الجمهور وأجاب عن الأسئلة الحرجة والحساسة مثل السؤال الملتبس عن حكاية «زينب بنت جحش» زوجة الرسول عليه السلام والتي لا يعرفها بالتأكيد نسبة كبيرة من جمهور الفيلم. لكن لعله يسعي إلي معرفتها بعد عرضه ومثل السؤال حول «السنة النبوية» ومحاولة اتهامه بإنكارها من خلال «نشوي» التي نعرف لاحقاً انها مدسوسة من قبل جهاز أمن الدولة لتوريطه وانها ممثلة مغمورة وراقصة واشتراكها في البرنامج كان جزءا من سيناريو «حرق» هذا «الداعية» الذي أصبح خطيرا ويصعب تكييفه ليعزف نفس النغمة التي تريدها السلطة.

حول التمثيل وأشياء أخري

في بداية الفيلم وأثناء حوار «مولانا» مع صديقه الممثل المغمور «أنور» يدور الحديث حول السؤال «هل التمثيل حرام أم حلال؟؟» وبعد جدل طريف ينتهي إلي كونه حلالاً.. هكذا يفتي الشيخ الداعية ـ عن حق ـ داعماً رأي المؤلف.. فالشيخ حاتم الشناوي هو بالقطع لسان حال صانعه ابراهيم عيسي مثل وهذا الخطاب يخالف بالتأكيد رأي النسبة الأكبر من دعاة المساجد هذا إذا ما كان من واجبنا الاعتراف بأن السينما وسيلة نافذة لتغيير الخطاب الرجعي والنظرة الدونية للفنون البصرية من قبل مشايخ الأزهر وللفن عموماً وهي أداة قوية بالنسبة لتغيير الخطاب الديني ونزع القداسة عن «كهنوت» رجال الدين وقد فعل ذلك المخرج مجدي أحمد علي بإخلاص فاق عندما جمعهم في مشهد الوليمة التي أقامها صاحب مصنع خالد أبو حديد «لطفي لبيب» ورسم من خلاله بدقة وزخم تشكيلي ومن زاوية كاميرا مرتفعة تسلط الضوء علي سمات الجشع والشهوة وسيطرة الجوانب الحسية والمادية علي أصحاب المال ودعاة الدين وأيضاً عناصر نافذة في السلطة التفوا حول موائد الطعام يمزقون لحوم الذبائح بشهوة وشهية مفتوحة.

15542149_1156641144413791_4312966817700289045_n

رسم الشخصيات

ومن أفضل عناصر هذا الفيلم رسمه للشخصيات الثانوية بعد إقرارنا بتفوق الشخصية المحورية والأداء الفذ للممثل بطل الفيلم.. من هذه الشخصيات شخصية المذيع أنور عثمان «بيومي فؤاد» الذي استحضر جانباً مهماً بطرحه الفيلم حول علاقة الميديا الاستهلاكية التجارية التي تستخدم الداعية مثلما تستعين بالراقصة وتوظف الدين مثلما توظف الهلس وتفسح المجال واسعاً أمام الإعلانات التجارية البذيئة التي تشير إلي حجم الجماهيرية الكبيرة لبعض البرامج وفي مقدمتها البرامج الدينية.

الفيلم فكرياً يضع يده علي دور الميديا في التزييف وأيضاً في التنوير شريطة عدم المساس بأصول الدين السني الحنيف.. لكن لا بأس من التجريح ولا بأس من نشر الفضائح الشخصية ولا غرابة في الترويج لأفكار المشايخ أصحاب الفتاوي المستنيرة التي ترفض تكفير الشيعة وتنادي بوحدة المسلمين وتستنكر اضطهاد أصحاب الرؤي المخالفة.. وهناك خطاب تعليمي يهدف إليه الفيلم من خلال التركيز علي مسيرة «مولانا» التي غطت صعوده من «التوك توك» إلي ركوب العربات الفارهة.. وعبر علاقاته مع صاحب القناة مجدي فكري الذي صوره الفيلم علي نحو ساخر وأشار إلي دوره المريب والموجه والمنحاز لتعاليم رجال أمن الدولة الذي حاول الفيلم وبإصرار تشويههم من خلال محاولات الجهاز الدءوبة لاستخدام الدين والدعاة وتسييس الاثنين لمصلحة النظام.

15826122_1173986982679207_6381254039810300606_n

مخرج الفيلم هنا في أفضل حالاته كمدير لعناصر الفيلم وبالذات إدارة الممثل وليس كسيناريست تعجز عن صنع دراما قوية تغزل خيوط الرواية المتشعبة والمرتبطة بأفكار المؤلف نفسه داخل نسيج متين ومتداخل ومتنام درامياً في إطار مؤثر يبرز الصراعات والأحداث ولا يعتمد فقط علي درامية الحوار القوي والجذاب الذي أنطق به الشخصيات.

15589813_1164650216946217_2247154131710358242_n

إدارة المخرج لطاقم الممثلين ممتازة واجتهاد عمرو سعد لمحاكاة المكتوب عبر اسلوب الأداء ونطق الحوار ومن خلال التعبيرات والصمت والدموع بينما يرثي في المشهد الأخير ضحايا انفجار الكنيسة بكلمات مؤثرة موجهاً اتهاماً مباشراً إلي «الباشوات» الذي يحركون الأحداث.. وأشرت إلي دقة رسم الشخصيات الثانوية وواقعيتها ولكن استوقفتني شخصية «حسن ـ أحمد مجدي» المسلم الذي تحول إلي المسيحية واختار اسم «بطرس» ثم اتضح انه الارهابي الذي قام بتفجير الكنيسة.. هذه الشخصية بدت لي مصطنعة جداً ومستحيلة الوجود في السياق السياسي والاجتماعي الذي وجدت فيه.. ولا يمكن أن يخرج من بيت «الرئيس» شخصياً شقيق زوجة ابنه وهو الحاكم الفعلي لمصر ـ حسب ما يقول الفيلم ـ ويتحول إلي مسيحي ثم إلي إرهابي يتولي عملية التفجير المروعة للكنيسة؟؟ لقد اعتمد الفيلم ــ الرواية ــ علي شائعات سرت وسط الناس حول شخصية ابن الرئيس الذي قيل انه كان مصاباً بمرض نفسي ومعالج في الخارج. ذلك السر الدفين الذي دفع الشيخ «مختار الحسيني» استاذ الصوفية حياته ثمناً لمعرفته به. ولكن هل عجزت أمن الدولة عن تجهيز بديل لهذه المهمة الإجرامية التي قام بها حسن ــ مرقص أم ان هاجس الإدانة المُلح لجهاز حيوي ومهم وفاعل من أجهزة الدولة أملت علي الداعية المثقف أن يكون مباشراً وجسوراً في توجيه الاتهام من دون لبس.. بصراحة لم أفهم هذا «التهييس» الذي أنجب شخصية علي غرار «حسن».

15941360_1180334615377777_7494941307166648576_n

من دون تردد ورغم المآخذ الفنية والموضوعية إلا أن الموضوعية تجعلني أشد من دون مجاملة علي قدرة «الفيلم» كوسيط فكري يمكن أن يكون أكثر جرأة من الإعلام المرئي ومن البرامج الموجهة بل وأكثر إثارة في طرحه للأفكار وبأعلي صوتاً في الدعوة إلي إعمال العقل.. إعماله حتي ونحن نقرأ عملاً مثل «مولانا» وأنا أعني العقل النقدي الواعي بالتناقضات والمفارقات في الرسائل الفنية الموجهة لجمهور السينما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى