خيرية البشلاوي تكتب: «هوليوود».. تعيد أجواء الحرب الباردة إلي الواجهة
ـ خيرية البشلاوي
لاتزال “الحرب الباردة” قائمة ولن تتوقف وسوف تظل مصدراً خصباً لن ينضب أمام “هوليوود” تنقل منه الموضوعات المتنوعة التي تغطي مساحة من التاريخ متخمة بالأزمات العالمية البارزة وبالحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الميادين الحربية وعلي مستوي التجسس والمغامرات المفعمة بالحركة وبالخيال في الجو والبحر وعلي كوكب الأرض.
وفي قائمة الأعمال التي أبحرت في خضم هذه “الحرب” وصورت زواياها من خلال الأفلام المحببة للناس: أفلام بوليسية. وحربية واجتماعية وتاريخية وسياسية ومغامرات.. وأفلام الجاسوسية في معظمها تصور جانباً من هذه الحرب. وكذلك أفلام حرب فيتنام “1956 – 1975” وأفلام الغزو السوفيتي لأفغانستان وأخري تناولت أزمة الصواريخ الكوبية “1962” التي وضعت العالم علي شفا حرب عالمية ثالثة. وأيضا الأفلام التي صورت أزمة حصار برلين “1948 – 1949”.. الخ.
ورغم أن الحرب الباردة شهدت فترات من التهدئة إلا أن “هوليوود” قلعة صناعة الفيلم الأمريكي لم تتوقف عن الإنتاج وواصلت ضخ الأفكار وصنع المواقف وتكريس وجهات النظر الأمريكية.
الحرب الباردة
وقبل أن استرسل في موضوع مهم يفرض نفسه من خلال ما تنتجه هوليود حالياً ومنها الفيلم الحائز علي الأوسكار “شكل الماء” وأفلام أخري سوف نشاهدها في 2018. قبل ذلك أحب أن أذكر القارئ بما يشير إليه هذا المصطلح “الحرب الباردة” فهو تعبير تم استخدامه لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس المحموم الذي طال ميادين مختلفة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الذي بدأ بعد انتهاء الحرب الثانية “1945” وامتد حتي سقوط الاتحاد السوفيتي عام “1991” لكن هذه الحالة نفسها.. أعني حالة الحرب الباردة وكما نري تشتد رياحها الآن مع ظهور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كزعيم قوي وبارز علي المسرح الدولي وبطل قومي يسعي إلي أن يعيد لروسيا مجدها القديم ومكانتها كقوة عظمي تنافس أمريكا وليس مجرد مصادفة أن الصراع الذي تشكلت ملامحه إبان فترة وصفت بـ “الحرب الباردة” مازال قائماً وموضوعاً ساخناً علي الشاشة. وتدور وقائعه علي أرض الواقع أمام أعيننا ومن خلال الميديا والحرب الدائرة قد “فكها” إلي عدة حروب بالوكالة وفوق ميادين مختلفة علي منطقة الشرق الأوسط. ولكن هذه حكاية مأساوية شاءت أقدار الشعوب العربية أن تكون ضمن ضحاياها.. مأساة تعرف تفاصيلها مؤسسات صنع القرار.
جميع الإنتاج “الهوليوودي” يمثل استعراضاً للقوة الأمريكية في شتي النواحي وفي المقدمة التقدم العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي والنووي بالضرورة. وجميع الهزائم العسكرية الأمريكية عالجتها “هوليود” بأفلام تدحض الهزيمة وبأبطال أفذاذ واستثنائيين يردون بالخيال الصاع صاعين أبطال علي شاكلة “رامبو”.. الأمر الذي يلقي الضوء علي حقيقة ساطعة تشير إلي أهمية الدور الذي تلعبه “هوليود” ليس فقط في الحرب وإنما في تكريس التفوق الأمريكي في شتي المجالات بشكل أو بآخر.
إن “هوليوود” باليهود الذين يسيطرون عليها وعلي صناعة السينما والأفلام عموماً تقوم بالتخديم علي السياسات الأمريكية والتبشير بما سوف يحمله المستقبل من أسلحة فتاكة جديدة والتحذير من القوي المناوئة لتأطير “الإمبراطورية” الأمريكية كقوة من حقها الهيمنة علي العالم بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. إنها مؤسسة خطيرة دفعت الزعيم السوفيتي السابق فكيتا خروشوف إلي القول إنه يخشي “هوليوود” أكثر من الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات والسبب الذي يمكن أن نلمسه فعلاً أن “هوليوود” تمتلك أقوي قوة ناعمة قادرة علي النفاذ إلي عقول المتفرجين من شعوب العالم وقلوبهم. وتصدير “أيقونات” للقوة والفتونة وأبطال أفذاذ في الميادين إلي جانب أكثر رجال العالم وسامة في قصص الحب والأفلام الرومانسية.
ومن خلال ما تمتلكه من قوة التأثير حافظت علي تشويه الشعوب والأجناس الأخري “الأصفر” و”الأحمر” و”العربي” بصفات المشوه والإرهابي الهمجي البربري.. الخ.
أهم المخرجين
ومازالت الحرب الباردة وسوف تظل تستقطب أهم المخرجين والنجوم الأمريكيين وتشارك أفلامهم في المهرجانات الدولية. ومن هذه النوعية الفيلم الذي شارك في مهرجان برلين الأخير “الشقراء النووية” للمخرج دافيد لتتش وقبله فيلم مهم “جسر الجواسيس” “2015” للمخرج البارع ستيفن سبليرج وجمهور العالم يقبل علي هذه الأفلام لأنها أعمال جيدة وممتعة وقوية فنياً. ومن حق أي دولة استخدام ما تملكه من قوي لفرض نفوذها والبقاء للأقوي.
ولم يغب الفيلم التسجيلي عن هذا المجال وموضوعاته. ومن بين هذه الأفلام التي لفتت الانتباه “تشيكوسلوفاكيا “1968” وهو فيلم قصير يتناول ما اصطلح علي تسميته “ربيع براج” الذي يصور الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 وهو من إنتاج وكالة الاستعلامات الأمريكية التي تم تأسيسها عام 1953 وظلت قائمة حتي 1999.
والفيلم تم ضمه لمكتبة “الكونجرس” كعمل ثقافي تاريخي وفني مهم يستحق التسجيل في أرشيف الفيلم القومي وقد حصل علي جائزة “الأوسكار” عام 1997.
منقذ العالم
هناك فيلم آخر يستحق الإشارة إليه ايضا بعنوان “الرجل الذي أنقذ العالم” وهو من إنتاج عام 2014 وتم عرضه في مهرجان وودستوك بمدينة نيويورك وفاز بعدة جوائز منها جائزة الجمهور. واللافت أنه من إنتاج الدنمارك ومبني علي حادثة حقيقية وقعت في 26 سبتمبر 1983. وكانت ستؤدي إلي دمار العالم لو لم ينتبه الجنرال السوفيتي ستانسلاف بتروف وكان وقتئذ ضابطاً في مركز الإنذار المبكر لنظم الصواريخ.. في هذا اليوم أشار الكمبيوتر بطريق الخطأ إلي أن الصواريخ الأمريكية عابرة القارات تتجه إلي الاتحاد السوفيتي. ولكن الجنرال ارتاب في الأمر وأشار إلي التمهل في الرد علي هذا الإنذار. مؤمناً بأن الهجوم لو كان حقيقياً فلن يتم بواسطة خمسة صواريخ فقط. ومن ثم فإنه من الأفضل أن ننتنظر معلومات أخري من الرادار الأرضي قبل الإقدام علي هجوم مضاد يدمر العالم.
والفيلم يستعين بشرائط مسجلة للجنرال بتروف ويضيف عليها مشاهد درامية تستحضر اللحظات الثقيلة التي رافقت هذه الحادثة. وقد حاول المخرج بيتر انطواني الاستعانة بالجنرال السوفيتي نفسه ولكنه رفض وأصر علي عدم كشف معلومات لا يملك الحق في الكلام عنها.
واستدعت الحرب الباردة صناع أفلام من دول أوروبية وبطبيعة الحال تولت السينما الروسية تقديم هذه الحرب نفسها من وجهة نظرها.. مثلما تناولت الحرب العالمية الثانية سينمائياً عبر أفلام روائية وتسجيلية مهمة. فالاتحاد السوفيتي استعان بالفيلم ولكن الفارق أكبر من أن يقاس.
** الحروب مادة عظيمة وشيقة لصناع الأفلام في “هوليود” والأفلام القوية تعتبر منبراً أقوي تأثيراً من أي منبر آخر ولكنه مازال الأمر بالنسبة إلينا بعيداً والصوت الصادر ضعيفاً خافتاً مع أنه لدينا منابر لا تعد وأصوات زاعقة تطمس الوعي والرؤية وتحجبها.