المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد

دبلوماسية.. الحل العسكري يجلب دائما العار على منفذيه

في إطار تكريم المخرج الألماني فولكر شلوندورف
“دبلوماسية”.. الحل العسكري يجلب دائما العار على منفذيه
“سينماتوغراف” ـ عمار محمود
 
“دبلوماسية” هو أحدث أفلام المخرج الألماني فولكر شلوندورف، والذي كرمه مهرجان القاهرة السينمائي في هذه الدورة بجائزة نجيب محفوظ عن مجمل أعماله، وقد نال الفيلم جائزتين عن أفضل ممثل وأفضل مخرج في مهرجان بلد الوليد في دورة هذا العام، ويشارك في قسم مهرجان المهرجانات.
 
فولكر شلوندورف هو واحد من أهم مخرجي الموجة الألمانية الجديدة مع هيترزوج وفيم فيندرز وفيرنر راينر فاسبندر والذي عرض صباح أمس الاثنين أيضا فيلم يجمعهما وفاسبندر كان له دور البطولة عن فيلم (Baal)، ولشلوندورف العديد من الأفلام الهامة كالطبلة الصفيح و شرف كاترينا بلوم الضائع و أفلام أخرى.
 
ذكر شلوندورف في المؤتمر الذي عقد بعدد عرض الفيلم، بأن الأعمال ذات الطابع السياسي غير جماهيرية في الوقت الحالي، وبالرغم من ذلك، فإن أحدث أفلامه موضوعها الرئيسي سياسي، ومن النوع السياسي الثقيل، أي في فترة الحرب العالمية الثانية، وأثناء احتلال القوات الألمانية لمدينة باريس.
 
لكن المحتوى السياسي في الفيلم، لم يكن سوى ذريعة للمخرج للحديث عن أكثر اللحظات الإنسانية ضيقاً وخوفاً وشكّا، من خلال عرضه للموقف الأخلاقي الرهيب الذي يتورط فيه الجنرال الألماني فون تشولتز (نيلز أريستروب) مع القنصل السويدي راؤول نوردلينج (آندريه داسولير)  أثناء اتخاذ قرار ألماني بتدمير مدينة باريس تماما.
 
في شكل كلاسيكي تماما من أساليب السرد، يعرض الفيلم الوضع المتأزم للجيش الألماني على أراضي مدينة باريس، والهجوم القادم من قوات الحلفاء والذي يقتربون من المدينة شيئا فـِشيئا، ثم محاولة القنصل المفاوضة مع الجنرال الألماني من أجل تخليه عن ذلك القرار، إلى نهاية ذروة الأحداث وتصاعدها.
 
سيناريو الفيلم مقتبس عن مسرحية للكاتب سيريل جيلي، والاقتباس ليس للنص المسرحي فقط، وانما لذات المسرح نفسها، إذ أنه حوالي 80% من أحداث الفيلم تحدث في مكان مغلق يدخل ويخرج إليه الأبطال، والمشاهد تتصاعد بالحوار.
 
 
يبدأ الفيلم بلقطة عين الطائر لمدينة برلين التي تدمرت أثناء الحرب، ثم ينتقل مباشرة إلى لقطة قريبة جدا لوجه راؤول، الدبلوماسي السويدي، مفتتحا الفيلم بعرضه للدمار الحاصل والدمار الذي ممكن أن يحصل، وعارضا للقيمة الأهم والتي هي محور الفيلم الأساسي، قيمة الإنسان، عندما يدرك قيمة ما حوله.
 
في الحرب العالمية الثانية، وأثناء احتلال القوات الألمانية لمدينة باريس، يذكر في الفيلم بأنه قبيل اقتراب قوات الحلفاء من بريطانيا وأمريكا لباريس، لإخراج الجيش الألماني منها، كانت ألمانيا تحارب على ثلاثة جبهات، وكان هنالك جنرال في الجيش الألماني يرتب تجهيزاته لتدمير مدينة باريس، بالإتفاق مع القيادات الألمانية في برلين، محاولين بتلك التفجيرات، إخماد حدة المقاومة الفرنسية التي قاربت على تصفية القوات الألمانية في باريس، وأيضا لسبب آخر هو تدمير باريس كما دمرت برلين، كي تتساوى الرؤوس.
 
عندما أدرك القنصل السويدي بأن تلك التفجيرات على وشك الحدوث، قرر التدخل السلمي، مستخدما الحوار والدبلوماسية والتي هي العنوان والفكرة الرئيسية للفيلم، كي يتفاوض مع الجنرال الألماني كي يمنع تلك الكارثة.
 
هاتان الشخصيتان هما المحور الرئيسي لأحداث الفيلم، فالقنصل يحاول منع التفجيرات لإيمانه بالقيمة الإنسانية لمدينة باريس أولا، وثانيا القيمة التدميرية الكبيرة للتفجيرات والتي من المحتمل بأن تقضي على ثلاثة مليون نسمة وهو تعداد سكان باريس في تلك الأثناء.
 
والجنرال يحاول تنفيذ أوامر قادته بلا تردد، بالرغم من قناعته بأن باريس، لن تجلب أية مكاسب سياسية للجيش الألماني، لكنه لا يقدر على رفض تلك الأوامر لأن الحكومة الألمانية في برلين، تمارس أسوأ أنواع الابتزاز المعنوي، وهو احتجاز اسر الجنود المتواجدين في باريس كي لا ينسحبوا وكي يطيعوا الأوامر بدون أية مناقشة.
 
تنتقل الأحداث دوريا من الحوار الذي يحدث بين الجنرال والقنصل، إلى الاستعدادات لتنفيذ التفجيرات في مدينة باريس، وتأتي منها حلاوة الفيلم.
 
إذ أن الفيلم أصلا لا يشغله الموضوع السياسي، لأنه لا توجد معلومة تاريخية مؤكدة عن عملية تدمير باريس، وإنما الهم الأكبر للفيلم، هو عرض الموقف الإنساني في أحلك المواقف بين الحياة والموت، بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، وأثر الحوار والدبلوماسية في حل المشكلات، وأثر ذلك فيما بعد، لأنه أيضا يحقق المجد الحقيقي لأطرافه، والحل العسكري دائما يجلب العار على منفذيه.
 
الحيوية التي تتخلل الفيلم تأتي من تنوع الحوارات، فبداية من التعارف إلى ظهور المشكلة إلى محاولة حلها ثم محاولة إقناع الجنرال بالتراجع عن التفجيرات، ووسط ذلك كله تأتي مشاهد حية من تلك التجهيزات، وتلك الحيوية هي التي سارعت بإيقاع الفيلم، ثم الأداء المتميز جدا من الممثلان الفرنسيان أريستروب وداسولير واللذان كانا هما أيضا الممثلين الرئيسيين في المسرحية التي اقتبس عنها الفيلم، وبالرغم من قلة اللقطات الخارجية في الفيلم، إلا أنها كانت كثيفة الأثر، لأنه تم استخدامها لعرض احتقار الألمان للفرنسيين، وعرض جمال المدينة وأهميتها أثناء حوار القنصل مع الجنرال، ثم لاختتام الحوارات ونجاح الحل الدبلوماسي. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى